رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عبدالهادي بن حسن وهبي 23 ديسمبر، 2017 0 تعليق

طرق التخلص من الهوى(1)

إننا نعيش في زمان صعب، كثرت فيه الفتن، وانتشرت الشهوات انتشار النار في الهشيم؛ فالشر مستطير، والفساد مستفحل، وداعي الهوى مشمر. استرسل الناس في اتباع الهوى استرسال البهائم؛ فعقولهم مسبية في بلاد الشهوات، ودينهم مستهلك بالمعاصي والمخالفات، وهمتهم واقفة مع السفليات.

فهم في الشهوات منغمسون، وقلوبهم في كل واد من أودية الهوى تهيم، وبحبال الهوى متعلقون، وبزمام الشهوات منقادون.

أسرتهم أهواؤهم وأوبقتهم شهواتهم، خالفوا الرشد عنادا، ومالوا إلى الغي اعتمادا، وأسلموا إلى الهوى انقيادا.

دعاهم داعي الهوى، فلبوا مسرعين، ودعاهم داعي الهدى فولوا مدبرين، آثروا الهوى على التقوى، وانخرطوا في سلك من تعدى وهوى.

الناس في هذا الزمان ينطبق عليهم قول القائل:

إذا ما دعا داعي الفساد هفوا له

                                 وإن سمعوا داعي الصلاح دعا فروا

ولما كان الهوى غالبا، وإلى سبيل المهالك موردا؛ ولكونه على القلوب قد استحكم، وادلهمت خطوبه؛ جمعت طرقا تعين على التخلص من الهوى.

الطريق الأول

أن يعلم العبد أن اتباع الهوى من المهلكات

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «المهلكات ثلاث: إعجاب المرء بنفسه، وشح مطاع، وهوى متبع».

الهوى المتبع: ما يجعله صاحبه قائدا له في جميع أحواله، يقوده حيث يريد، كما قيد مغلول اليدين أسير.

فهو خاضع لهواه منقاد له، لان وضعف أمامه، وأذعن واستسلم، وخضع وذل له.

فعينه مطلقة في الحرام، ولسانه مهمل في الآثام، وجسده يتعب في كسب الحطام، قد ساقت إليه نفسه ما ساقت الهلاك والدمار.

ومن هوى شيئا، -أي: أحبه وغلب على قلبه- هوى به في المهاوي المتلفة.

فمن كان لنفسه متابعا، وفي مراتع هواه راتعا، أسرع به هواه إلى الهلكة.

فمن أعطـى نفسه هواها، فقد أهلكها وأشقاها.

أنت آخذ بهواك، ومانع بهواك، ومتحرك بهواك؛ فلا جرم يهلكك هواك.

قال ابن حزم -رحمه الله:

صن النفس عما عابها وارفض الهوى

                                             فإن الهوى مفتاح باب المهالك

فالهوى المتبع: «يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية، وفي الأخرى إلى الهاوية».

الطريق الثاني

أن يعلم العبد ما في عواقب الهوى فكم قد  أفات من فضيلة! وكم قد أوقع في رذيلة! غير أن عين صاحب الهوى عمياء.

الهوى ينتج عن الأخلاق قبائحها، ويظهر من الأفعال فضائحها.

الهوى كالسم في الشهد كامن؛ «بلاء قد عم، وداء قد دب». عاجله لذيذ، وآجله وخيم؛ أوله لعب، وآخره تعب، أوله حلو المذاق، وآخره مر.

      «شهوة عاجلة! ذهبت لذتها، وبقيت تبعتها، وانقضت منفعتها، وبقيت مضرتها؛ فذهبت الشهوة، وبقيت الشقوة، وزالت المسرة، وبقيت المضرة». قال الآجري -رحمه الله:

أرى النفس تهوى ما تريد

                              وفي متابعتي لها عطب شديد

ما الهوى إلا هوان واكتئاب، وبلاء ونقمة، وشقوة وعناء، وهموم وغموم، وآلام وآحزان.

«أقول لمن تحرش في الهوى: عرضت نفسك للبلاء» أليس من البلاء أن تبقي مصرا على ارتكاب ما نهاك عنه مولاك؟!

أنشد عبدالله بن المبارك -رحمه الله:

ومن البلاء وللبلاء علامة

                                      أن لا يرى لك عن هواك نزوع

عن عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «... ويل للمصرين، الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون».

وكلما أوغلت في الهوي زاد التعرقل. وكلما شربت من بحر الهوى، ازددت عطشا كحال من قال:

أرى ماء وبي عطش شديد

                                ولكن لا سبيل إلى الورود

ومن نظر في العواقب نجا، ومن أطاع هواه هوى.

والسعيد من اعتبر، وتفكر في العواقب ونظر.

أيها الطبيب؛ كن كما قال القائل:

لا أركب الأمر ترديني عواقبه

                                 ولا يعاب به عرضي ولا ديني

نسأل الله -عز وجل- يقظة ترينا العواقب، وتكشف لنا الفضائل والمعايب، إنه قادر على ذلك.

الطريق الثالث

أن يتدبر العبد عز غلبة الهوى وذل قهره فإنه ما من أحد غلب هواه إلا أحس بقوة عز، وما من أحد غلبه هواه إلا وجد في نفسه ذل القهر.

     عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الناس رجلان: بر تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله». فاسأل نفسك يا من ضيع نفسه «في الهوى، تروم لها عزا وأنت تهينها؟». «فمن استمسك بالحق، ولم يمل به مهوى الهوى»؛ نقال الشرف والعز في الدارين.

     فصاحب الطاعة عزيز، بعزة الله، ولو لم يكن له أنصار إلا الله، محمود في أموره، حسن العاقبة. وصاحب المعصية ذليل، فلا عز له، ولا قائمة تقوم له، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم : «وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري».

قال عبدالله بن المبارك -رحمه الله:

رأيت الذنوب تميت القلوب

                                 وقد يورث الذل إدمانها

وترك الذنوب حياة القلوب

                               وخير لنفسك عصيانها

والإعزاز الحقيقي: تخليص المرء من اتباع الشهوة، وجعله غالبا لهواه، قاهرا لنفسه.

إن عصيت الهوى علوت علوا

                                    أو أطعت الهوى سفلت سفولا

ومن آثر الهدى على الهوى؛ فهو العزيز، وعز الله يغشاه. وقال الحافظ محمد  بن عبدالقوي المرداوي -رحمه الله:

وفي قمع أهواء النفوس اعتزازها

                                      وفي نيلها ما تشتهي ذل سرمدي

فعز النفوس في مخالفة هواها: والذل في نيل النفوس ما تشتهيه.

والهوى مطية الهوان

                              إن الهوى لهو الهوان بعينه

فإذا هويت لقد لقيت هوانا

                             والهوان في ظل الهوى كامن.

لا تتابع هواك يا ذا المعاصي

                              واجتنب ذلة الهوى الهوان

فمن أطاع دواعي الهوى، باء بالهوان والخسران.

ارجع إلى الله وخل الهوى

                           فما الهوى يا صاح إلا هوان

      فيا مرفوع القدر بالتقوى، لا تبع عزها بذل المعاصي. وهذه كلمات «بينة كافية نافعة لمن عقل وتدبر وخاف وأناب، وترك الهوى والفساد، ولزم الحق وقال به وآمن به، وكان حذرا على شأنه».

الطريق الرابع

      أن يعلم العبد أن اتباع الهوى يودي إلى دخول النار عن أبي هريرة -رضي الله عنه -: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لما خلق الله الجنة والنار، أرسل جبريل إلى الجنة فقال: انظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، قال: فجاءها ونـظر إليها وإلى ما أعد الله لأهلها فيها، قال: فرجع إليه، قال: فوعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها، فأمر بها فحفت بالمكاره، فقال: ارجع إليها فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها، قال: فرجع إليها فإذا هي قد حفت بالمكاره، فرجع إليه فقال: وعزتك لقد خفت ألا يدخلها أحد، قال: اذهب إلى النار فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، فإذا هي يركب بعضها فوق بعضا، فرجع إليه فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها، فأمر بها فحفت بالشهوات، فقال ارجع إليها، فرجع إليها فقال: وعزتك لقد خشيت ألا ينجو منها أحد إلا دخلها». وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات».

      فهما طريقان لا ثالث لهما: طريق سهل معبد، فيه إضاعة الصلوات، واتباع الشهوات. وطريق طويل وصعب وشاق، عقباته كثيرة، فيه احتمال المكاره، ومجاهدة النفس والهوى.

فطريق «الجنة صعب، ولكن آخره السعادة الدائمة، وطريق النار سهل، ولكن آخره الشقاء الباقي».

      قال يحيى بن آدم -رحمه الله-: ابن آدم: حفت الجنة بالمكاره، وأنت تكرهها، وحفت النار بالشهوات وأنت تطلبها، فما أنت إلا كالمريض الشديد الداء: إن صبرت على نفسك على مضض الدواء، اكتسبت بالصبر عاقبة الشفاء، وإن جزعت نفسك على ما تلقى من ألم الدواء، طالت بك علتك.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك