رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 22 فبراير، 2011 0 تعليق

عددهم 40 ألف مسلم- المسلمون في بولندا..محاولات لاستعادة الهوية الإسلامية

 

ستمائة عام هي عمر الوجود الإسلامي في بولندا، التي يعيش فيها اليوم ما يقرب من 40 ألف مسلم أكثرهم من أصل تتري، إلى جانب بعض الأصول العربية والتركية، والباكستانية، والشيشانية، وهم يعتزون بدينهم، رغم ما تحملوه عبر تاريخهم من مآس وويلات ومحاولات للتجهيل واستئصال الوجود الإسلامي من على هذه الأرض.

      رغم المحنة التي مروا بها، يصرون على الاعتزاز بعقيدتهم ودينهم، ويواصلون عملهم الإسلامي للحفاظ على هويتهم الإسلامية في تلك البلاد الأوروبية، ويحتاجون في سبيل ذلك إلى الدعم الاقتصادي والديني لتطوير حياتهم وتحسين أوضاعهم الاجتماعية، وبناء المزيد من المساجد، حيث لا يوجد حاليا إلا أربعة مساجد فقط في البلاد، وهي لا تكفي لاستيعاب هذا العدد المتزايد من المسلمين.

تاريخ المسلمين

       بولندا جمهورية تطل على بحر البلطيق، وتحدها روسيا شرقا، وألمانيا غربا وجمهورية التشيك والسلوفاك جنوبا، ويعود أصل المسلمين في هذه البلاد إلى بقايا التتر المسلمين الذين هاجروا إلى بولندا، والذين يرجع تاريخهم هناك إلى أكثر من 600 عام، ويعتبر وجودهم نتيجة مباشرة للحملات المغولية التي شمل نطاقها أوروبا الشرقية.

         فدولة التتار التي قامت في مطلع القرن الثالث عشر، وشملت مناطق خوارزم وسيبريا الجنوبية والقرم، قد توسعت باتجاه أوروبا؛ حيث انقسم التتار إلى فريقين متناحرين، وأسفرت الحرب بينهما عن هزيمة جماعة تتارية بقيادة (توختا خان)، الذي هرب مع جماعته في 1300م، باتجاه أراضي المملكة البولندية طلبا للحماية، واستقرت في مدينة كروكوف.

       وقد شكل هؤلاء الدفعة الأولى من التتار المسلمين الذين استوطنوا في بولندا، أما الدفعة الثانية فوصلت عام 1434م؛ حيث أعلن الأسقف (ميكواي كوزردفسكي)، بمناسبة تشييع ملك بولندا، عن وصول نحو ألفي تتاري، وأن الكنيسة قررت استقبالهم، ووهبتهم أماكن للسكن والعيش في القرى والمدن، في محاولات لإغرائهم وتمهيدا لتنصيرهم، وأما الدفعة الثالثة فكانت كبيرة واستوطنت في ولاية «لاتفيا».

100 ألف مسلم

       وفي القرن الـ 16، استعان الليتوانيون بالمحاربين التتر المسلمين في الحفاظ على حدودهم مع ألمانيا، وأقطعوهم الأراضي وأعطوهم بعض الامتيازات، فتكونت من هؤلاء التتر جالية إسلامية كبيرة في ليتوانيا وبولندا.

        وقد بلغ عدد التتار المسلمين في عام 1591م قرابة 60 ألفا أو 70 ألف نسمة، وكان لهم وقتها حوالي 400 مسجد، وفي عهد الملك (سيجموند الثالث)، وصل تعداد التتار إلى 100 ألف مسلم، وقد تمتعوا بالتسامح الديني، وأقاموا علاقات مع المراكز الإسلامية في الخارج.

       واستقر التتار في البداية في إمارة ليتوانيا العظمى، وأسفر وجودهم في بولندا على مدى قرون عدة عن اندماجهم الكامل مع المجتمع البولندي، ووصل ذلك إلى حد الانصهار في هذا المجتمع تماما، فقد تغير نمط حياة التتار من الترحال التقليدي لديهم إلى حياة الاستقرار، ومن ثم بدأت عملية انصهار التتار فيما يتعلق بلغتهم، والتي نتج عنها أنه مع حلول القرن الثامن عشر لم يعد التتار يجيدون لغاتهم الأصلية وبدؤوا يستخدمون اللغة البولندية.

        وفي سنة 1683م وقفت بولندا في وجه الدولة العثمانية ومنعت مد سلطانها في غرب أوروبا، وذلك عندما حاصرت تركيا فيينا، فقام التحالف الأورووبي، واستطاع النصارى أن يهزموا تركيا في معركة (وينروالد) في 12 سبتمبر 1683م، وكانت هذه بداية التقلص للإمبراطورية الإسلامية وللوجود الإسلامي في بولندا.

العصر الذهبي

        وفي القرن العشرين عاش المسلمون عصرا ذهبيا وحرية كبيرة في الفترة ما بين الحربين العالميتين، فبعد أن شارك المسلمون في استقلال بولندا اعترفت الدولة بالاتحاد الإسلامي البولندي سنة 1925م، وعين الدكتور (يعقوب شينكيفيتش) رئيسا عاما للاتحاد، وكان الاتحاد يشرف على 19 حيا من الأحياء الإسلامية و17 مسجدا و7 آلاف مسلم.

        وصدرت مجلات إسلامية مثل «المسلم البولندي» سنة 1925م، واهتم المسلمون بتاريخهم، وشهدت هذه السنوات نهضة ثقافية ملحوظة، ونشرت طبعات للقرآن وبعض الكتب، وكانت الأقلية المسلمة تمثل أقصى امتداد إسلامي لها في هذه البلاد حتى قيام الحرب العالمية الثانية.

        وبعد انهيار الشيوعية وزوالها، لم ينقطع أمل المسلمين البولنديين في الحفاظ على هويتهم الإسلامية وحماية أجيالهم القادمة، وبدأ المسلمون يتنفسون الحرية، وانطلقت نشاطاتهم المختلفة، ففي عام 1984م زارهم مفتي لبنان الراحل الشيخ «حسن خالد»، وتلا ذلك زيارة وفد من رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، حيث كانت هاتان الزيارتان نقطة انطلاق لتتحرك أول مجموعة من حجاج بولندا إلى الأراضي المقدسة، والتحاق أعداد من الطلبة المسلمين البولنديين لتلقي العلوم الشرعية في الجامعات الإسلامية، وربط أواصر التعاون والتواصل بين مسلمي بولندا والأمة الإسلامية.

        وفي عام 1987م انطلق النشاط الإسلامي في بولندا من خلال افتتاح الفصول التعليمية في نهاية كل أسبوع، للمئات من أطفال المسلمين هناك، من ذوي الأصول التتارية، ويلتحق غيرهم من الشبان والشابات بالكليات والجامعات الإسلامية في الخارج.

جمعية الطلبة المسلمين

       كما برز النشاط الثقافي لجمعية الطلبة المسلمين في بولندا، حيث أصدرت مجلة (الحكمة) باللغة البولندية، ومجلة (الحضارة) باللغة العربية، بالإضافة إلى عدد من نشرات التوعية، وتنظيم المؤتمرات والمخيمات، وسعيها المتواصل لإنشاء عدد من المساجد والمراكز الإسلامية.

         ويزاول المسلمون البولنديون شعائرهم الدينية ونشاطهم الاجتماعي والثقافي في المساجد مثل مسجد (غدانسك) الجديد الذي افتتح رسميا عام 1990م، ومسجدي مدينتي «كروجينيان وبوهونيكي» إلى جانب مصليات في العاصمة البولندية وارسو، وفي مدينة بياوستوك.

         وقد بدأ المجتمع المسلم في بولندا ينظم صفوفه، فهناك مفتي عام يشرف على شؤونهم الدينية والثقافية، كما سمحت له الحكومة بتشكيل «المجلس الإسلامي البولندي». وهو كيان قانوني معترف به، وله حق بناء المساجد، وإنشاء المدارس ومقره بالعاصمة وارسو. وقد أقام المجلس مركزا إسلاميا جامعا في بياليتستوك يشمل مسجدا ومدرسة لتعليم القرآن الكريم وقاعة للمحاضرات ودارا للضيافة.

        وهناك جمعيات إسلامية أخرى في بولندا مثل: اتحاد مسلمي بولندا، ودائرة مسلمي بولندا، واتحاد الطلبة المسلمين البولنديين، والاتحاد البولندي للتتار، والجمعية الإسلامية للتأهيل والثقافة، ولهذه الجمعيات أنشطة تعليمية دينية ودعوية وخيرية.

الرابطة الإسلامية في بولندا

       ومن أهم المؤسسات الإسلامية في بولندا الرابطة الإسلامية، التي تأسست في 14 يناير 2001م في مدينة وارسو، وخلال 3 سنوات كانت جميع الجهود منصبة على تسجيلها رسميا، وتم بالفعل تسجيلها بوصفها رابطة دينية في بولندا في دائرة الأديان بوزارة الداخلية، في سجل الكنائس والاتحادات الدينية الأخرى بتاريخ 6 يناير 2004م.

وقد تأسست هذه الرابطة بوصفها اتحاد ديني بمبادرة من المؤسسات الإسلامية العاملة في بولندا، ومباركة من اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا عن طريق المسلمين من أصحاب البلاد الأصليين ومن الحاملين للجنسية البولندية المقيمين على أرض بولندا من بلدان إسلامية مختلفة.

        وكان الدافع الرئيسي لتكوينها هو الزيادة المطردة للمسلمين في بولندا في العقدين الأخيرين، وتلبية للاحتياجات الكبيرة للمسلمين في بولندا والمكفولة من خلال القوانين الخاصة بالطوائف والاتحادات الدينية، والتي لا يمكن الحصول عليها دون وجود جهة رسمية تمثل المسلمين، وتسعى لإيصال هذه الحقوق لهم، بالإضافة إلى التوسع الملحوظ لساحة العمل الإسلامي ومتطلباته.

         وتتعاون الرابطة مع المؤسسات الإسلامية الأخرى في بولندا، مثل الجمعية الإسلامية للتأهيل والثقافة، وجمعية الطلبة المسلمين في بولندا، وتسعى كاتحاد ديني بالتوافق مع هذه المؤسسات إلى ضمها في عضويتها والعمل في إطار الرابطة بوصفها مؤسسة رئيسة، وهذه الرابطة تعد عضوا عاملا في اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا.

          وتعتمد الرابطة الإسلامية في مرجعيتها على القرآن الكريم والسنة، وما أقره السلف الصالح وعلماء المسلمين المعتبرين قديما وحديثا، وتستهدف كما ينص دستورها على تحقيق ما يلي:

1- نشر الإسلام وتعليم وتعميق مفاهيم الدين الإسلامي.

2- تسهيل إقامة الشعائر الدينية للمسلمين.

3- إقامة وإدارة المراكز الإسلامية ودور العبادة.

4- تمثيل المسلمين على المستوى الداخلي والخارجي.

5- التواصل والتفاعل مع المجتمع البولندي، مع الحفاظ على الهوية الإسلامية.

6- التعاون الفعال والبناء في مختلف نواحي الحياة بين الرابطة والديانات الأخرى.

7- الدفاع عن حقوق الإنسان ومحاربة كل أنواع التمييز العنصري والتعصب.

        وتعتمد في تحقيق تلك الأهداف على تنظيم الحياة الدينية، وتمثيل المسلمين أمام الدوائر والمؤسسات الحكومية المختلفة، وتنظيم المحاضرات والمؤتمرات، وإصدار الكتب الإسلامية، وإصدار مجلة الرابطة التي تتناول الشؤون الاجتماعية والثقافية وتسمى (السلام)، وبث برامج إذاعية في الراديو والتلفاز تحتوي على مواضيع دينية وأخلاقية واجتماعية وثقافية، وتنظيم أيام الثقافة الإسلامية، وإقامة المعارض التي تعرض الفن والثقافة الإسلامية، والقيام بنشاطات تربوية وتعليمية، وبناء المساجد والمصليات، وتوفير مقابر إسلامية وتوسيعها بحسب احتياجات المسلمين.

مساجد بولندا

         وإذا نظرنا إلى مساجد بولندا اليوم نجد في العاصمة البولندية (وارسو) مسجدا وحيدا يقع في حي هادئ من الصعب ملاحظته من بعيد لأن البيوت تحيطه، ويعد هذا المسجد مركزا للمسلمين، وخارج «وارسو» تفتخر «بولندا» بجامعين تاريخيين، يعودان إلى القرن السابع عشر والثامن عشر.

          وهناك مشروعات كثيرة لتشييد مساجد جديدة على الأراضي البولندية، فالعاصمة البولندية (وارسو) والتي يعيش فيها ما بين 11 و13 ألف مسلم، تشهد قيام الاتحاد الإسلامي بمشروع لبناء مركز إسلامي كبير بوسط المدينة، وسيتم بناؤه بجوار مركز (المدينة الزرقاء) التجاري، ويتكون من مسجد ذي مئذنة يبلغ ارتفاعها ثمانية عشر مترا، ومكتبة ومطعم ومقهى ومعرض للأعمال الفنية الإسلامية، والمركز سيقوم بتمويله أحد المستثمرين السعوديين.

          ولمحاولة سد العجز في المساجد، يقوم المسلمون هناك بإنشاء المساجد الخشبية قليلة التكلفة، والصغيرة الحجم إلى حد ما، ولذلك تنتشر هذه المساجد في الأحياء الإسلامية بالعاصمة وارسو وغيرها من المدن البولندية.

المصدر: مجلة الحج والعمرة

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك