طريق الفلاح
تخيم على العالم سحب داكنة، ورياح عاصفة، وأمواج عاتية، سلبتها مقومات سعادتها وطيب حياتها وسر قوتها، وانتزعت منها أمنها وأمانها ومجدها وعزتها، هددتها بالدماء والدمار، وألبستها لباس الخوف والجوع، نشرت فيها الفساد بأنواعه المختلفة، وجلبت لها أمراض جسدية ونفسية واجتماعية لماذا كل ذلك؟ إنه بما كسبت أيدينا كما قال -تعالى-: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}وقال -تعالى-:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} وقال -تعالى-: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}.
إنه الانحراف والإعراض عن منهج الله، واقتحام حدوده وانتهاك حرماته، كل ذلك أوصل الناس إلى ما وصلوا إليه كما تقرره الآيات السالفات، الناس فسروا ما يجري عليهم تفسيراً مادياً، وغفلوا عن السبب الحقيقي لذلك، ألا وهو حكم رب العالمين وحكمته وإرادته ومشيئته وسننه الماضية في خلقه، إن هذا هو جزاء المخالفين عن هديه، المعرضين عن منهاجه: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا}.
تفسير خطأ
وبناء على تفسيرهم الخطأ للمرض ذهبوا يبحثون عن العلاج فأخطؤوا العلاج والتشخيص، ولو أنهم أدركوا سر ما أصابهم وسببه الحقيقي لاهتدوا للعلاج الناجح، وتوصلوا إلى الشفاء التام والعاجل.
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم
ففي ثلاث وعشرين سنة من رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم - شفى الله الناس من أمراض أخطر وأشمل وأعمق مما نحن فيه اليوم، إنه الإيمان الذي غرسه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نفوس هذه الأمة, الإيمان بمفهومه الصحيح: (تصديق بالجنان ونطق باللسان وعمل بالجوارح والأركان)، الإيمان الذي هو طاقة جبارة من القلب لتحرك أجهزة الجسد، وتنبثق من الفرد لتصنع الأمة بأسرها وتضيء للعالم بأجمعه.
طريق الخير والسعادة
إنه طريق الفلاح والخير والسعادة، أحق الناس بسلوكه والوصول من خلاله إلى تلك الغايات العظيمة هو الإيمان قال -تعالى-: {وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، والحياة الطيبة التي ينشدها كل إنسان، شرطها الأعظم الإيمان والعمل الصالح، قال -تعالى-: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ومرض الفقر وضنك المعيشة علاجه الإيمان، قال -تعالى-: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْض} والذل الضارب بأطنابه على ديار المسلمين علاجه والموصل إلى عكسه من العز والمجد والتمكين الإيمان قال -تعالى-: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ}. وقال -تعالى-: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.
الدفاع عن المؤمنين
بل إن الله -تعالى- يتولى الدفاع عنهم؛ فلا يحتاجون لأحد قال -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}، بل أيها الإخوة: إن المتأمل في حال الأمة ليدرك أن معظم ما أصابها هو بتسلط أعدائها عليها ورضوخها لهم واستسلامهم لهيمنتهم, والذي يرفع عنهم ذلك هو الإيمان، قال -تعالى-: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}، هذه دعوة الله -سبحانه الذي لا يخلف الميعاد فلماذا لا تتحقق لنا تلك الوعود؟!
تحقيق الوعود
- الجواب: إن تحقيق تلك الوعود مشروط بشروط، متى حققناها حقق الله لنا الوعود, إن تلك الوعود صادقة ومحققة قطعاً متى ما تحقق شرطها، إنه الإيمان الحق، الإيمان الذي هو الإسلام في شموله وتوازنه وعمقه وايجابيته, إيمان القرآن والسنة, إيمان الصحابة والتابعين, الذي هو معرفة ونية واعتقاد وعمل، إنه ليس مجرد شعار يرفع، أو دعوى تدعى، إنه أسلوب حياة متكامل , للفرد وللأمة، إنه ضياء ثاقب ينفذ إلى الفكر والعاطفة والإرادة في دنيا الفرد فيجري في كيانه عصارة الحياة، وينشئه من جديد، ويحوله من مخلوق تافه إلى إنسان ذي رسالة وصدق، ومن حيوان أو سبع إلى كائن أقرب للملائكة، ويمتد إلى المجتمع بأشعته الوهاجة المشرقة، فما زال دم الحياة يتدفق في عروقه والعافية تسري في أوصاله فيشفيه وهو سقيم، بل يحييه وهو رميم.
الإيمان الحق
الإيمان الحق هو الذي يخط آثاره في الحياة كلها، ويصبغها بصبغته الربانية في الأفكار والمفاهيم والعواطف والمشاعر والأخلاق والعادات والقيم والقوانين: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ}، والأمة التي تريد أن تحيا حياة الإيمان لا بد أن تكيف حياتها ومناهج تفكيرها وسلوكها وفقاً لما يوجبه عليها منطق الإيمان, وأن تحرر وجودها من كل ما يعوق هذا الإيمان، أو يحجب نوره وسناه وإلا كان إيمانها دعوى بلا برهان.
الوسائل الصحيحة
ولابد من أن نتخذ الوسائل الصحيحة لتقوية الإيمان وترسيخه في نفوسنا، ومن أهم تلك الوسائل:
تعلم العلم الشرعي وتعليمه وحضور مجالسة، وقراءة القرآن الكريم وتدبر معانية، والإكثار من ذكر الله، والازدياد من الطاعات، والكف عن الذنوب والمخالفات، والتوبة النصوح، ورحمة اليتيم وعيادة المريض وزيارة القبور.
لاتوجد تعليقات