رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.محمد أحمد عبد الكردي 8 مايو، 2012 0 تعليق

طريق الانتساب إلى أهل القرآن وثماره (2من2)

 

تناولنا في الحلقة الأولى خارطة طريق لكي تكون من أهل القرآن وخاصته، بالتقرب إلى الله بالتلاوة لآيات القرآن الكريم وتدبر معانيه والوقوف على فهم الآيات  والارتباط  الدائم  واليومي بالنظر إلى الآيات والقراءة بما يحفظ القلب ويزيد الخشوع، وفي هذه الحلقة نستكمل طرق التقرب إلى الله بحفظ كتابة وتدبر معانيه.

9- أخي الحبيب: أكثر من تلاوة القرآن الكريم وسماعه، وليكن لك صاحبا بالليل والنهار، فالقرآن يأتي شفيعا لأصحابه كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم : «اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران؛ فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان- أو: كأنهما فرقان من طير صواف- تحاجّان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة؛ فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة»(5) والبطلة، أي: السحرة.

     وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله  صلى الله عليه وسلم  ونحن في الصفة فقال: «أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطيعة رحم؟ فقلنا: يا رسول الله كلنا نحب ذلك، قال: «أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم أو فيقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين، وثلاث خير من ثلاث، وأربع خير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل»(6).

10- أخي المسلم طريق الوصول للانتساب لأهل القرآن يوجب عليك أن تتقدم خطوة أخرى وترتقي درجة، فحاول أن تكون ماهرا بالقرآن، ومتقنا لتلاوته، لتكون مع السفرة الكرام البررة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  : «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران»(7).

11- حاول أن تصعد للأعلى فتتجه لحفظ القرآن، فلا تجعل جوفك خاليا من القرآن؛ فالجوف الخالي من القرآن كالبيت الخرب، فبادر ليكون انتسابك إلى أهل الله أسرع، وترتقي إلى الدرجات العلى، فحفظ القرآن أو ما تيسر منه يجعل القلب يقظا لا يقع في المعاصي، لأنه يرى بنور الله، فلا عاصم إلا باتباع منهج الله بتلاوة وحفظ كلامه وتطبيقه، ويخشى أن يأتي زمان ترفع فيه المصاحف ولا يبقى من القرآن إلا ما في الصدور.

12- أخي المسلم لو وصلت إلى ما تريد وأصبحت من أهل الله وخاصته؛ فاعلم أن عليك واجبا، وهو تعليم أهلك القرآن، فعلّم زوجتك وأولادك وبناتك وسائر ذريتك القرآن، وبادر بتسجيلهم في حلقات القرآن، نشئهم على حب كتاب ربهم، علمهم فهمه وتطبيقه؛ فالخير كل الخير فيه، وتعاهدهم بتربيتهم تربية قرآنية، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} (التحريم: 6).

13 - ومن الواجبات عليك تعليم جيرانك وما تيسر لك تعليمه من مجتمعك وأن تشارك في دعم الجهود المبذولة في خدمة تلاوة القرآن وتحفيظه، التي تبني أجيالا قرآنية فلك مثل أجورهم لا ينقص من أجورهم شيء؛ فالدال على الخير كفاعله.

14 - من عوامل ما يوصلك إلى الله ولتكون من أهل القرآن ومن أهل الله وخاصته، أن تتأدب وتتخلق بأخلاق القرآن، فقد كان خلق نبيك محمد صلى الله عليه وسلم القرآن، قال تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم} (القلم: 4)، وروي عن عائشة - رضي الله عنها: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  كان يتأول القرآن»(8)، ومعنى التأول هنا: هو التطبيق العملي للقرآن والتخلق بأخلاقه؛ فإذا قرأ آية فيها استغفار استغفر، وإن كان أمراً امتثل به، وإن اشتملت على نهي انتهى عنه، وهو قدوة لنا صلى الله عليه وسلم  ، قال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً} (الأحزاب: 21)، نأخذ مناسكنا عنه: «خذوا عني مناسكم».

       أخي المؤمن، اعلم أنك لو تمثلت القرآن لأصبحت قرآناً يتحرك، فتكون ربانيا ملتزما بأمر الله ومطيعاً له، فأنت من أهل الله وخاصته، وهذا من طريق الوصول إلى هذا الهدف السامي، قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه-: «اقرؤوا القرآن تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله».

        فالله قد أنزل القرآن للتعبد بتلاوته والعمل به، فاهتد بهديه، وامتثل أوامره، واجتنب نواهيه، تسعد في دنياك وآخرتك، كان الصحابة - رضي الله عنهم - يتعلمون من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات ثم لا يتجاوزونها حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا، وهذا النوع من التلاوة هو الذي عليه مدار السعادة والشقاوة، أهل القرآن أبعد الناس عن الشرك وفعل الكبائر وسائر الموبقات، وهم أولى الناس بفعل الطاعات والالتزام بالتوجيهات القرآنية.

         فأهل القرآن هم الذين لا يقدمون على معصية ولا ذنب، ولا يقترفون منكراً ولا إثماً؛ لأن القرآن يردعهم، وكلماته تمنعهم، وحروفه تحجزهم، وآياته تزجرهم، ففيه الوعد والوعيد، والتخويف والتهديد، وإن وقعوا في الزلل أسرعوا بالاستغفار والتوبة، قال تعالى: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} (آل عمران: 135).

15 - إذا أردت أن تكون من أهل القرآن فلابد أن تكون من الدعاة للقرآن ومن المدافعين والمنافحين عنه؛ فلا ينبغي لك أن تسكت عمن يتهجم على القرآن أو يستهزئ له، أو لا يكترث به، جادلهم بالتي هي أحسن، وابتعد عن الجدال الذي لا خير فيه.

         أخي المسلم.. قد تصارحني وتقول لي: حاولت أن أفعل ما قلت فأحببت القرآن وعشقته، وتلوته مرات وتركته أوقاتا، وسعيت لتعلم تلاوته، وحاولت تعليمه لأهلي، ومن استطعت التواصل معه وحرصت على تطبيقه والتفاعل معه والتخلق بأخلاقه ودعوت إليه، غير أني تمر بي أوقات وربما أيام وقد تصل للشهر ولا أقرأ شيئاَ، فهل بعد أن وصلت وفعلت ما فعلت خرجت من الانتساب لأهل القرآن.. لأهل الله؟ هل حرمت من ذاك الفضل العظيم؟ أقول لك: لا تحزن فالله لن يضيعك، فما عليك إلا أن تعود وتتلمس الأسباب التي أودت بك لمثل هذا الانقطاع وتعالج نفسك بنفسك، قال تعالى: {بل الإنسان على نفسه بصيرة} (القيامة: 14)، والله يحب العبد التائب إليه الراجع لطلب رحمته، ففي الحديث: «والله لولا أنكم تخطئون ثم تتوبون لأتى الله بأقوام يخطئون ثم يتوبون»(9)، وكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون فلا تيأس من رحمة الله تعالى، قال تعالى: {يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} (يوسف: 87).

قد تسألني: ماذا لي إن التزمت بكل ذلك، وحرصت على تلاوة القرآن، ماذا لي؟

أقول لك: أبشر بكل أنواع الخير، أبشر بالفرج فلك الآتي:

1 - لك رضوان الله ورحمته وغفران، قال تعالى: {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور} (فاطر: 29 - 30).

2 - لك النجاة من الفتن؛ فعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ستكون فتن كقطع الليل المظلم» قلت: وما المخرج منها يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم : «كتاب الله تبارك وتعالى»(10) نعم فالقرآن حبل الله والنور المبين والشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه.

3 - لك الخير العميم: قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم : «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»(11)، وقال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون} (آل عمران: 110).

4 - تنال الدرجات العلا في الجنة: فعن عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا؛ فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها»(12).

5 - لك الانضمام إلى أهل الرفعة والمكانة والشرف في الدنيا والآخرة، قال : «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين»؛ فالتفضيل بالإيمان والقرآن، لا بالنسب والبنيان، فأنت مقدم في أعظم الأمور وأشرفها، فأنت المقدم في الصلاة، يقول النبيصلى الله عليه وسلم : «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله»(13)، ومما يدل على هذا التقدم حتى بعد الموت ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في دفن شهداء أحد، فقد أخرج البخاري عن جابر - رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد ثم يقول: «أيهما أكثر أخذا للقرآن، فإن أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد»(14)، فبعد موتك أنت المقدم ومهما كنت موصوفاً بنقص عند الناس، فكتاب الله يذهب نقصك ويرفع قدرك.

6 - لك الرحمة والسكينة وتحفك الملائكة وتنال المغفرة، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده»(15).

7 - لك دفاع القرآن عنك يوم القيامة أمام الله، قال صلى الله عليه وسلم  : «يؤتي يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران، وضرب لهما رسول اللهصلى الله عليه وسلم ثلاثة أمثال، قال: «كأنهما غمامتان، أو ظلتان سوداوان بينهما شرق، أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما»(16).

8 - لك التثبيت في الدنيا، قال تعالى: {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا}(الفرقان: 32)، وقال تعالى: {ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار} (إبراهيم: 24 - 26).

9 - لك أن تلبس حلة الكرامة فعن أبي هريرة - رضي الله عنه أن رسول الله[ قال: «يجيء صاحب القرآن يوم القيامة، فيقول القرآن: يا رب حله، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب زده، فيلبس حلة الكرامة، ثم يقول: يا رب ارض عنه، فيرضى عنه، فيقال له: اقرأ وارق، ويزداد بكل آية»(17).

10- لك أن تشفع لوالديك ولغيرهما يوم القيامة كما جاء في الحديث الذي حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب عن بريدة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله[: «من قرأ القرآن وتعلمه وعمل به، ألبس والداه يوم القيامة تاجا من نور ضوؤه مثل ضوء الشمس، ويكسى والداه حلتين لا تقوم لهما الدنيا فيقولان: بم كسينا هذا؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن»(18).

11 - لك أن تتعلم العلم النافع الغزير، قال تعالى: {واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم}(البقرة: 282)، علم تكتسبه بالأسباب بتوفيق من الله، وآخر هبة من الله يفتح به عليك بما يوافق الشرع ولا يخرج عن حدوده.

       ولك أن تنال السلوك الطيب المستقيم؛ فإن حامل القرآن طيب يشع منه القول الطيب والسلوك الطيب والسمت الطيب، بل الرائحة الطيبة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر»(19)، فأنت طيب ظاهراً وباطناً؛ لأنك تحمل القرآن العظيم في صدرك وتطبقه على جوارحك.

     وفي الختام احرص -يرحمك الله- على التقرب من الله ما استطعت إلى ذلك سبيلا؛ لتكون من أهل الله ومن المنتسبين إليه، ولن تتقرب إلى الله بشيء أفضل من كلامه، واعلم أنه لا عز لنا ولا نصر ولا تمكين ولا رفعة ولا شرف ولا كرامة إلا بالقرآن العظيم، ولا حل لمشاكلنا إلا به، اللهم اجعله لنا إماما ونورا وهدى، وشفيعاً واجعلنا من أهله، آمين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك