طول الأمل والاغترار بالدنيا
قال سَماحة العلَّامةِ الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -معلقا على رياض الصالحين: قال الله -تعالى-: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (آل عمران: 185). ينبغي للعاقل أن يتذكر الموت وأن يقصر الأمل، يعني الأمل في الدنيا، وليس الأمل في ثواب الله -عز وجل- لمن عمل صالحًا، فكم من إنسان أمَّل أملًا بعيدًا فإذا الأجلُ يَفجَؤه! وكم من إنسان يقدِّر ويفكِّر سيفعل ويفعل ويفعل، فإذا به قد انتهى أجَلُه وترك ما أمَّله، وانقطع حبل الأمل، وحضر الأجل! فالذي ينبغي للإنسان العاقل أنه كلما رأى من نفسه طموحًا إلى الدنيا، وانشغالًا بها، واغترارًا بها، أن يتذكر الموت، ويتذكر حال الآخرة؛ لأن هذا هو المآل المتيقن، وما يؤمِّله الإنسان في الدنيا فقد يحصل وقد لا يحصل {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ} لا ما يشاء هو، بل ما يشاء الله -عز وجل-: {لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} (الإسراء: 18، 19). لا بد أن تذوق الموت، قال -تعالى-: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (آل عمران: 185)، {كُلُّ نَفْسٍ} فكل نفس منفوسة من بني آدم وغير بني آدم {ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}، وعبَّر بقوله: «ذائقة»؛ لأن الموت يكون له مذاق مرٌّ يكرهه كل إنسان، لكن المؤمن إذا حضره أجلُه وبشِّر بما عند الله -عز وجل-، أحَبَّ لقاء الله، ولا يكره الموت حينئذٍ، قال -تعالى-: {وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي: تُعطَونها وافية كاملة يوم القيامة. وإن أوتي الإنسان أجره في الدنيا، فإنه ليس هذا هو الأجر فقط؛ بل الأجر الوافي الكامل الذي به يستوفي الإنسان كلَّ أجره يكون يوم القيامة، وإلا فإن المؤمن قد يُثاب على أعماله الصالحة في الدنيا، لكن ليس هو الأجر الكامل الذي وفى التوفية الكاملة التي تكون يوم القيامة، {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ} زحزح يعني أُبعِد عن النار {وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ}؛ لأنه نجا من المكروه، وحصل له المطلوب، نجا من المكروه وهو دخول النار، وحصل له المطلوب وهو دخول الجنة، وهذا هو الفوز العظيم الذي لا فوز مثله، {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (آل عمران: 185). صدق الله -عز وجل-؛ فالدنيا متاع الغرور يعني متاعا ليس دائمًا؛ بل كما يكون للمسافر متاع يصل به إلى منتهى سفره، ومع ذلك فهي متاع غرور تغُرُّ الإنسانَ، تزدان له وتزدهر وتكتحل وتتحسن، وتكون كأحسن شيء، ولكنها تغرُّه. كلما كثُرت الدنيا وتشبَّث الإنسان بها، بعُد من الآخرة؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «واللهِ ما الفقرَ أخشى عليكم، وإنما أخشى عليكم أن تُفتَح عليكم الدنيا كما فُتِحت على من كان قبلكم، فتَنافَسوها كما تَنافَسوها فتُهلِككم كما أهلَكتْهم». ولهذا نجد الإنسان أحيانًا يكون في حال الضيق أو الوسط خيرًا منه في حال الغنى؛ لأنه يغره الغنى ويُطغيه والعياذ بالله؛ ولهذا قال: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (آل عمران: 185)؛ يعنى فلا تغتروا بها، وعليكم بالآخرة التي إذا زُحزح فيها الإنسان عن النار وأُدخِل الجنة، فإنه بذلك يفوز فوزًا لا فوز مثله.
لاتوجد تعليقات