طريق الانتساب إلى أهل القرآن وثماره (1من2)
لا يوجد كتاب في الدنيا كلها أفضل من كتاب الله، فيه نبأ من قبلنا وخبر ما بعدنا وحكم ما بيننا، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، هو حبل الله المتين، ونوره المبين، والذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، لا تتشعب معه الآراء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يمله الأتقياء، ولا يخلق من كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، من علم علمه سبق، ومن قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أجر، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم، قال تعالى: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين} (الأنعام: 155 - 156)، كتاب لا تناقض فيه ولا باطل، قال تعالى: {إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} (فصلت: 41 - 42).
وتخشع له القلوب والأبدان، قال تعالى: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون} (الحشر: 21)، وتقشعر منه الجلود، قال تعالى: {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد} (الزمر: 23)، فهو شفاء لأمراض القلوب والأبدان، قال تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا} (الإسراء: 82)، في تلاوة ثواب، فمن قرأ حرفا منه فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، وبه يكون النصر المؤزر؛ إذ فتح المسلمون به مشارق الأرض ومغاربها، وبه دخلوا بلاد كسرى وقيصر، وبه فتحوا القلوب وأدخلوها في الإسلام، عزت الأمة وارتفعت رايتها حينما تمسكت وعملت به، وذلت وهانت حين تركته وأعرضت عنه، قال تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى} (طه: 124 - 127)، فأهل القرآن هم أهل الله وخاصته، جاء في الحديث الصحيح، عن أنس وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله أهلين من الناس» قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: «أهل القرآن هم أهل الله وخاصته»(1).
فأنت منتسب إلى الله، أعلم وأكرم به من نسب ومن شرف؛ فالإنسان لا يشرف إلا بما يحفظه من القرآن أو يتلوه ويطبقه ويعمل به.
يا مسلم يا عبدالله، هل تحب أن تكون من أهل القرآن؟ أخالك لا تتردد في القبول، كيف لا؟ ومن يكون من أهل الله فهو في حفظ الله ورحمته ورعايته وكرمه، مغفور الذنب موفور العطاء، منتصر في دنياه، فائز في آخرته، وذلك هو الفوز المبين.
ولعل سائلا يسأل: كيف الوصول إلى أن أكون من أهل الله؟ وما الطريق للوصول؟
أقول: أخي السائل الطريق أسهل مما تتوقع؛ فالطريق تبدأ من عندك وتنتهي إليك، فما عليك إلا اتباع الآتي:
1 - حاول أن تملأ قلبك بحب الله والقرآن العظيم، وبرسوله المبلغ الأمين، اجلس مع نفسك وقتا ولو قصيرا، سل نفسك سؤالاً، وقل: يا نفسي هل تحبين الله؟ هل تحبين كلامه؟ هل تحبين رسوله؟ هل تطمعين في الجنة؟ هل تحذرين من النار؟ هل تشتاقين للقاء الله؟ ماذا أعددت للقاء الله؟ أكثر من مثل هذه الأسئلة وبادر بالسؤال بعد السؤال ولا تنتظر إجابة حتى تشعر بالإجابة من داخلك، وتحس بنفسك تتحرك نحو حب القرآن والاشتياق إليه، كرر ذلك مرات ومرات، عندئذ تبدأ الخطوة الأولى، خطوة المحبة والشوق؛ فمن اشتاق إلى شيء بحث عنه وفكر في الوصول إليه.
2 - اعقد معاهدة بينك وبين الله، أن تقرأ في كل يوم ولو شيئاً يسيراً ولو صفحة أو أقل أو زد عليه قليلاً، فخير الأعمال أدومها وإن قل.. لا تتردد.. اقرأ ولو بغير فهم في البداية، ستجد بعض الصعوبة، صعوبة ليست في التلاوة، ولكن في الالتزام، صبّر نفسك وتحمل في الشهر الأول إن فعلت فقد نجحت وأفلحت؛ لأنك بعد هذا التعود لن تستطيع الاستغناء عن تلاوة القرآن.
3 - تعاهد القرآن بشكل دائم ومستمر، قال[: «تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها»(2).
4 - أخي الكريم أراك عندما تشعر بمرض تهرع للطبيب طلبا للعلاج والدواء، أسرع بلا تردد أو توان للعلاج الرباني، قال تعالى: {وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين}(يونس:87)، وتذكر أن سورة الفاتحة رقية شافية فمن أسمائها الشافية، وقول رسول الله[ للصحابي: «من أنباك أنها رقية»(3)، وذلك عندما أخذ الصحابة رضي الله عنهم أجرة مقابل علاج أحدهم لسيد الحي الذي لدغته حية أو عقرب كما ورد في بعض الأحاديث، إذا فعلت ذلك فتذكر أن المعصية عموما مرض، وأن ترك تلاوة القرآن مرض خاص أشد من المرض العضال نفسه، بل هو أم الأمراض؛ فاهرع لعلاجه بالقرآن فمرض ترك تلاوة القرآن علاجه وترياقه هو تلاوة القرآن نفسه، ما الذي يحرك قلبك ووجدانك وجوارحك للطبيب البشري، الذي لا يملك شفاء إلا بإذن الله وتترك الشافي الحقيقي؟! قال تعالى: {وإذا مرضت فهو يشفين} (الشعراء:80).
5- أخي الفاضل أراك عندما تشعر بالفقر والحاجة لمال، تسرع للبحث عن عمل، وعن أسباب الرزق، أما علمت أن الرازق هو الله، أفلا تتوسل إليه تناجيه بكلامه؟ فكما أنك تبحث عن المال، فأسرع لتلاوة القرآن الكريم، فلا موفق ولا رازق إلا الله، واعلم أن الله تكفل بالرزق، قال تعالى: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين}(هود:6)، ولكن أن ترزق وأنت مطيع لله شاكر لأنعمه، خير لك من أخذ رزقك وأنت منغمس بمعاصيه بعيد عن طاعته وتلاوة كتابه.
6- حاول بعد ذلك أن تتلو القرآن بشيء من التدبر والفهم وابدأ فهم معانيه من التفاسير المبسطة كتفسير الجلالين أو التفسير الميسر، لا تحاول أن ترهق نفسك صعودا، فستجد المعاني تنساب لنفسك، قال تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مذكر} (القمر:22)، دعني أعطيك قصة حدثت معي شخصيا فقد قرأت الآيات الكريمة من أواخر سورة المائدة، قال تعالى: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} (المائدة: 118)، ختمت الآيات بقوله: {إنك أنت العزيز الحكيم} بينما الآيات التي تحدثت عن المغفرة ختمت بغفور رحيم، أو عفو حليم.. أو ما شابه هذا فلماذا في هذا الموضوع ختمت بقوله العزيز الحكيم؟ بحثت في كتب التفاسير فوجدت إجابات جيدة والحمدلله، ولكن بقي في نفسي رغبة في مزيد من الإجابات، فما وجدته قول العلماء: إن الآيات تحدثت بأسلوب فيه تهديد: {أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله} بمعنى لو قلت هذا واتخذك الناس وأمك إلهين من دوني لعذبتكم جميعا، كما قال تعالى في نفس السورة: {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ولله ملك السموات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير} (المائدة:17)، فاقتضى السياق أن تكون العزة الموافقة للقوة {والله عزيز} وأن يذكر الحكمة الموافقة لوضع الشيء المناسب في المكان المناسب {حكيم}، كما عقب في الآيات التي تحدثت عن السرقة فقال تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم} (المائدة:38)، فقال: {والله عزيز حكيم} ولم يقل: غفور رحيم، وهذا ما حدث مع الأصمعي حينما قرأ الآيات وأخطأ فقرأ: غفور رحيم، بدلا من قوله: عزيز حكيم، فقال له الأعرابي: والله لا يمكن أن يأمر بالقطع، قطع اليد، ويقول غفور رحيم، فلا تتناسب الرحمة مع العذاب،.. وبعد مضي فترة صليت بالمسلمين إماما في الفجر في مسجدنا القريب، وقرأت تلك الآيات من سورة المائدة.. وبعد أن انتهيت من الصلاة وجلست أسبح عقب الصلاة فجأة وقع في نفسي تفسير لذلك فقتح الله به عليّ فقلت لنفسي: عندما قال الله لعيسى عليه السلام: {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن أعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد} (المائدة: 116-117)، فعيسى لم يقل أصلا هذا الكلام وإنما وقع موقع التحذير للناس على لسان عيسى عليه السلام، فلم يحدث ذنب يستوجب المغفرة والعفو والصفح وإنما هو على وزن امتناع الامتناع، أي لو قال عيسى، وحاشاه أن يقول هذا ويدعو الناس لاتخاذه وأمه إلهين من دون الله، لاستوجب التوبة من مثل هذا القول؛ لذلك قال: {ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحقه..} فحمدت الله على هذا الفتح وخررت ساجدا لله، وكلي يقين أن القرآن لا تنقضي عجائبه وقد يفتح الله عليك أخي الحبيب بما هو أفضل مما فتح عليّ والله ولي التوفيق.
7- إن تدبر القرآن لهو أعظم الوسائل الموصلة لهذا الهدف، وفيه تحقيق للغاية التي نزل لأجلها، قال تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب} (ص:29)، وقال تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} (محمد:24).
8- وإن لم تستطع القراءة فعليك بالاستماع؛ فمن استمع فله مثل أجر القارئ، لك بكل حرف عشر حسنات، وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله [: «من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف»(4)، شريطة أن تحاول التعلم؛ فكم هم الذين لا يستطيعون التلاوة وبعد اجتهادهم فتح الله عليهم بالتلاوة والحفظ، وفضل الله واسع يؤتيه من يشاء، وهو ذو الفضل العظيم، وهو نوع من الجهاد، قال تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين} (العنكبوت:69).
لاتوجد تعليقات