رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 20 نوفمبر، 2024 0 تعليق

عبـادة التـفكـر

في القرآن آياتٌ عديدة مشتملة على الحث على التفكر، وبيان عظيم شأنه وجليل قدره وكبير عوائده وفوائده، وثناءٌ على أهله وبيانٌ لعلوِّ مقامهم ورفعة شأنهم، يقول الله -سبحانه وتعالى-: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} (البقرة:219)، ويقول -سبحانه-: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الرعد:3)، ويقول -جل وعلا-: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل:11)، ويقول -جل وعلا-: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ} (الروم:8)، ويقول الله -سبحانه-: {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (يونس:24).

  وهذا التفكر العظيم الذي دعا الله -عزَّوجل- عباده إليه وحثَّهم عليه ورغَّبهم فيه مفتاحُ كل خير، وأساس كل فلاحٍ وصلاح، ومنبع كل فضيلة، وهو من عبوديات القلب العظيمة الجليلة؛ إذ ينقل الإنسان من الغفلة إلى اليقظة، ومن المعصية إلى الطاعة، ومن المهانة إلى العزَّة.

عظمة الله

فمن تفكر في عظمة الله وأنه -عزَّوجل- مطَّلعٌ على العباد لا تخفى عليه منهم خافية، سميعٌ بصير، عليمٌ قدير، فإن هذا التفكر يمنعه من الوقوع في معصية الله -عزَّوجل-، وقد قال الله -تعالى-: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (فاطر:28). ومن تفكر في الآخرة وأنها ارتحلت مقبِلة، وأنها هي الحيَوان، وتفكر في نعيمها وما أعدَّ الله -سبحانه وتعالى- لأوليائه من عظيم المآب وجميل الثواب، فإن ذلك يحفِزه ويدفعه لحُسْن التهيؤ وتمام الاستعداد ليوم المعاد، ومن تفكر في هوان الدنيا وحقارتها وسرعة زوالها وتصرُّمها، فإنه لن يجعلها أكبر هــمِّه ولا مبلغ علمه ومن تفكر في الذنوب وعظَم خطورتها وسوء عواقبها على أهلها في الدنيا والآخرة، فإنه يحاذر من الوقوع فيها ويتجنَّبها، ومن يتفكر في العبادات وأنه إنما خُلق في هذه الحياة للقيام بها وتحقيقها، فإنه يجاهد نفسه على القيام بها على أتمِّ وجهٍ وأحسن حال. إن التفكر في آلاء الله -سبحانه وتعالى- ونعَمه عبوديةٌ عظيمة تجعل القلب يقبِل على الله خضوعاً وذُلا وإيماناً بكمال الخالق وعظمة المبدع -سبحانه.

الإنشغال بالأمور النافعة

        ومن لم يَشغَل قلبه بالأمور النافعة والتفكير الذي يعود عليه بالخير في دنياه وأخراه انشغل قلبه بأفكارٍ مذمومة؛ ولهذا يشبِّه بعض أهل العلم النفس البشرية بأن مثلها كمثل الرحى دائمة الدوران تطحن كل ما أُلقي فيها، فمن وضع في هذه الرحى قمحاً وشعيراً وجد طحيناً ينتفع به، ومن يضع فيها حجراً أو حصًى فلن يحصِّل منه على شيء ينتفع به، وهكذا نفس الإنسان تدور بأفكار وأفكار ثم ينبع عن تلك الأفكار إرادات وعزائم؛ فمن كانت أفكاره وتفكره فيما ينفعه في معاشه ومعاده فإنه سيمضي في هذه الحياة على خير حال، ومن كانت أفكاره في أمورٍ حقيرة وأعمال دنيئة ويخطِّط في غير ذلك سيجني عاقبته.

مجاهدة النفس

        ما أحوجنا إلى أن نعالج أفكارنا، وأن نصحِّح مسارنا، وأن نجاهد أنفسنا على الواردات النافعة والأفكار القويمة التي تعود علينا بالنفع العظيم والخير العميم في الدنيا والآخرة! فإن التفكر كما أمر الله -عزَّوجل- به ودعا إليه عبوديةٌ عظيمة الشأن جليلة القدر، والعبد ليصحِّح نفسه في هذا المقام يحتاج إلى الاستعانة بالله -جلَّ وعلا-، والحرص على كل المنافذ والأبواب التي تجلب لقلبه ما ينفعه ويعود عليه بالخير والفائدة في دينه ودنياه.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك