رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة - الفرقان: أحمد عبد الرحمن 23 أبريل، 2012 0 تعليق

عداؤها المستمر للعالم الإسلامي بدأ في عهد القياصرة ولم ينته بانهيار الاتحاد السوفيتي- موسكو تحارب معركتها الأخيرة ولن تعبأ بدماء السوريين

 

لم تأت روسيا بجديد حين أيدت الحكم الطائفي الأسدي في مجازره ضد الشعب السوري ولإعطاء الضوء الأخضر للأسد للولوغ في دماء السوريين بشكل خلف حتى الآن أكثر من 10 آلاف قتيل بحسب أرقام الهيئة العام للثورة السورية دفعوا حياتهم ثمنًا لمسيرة الخلاص الدامية من حكم الأسد.

فروسيا القيصرية والبلشفية أو حتى ما بعد سقوط الرداء السوفيتي لم تألُ جهدًا في أن تسطر تاريخًا دمويًا مع المسلمين، فكانت طوال تاريخها حائط صد انتشار المد الإسلامي في بلدان القوقاز والقرم، بل إنها ساهمت في اقتلاع الإسلام من بلدان عديدة من بينها جمهوريات عديدة ضمها الاتحاد الروسي سنوات طويلة، بل إن أرقاما رسمية أكدت أن أكثر من 15 مليون مسلم دفعوا ثمنًا باهظًا لسنوات ستالين الدموية في الحكم بين قتيل ومصاب ومشرد في سيبيريا قبل أن يهلك في بداية الخمسينيات من القرن الماضي.

       وواصلت موسكو تاريخها الدموي مع العالم الإسلامي تارة بالتدخل في المملكة الأفغانية في عهد ظاهر شاه ودعم انفلات شيوعي دعمه محمد داود قبل أن ينقلب عليه كارمل ونجيب الله وتمهيد الأجواء لغزو سوفيتي أحمر لبلاد الأفغان أسهم في مقتل مئات الآلاف منهم وتشرد ملايين الأفغان في بلدان الجوار في مقدمتها باكستان، ناهيك عن ضحايا هذا العدوان الذي استمر عشر سنوات قبل أن تخرج القوات السوفيتية تجر أذيال الخيبة على وقع انتصار المجاهدين الأفغان ودحرهم للدب الروسي قبل أن تدب الخلافات فيما بينهم.

انهيار وتفكك

       ولم تسهم الهزيمة السوفيتية في أفغانستان وتداعياتها التي أدت بحسب كثير من الباحثين السياسيين إلى انهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه إلى 15 دولة نتيجة للهزيمة العسكرية في بلاد البشتون في وقف المؤامرات الروسية ضد المسلمين، فلم تمر سنوات عدة - أو لنقل أشهر - على انهيار الاتحاد السوفيتي ومولد روسيا الاتحادية حتى عاود حنين سفك دم المسلمين قادة الكرملين حيث دعموا مذابح سلوبودان ميلوسوفيتش جزار بلجراد ضد مسلمي البوسنة وأسهموا في مقتل أكثر من 10 آلاف مسلم وجاء العدد الأكبر في مجزرة سربرنيتشا في تسعينيات القرن الماضي ودعمت بدون هوادة قيام الصرب بأبشع عمليات تطهير ضد مسلمي البوسنة.

مشهد مكرر

       وتكرر المشهد نفسه في إقليم كوسوفو الذي اقتحمته الآلة العسكرية الصربية وحاول تكرار السيناريو الدموي نفسه في البوسنة حيث وفرت موسكو الدعم السياسي والدبلوماسي والعسكري لجزار بلجراد لاستئصال شأفة المسلمين في كوسوفو وهو ما استمر سنوات عديدة قبل أن يستفيق حلف الناتو في إطار لعبة المصالح لتصفية حسابات مع يوغوسلافيا الاتحادية ويطرد القوات الصربية من الإقليم إثر قصف متواصل استمر ما يقرب من شهرين لأهداف صربية.

عداء سافر

       ويرى د. سعد الحلواني أستاذ التاريخ الإسلامي أن سجل روسيا ضد الإسلام مؤسف ومروع؛ فقد تفنن الروس في الولوغ في الدماء الإسلامية حتى في زمن القياصرة حتى لا تحمل الشيوعية وحدها سببًا لهذا العداء رغم أن المشروع الإسلامي شكل مشروعًا مناهضًا دوما للمشروع السوفيتي.

       وأضاف: ما فعلته موسكو في كل من أفغانستان والبوسنة وكوسوفو وسوريا حاليًا يكشف مدى العداء الشديد للمشروع الإسلامي عامة وثورات الربيع العربي، فهي تدرك أن مصالحها تسير في إطار وجود أنظمة ديكتاتورية مستبدة وترى أن الربيع العربي سينهي نفوذها في المنطقة، فضلاً عن أن وصول الإسلاميين للحكم سيسدد رصاصة الرحمة على مساعيها لاستعادة أرضيتها في المنطقة.

       ولفت إلى أن صفحة علاقات موسكو بشعوب المنطقة تبدو سوداء فقد دعمت موسكو الكيان الصهيوني وكانت أولى المعترفين به؛ سعيًا لإضعاف المنطقة وإيجاد حائط صد لها وحاليًا تدافع عن موقعها الأخير في المنطقة رغم يقينها بصعوبة موقفه.

       غير أنه يرى أن ردود الفعل السلبية من جانب العالم الإسلامي هي التي تدفع موسكو للاستمرار في غيها؛ فهي لم تجد موقفًا صلبًا من الدول الإسلامية على موقفها من جرائم الصرب في البوسنة والهرسك وكوسوفو بل إن الدول العربية بدلاً من أن تتخذ موقفًا عقابيًا على مجازر موسكو أو غضها الطرف عن المجازر في صفوف المسلمين في جميع أنحاء العالم وجدناها تكافئ موسكو على هذه المواقف بمقعد مراقب في منظمة المؤتمر الإسلامي وهو ما شجعها على تبني مواقف عدائية ضد المسلمين مادامت تحصل على مقابل لهذه المواقف.

أشلاء المسلمين

       وكعادتها موسكو دائمًا لا تجد ما يحقق أهدافها ومصالحها الإستراتيجية إلا على أشلاء العرب والمسلمين فقد أعادت السيناريو نفسه بغضها الطرف عن مجازر النظام الطائفي العلوي في سوريا للاستمرار في الحكم، وتوفير المعدات العسكرية والدعم الدبلوماسي لدحر انتفاضة السوريين الساعين لإنهاء أربعين عامًا من الحكم الديكتاتوري الاستبدادي العلوي لشعب أغلبيته الساحقة من أهل السنة والجماعة، حيث وقفت موسكو بكل قوة ضد أي إدانة للأسد وأرسلت بوارجها لميناء طرطوس لتعلن بشكل واضح وقوفها مع جرائم الأسد وعدم قبولها أن تخسر حليفًا إستراتيجيًا مثل الأسد ولاسيما أنها لم تفق حتى الآن من صدمة سقوط القذافي وفقدان واحد من أهم حلفائها وأبرز مستورد لأسلحتها في منطقة المغرب العربي.

طوق نجاة

       وحالت الدبلوماسية الروسية دون إدانة مجازر الأسد في مجلس الأمن، شاهرة الفيتو في وجه مشروع القرار العربي لإدانته وتمهيد الساحة لمعاقبته على ما أجرم في حق السوريين.

       ولا ينبغي في هذا المقام تجاهل أن روسيا توفر طوق النجاة حتى الآن لنظام الأسد وفق نهج براجماتي بحت، فموسكو تدرك أنها بخسارة الأسد ستفقد حليفًا إستراتيجيًا آخر من الدرجة الأولى وسوقًا رائجة لآلتها العسكرية وامتدادًا عبر ميناء طرطوس على البحار الدافئة وعينًا على مجمل التطورات في المنطقة واقترابًا من أهم البقاع الإستراتيجية في العالم وهي المنطقة العربية بما تملكه من إمكانيات وثروات إستراتيجية وموقع شديد الأهمية، فعائلة الأسد منذ عقود توفر لموسكو غطاء إستراتيجيًا وامتدادًا لوجيستيًا يصعب تكراره مع أي وسيط، ويكفي أنه عين موسكو على مجمل التطورات في المنطقة من فلسطين ولبنان والعراق وغيرها من المحطات التي توفر لموسكو اطلاعًا دائمًا بل مؤثرًا على مجمل التطورات في المنطقة.

       لذا لا يعتقد د. محمد رفعت الإمام الخبير في الشؤون الروسية والباحث السياسي أن هناك تغييرًا إستراتيجيًا سيطرأ على الموقف الروسي من نظام الأسد، فقادة الكرملين حددوا خياراتهم وهي الرهان على نظام الأسد حتى آخر الشوط - كما يقولون - انطلاقًا من إدراكهم صعوبة تعويض مثل هذا الحليف ولاسيما أن النظام القادم سيكون أمريكيًا بامتياز لاعتبارات عديدة منها مراهنة موسكو على الأسد بوصفه حليفاً إستراتيجي.

       غير أن د. الإمام أكد أن فشل مبادرة كوفي عنان سيكون له تداعيات سلبية على الموقف الروسي وسيزيد من حجم الإحراج الذي سيواجه موسكو ولاسيما أنها راهنت على الأسد بكل قوة وطلبت منه ضرورة التعاطي الإيجابي مع كل ما يعرض عليه لحل الأزمة أو ما يمكن أن نصفه بأن يقتل كل شيء قبل أن يخسر كل شيء.

       وتابع: موسكو تدرك أنها وحليفها في مأزق شديد في ظل تصاعد الضغوط الدولية عليها واقتراب قوى إقليمية ودولية من المضي قدمًا في تسليح الجيش السوري الحر بشكل قد يغير من لعبة توازن القوى في المنطقة.

غير أن موسكو- والكلام مازال للخبير في الشؤون الروسية- تبدو في موقف شديد الصعوبة فتجارب الربيع العربي تثبت أن النظام السوري شأنه مثل أغلب الأنظمة سيتهاوى إن آجلاً أو عاجلاً، وبالتالي فلن يكون لروسيا موطئ قدم في سوريا ومن ثم يدفعها هذا للتمترس خلف النظام رغم يقينها بحتمية سقوطه في النهاية. 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك