رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 12 نوفمبر، 2012 0 تعليق

طبول الـحرب تدق في شمال مالي.. والعالم يترقب العواقب

 

منذ أن دقت طبول الحرب في شمال جمهورية مالي، ظل العالم يتساءل عن المآلات المحتملة لتلك الحرب الدائرة في إحدى أكثر بؤر العالم فقرًا وبؤسًا وفي ركن قصي من القارة الأفريقية، ولا شك أن الأمور في الفترة الأخيرة لا تسير إلا نحو مسار واحد وهو ضرورة الانتهاء من تشكيل القوة المقاتلة من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) والدول الأفريقية الأخرى المجاورة، واستكمال وضع الخطط العسكرية اللازمة لشن تلك الحرب ضد المجموعات المقاتلة هناك، وقد تصاعد الحديث خلال شهر أكتوبر الماضي حول ضرورة التدخل العسكري  نتيجة تنامي المد الجهادي في أفريقيا السمراء وانتعاش نزعات التجزئة والانفصال الفئوي الذي لن يعرف الحدود ولن يقتصر حتمًا على جمهورية مالي وحدها.

متى بدأت الأزمة؟

     بدأت الحرب الدائرة حاليًا في شمال مالي أو فيما يُعرف منذ عقود بإقليم (أزواد) في أواسط شهر يناير 2012، ويُجمع المراقبون على أنها انعكاس مباشر لانهيار النظام الليبي الذي كان يعد الحاضنة الأساسية لمختلف الحركات الانفصالية في المنطقة، ولاسيما الطوارق، والتي كانت تنشط في مالي أساسًا وفي النيجر أحيانًا ولو بشكل أقل انتظامًا، كما أنها جاءت لتشكِّل حلقة متقدمة في مسلسل انهيار الدولة في مالي الذي بدأ تدريجيًّا منذ بداية العشرية الحالية بعد عودة الجنرال المتقاعد من الجيش (آمادو توماني توري) إلى الحكم إثر انتخابات الثاني عشر من مايو سنة 2002؛ حيث تميز حكمه بالمرونة إلى حد الهوان.

حرب غير متوقعة

     ورغم الاحتقان الشديد الذي خيم منذ أكثر من عقد على التخوم الصحراوية لمالي على طول الخطوط الحدودية التي تربط البلد بكلٍّ من موريتانيا والنيجر والجزائر بفعل سيطرة مجموعات منظمة ولكنها غير مصنفة، كشبكات تهريب المخدرات والاتجار بالمحظورات، والناشطة تحت وصاية فصائل المجموعات المحسوبة على الحركات الجهادية المعادية للأنظمة القائمة، إلا أنه لم يكن أكثر المراقبين فطنة يتوقع حربًا في تلك المنطقة، ولاسيما  أن موازين القوى كانت مختلة وغاية في الضبابية، ومع ذلك ظل احتمال نشوب حرب واسعة بمبادرة من تلك الجماعات مستبعدًا، ولاسيما أن الدولة المالية ظلت تتجاهل الخطر الجاثم على تخومها، معتبرة أنه غير ذي بال ما دام بعيدًا عن المركز في باماكو وعن كبريات المدن، مما جعلها تنأى بنفسها عن أية مواجهة مفتوحة مع تلك القوى، تاركة لها حرية التنقل والتصرف في مجالها الواسع والمفتوح على أكثر من منفذ.

تـحالف قوي

     وقد بات من شبه المسلَّم به إقليميًّا ودوليًّا أنه من المستحيل القضاء على  تحالف الجماعات المسلحة والموسومة بكونها جماعات جهادية مع الحركات الانفصالية، الذي مكنها من بسط سيطرتها على مساحة تتجاوز 60% من إجمالي الرقعة الترابية لمالي (أي ثلث أراضي البلد)، بمجهود دولة واحدة على انفراد؛ لذلك ظلت القوى الإقليمية ودول الجوار تنظر (دون حراك) وبكثير من القلق إلى تحول الصحراء إلى قاعدة خلفية للجماعات المسلحة المتشددة وملاذ آمن لشبكات التهريب العابرة للقارات، هذا ما جعل حكومة (آمادو توماني توري) تتهرب من مسؤولياتها وتستخدم ورقة انفلات السلطة في شمال بلادها، بما يشكِّله من تهديد للجوار، وسيلة ضغط لحمل الجميع على التعاون العسكري العاجل من أجل تحرير «الربع السائب» من مالي.

     لكن الدول المعنية – دول الجوار- ظلت تماطل وتختلق الذرائع من أجل التنصل من «الواجب» متجاهلة بذلك الخطر المتربص بها، إلا أن تطورات الوضع في ليبيا قلبت وبوتيرة متسارعة كل الموازين، وجعلت ما لم يكن في الحسبان على المدى المنظور واقعًا يهدد كافة المنطقة المغاربية الساحلية، ويطرح إشكالية عصية على المجتمع الدولي برمته؛ فالجماعات الجهادية التي كانت، طريدة الدول والحكومات وأجهزة المخابرات، أصبحت تتحكم في فضاء جغرافي واسع يعادل مساحة دولة كفرنسا.

التأثير الليبي على الـملف

     ظل نظام معمر القذافي، سنوات طويلة، الموجِّه الأساسي لمجريات الأمور في العديد من بلدان الصحراء والساحل، ولاسيما في النيجر ومالي؛ حيث كان يمسك بملف حركات الطوارق الانفصالية المعقد، ويوجهه حسب هواه ومزاجه تبعًا لما يرى أنه صمام أمان يضمن الحفاظ على محورية النفوذ الليبي في المنطقة، ويكمن السر في التأثيرات الليبية على هذا الملف في كون ليبيا البلد الذي استوعب آلاف الشباب من «الملثمين» بعد موجات الجفاف الماحقة التي ضربت المنطقة في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، ومكّن ذلك الوجود المكثف لشبان بلا مؤهلات ولا تكوين تربوي يُذكَر الحكومة الليبية من الحصول على مجندين يمكن استخدامهم بوصفهم مرتزقة في حروبها التوسعية، كما حدث في تشاد ضد نظام حسين هبري في بداية ثمانينيات القرن الماضي، كما استُخدموا في حروب استنزاف ضد بعض الأنظمة التي لا تروق توجهاتها لحكام طرابلس المزاجيين حينها، وكثيرًا ما استُخدمت هذه الورقة، ولاسيما في أفريقيا، وعندما انحسر الدور الليبي في تلك الصراعات، بدأت مجموعات الطوارق تفكر جديًّا في بعث «روح الثورة» في مطالبها المحلية في دول الأصل؛ مما ولد نزعة متجددة في التوجهات الانفصالية التي أُجهضت مرارًا؛ فكانت حركة التمرد الأولى، بعد تلك المجهَضة في المهد سنة 1960، تلك التي اندلعت في العام 1990 تحت إمرة إياد آغ غالي مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير أزواد.

الـحركة تطلق شرارة الـحرب

     ويتواتر على نطاق واسع أن عناصر الجبهة الشعبية لتحرير (أزواد) الذين استفادوا من التحاق وحدات كاملة من الجيش النظامي الليبي المدحور، مدججة بالعتاد والسلاح، هي التي أطلقت شرارة الحرب في 17 يناير 2012 من مدينة مناكا حتى ضواحي آغلهوك، وتوالت «انتصارات» الحركة حتى سيطرت على كبريات مدن الشمال بمباركة ومساندة حذرة من الحركات الجهادية، وأصبحت بذلك تحكم قبضتها على شريط ممتد على آلاف الكيلومترات من مناكا على حدود النيجر حتى ليرى على مرمى حجر من الحدود الموريتانية.

     وفي نشوة انتصاراتها الخاطفة أمام الجيش المالي المنهار، سارعت الحركة إلى إعلان استقلال إقليم أزواد من جانب واحد في السادس من  أبريل 2012، متخذة من (غاو) عاصمة للدولة الوليدة، كما قامت بتسمية  مجلس انتقالي يضم 28 عضوًا عُهد إليه بالتسيير المؤقت للأمور تحت رئاسة بلال آغ الشريف المنتسب لعائلة أرستقراطية من قبيلة (الإيفوقاس )والمقرَّب من بوركينا فاسو وبعضوية العقيد آغ ناجم، الضابط السابق في كتائب القذافي، كوزير للدفاع، من بين رموز عدة.

«الـجهاديون» يقطفون الثمرة

     وبعد أقل من ثلاثة أشهر على إعلان الاستقلال، بدأت الحركات الجهادية في الانتشار على الأرض محاولة فرض سيطرتها الكاملة على تلك المنطقة وهو ما تم لها، حيث اندحرت القوة «الكاسحة» للجبهة الشعبية لتحرير أزواد أمام الحركات الجهادية من (أنصار الدين وحركة التوحيد والجهاد).

     ولم يشفع للجبهة الانفصالية محاولاتها المتكررة للتقارب مع الحركات القتالية في حيازة الشرعية السياسية ميدانيًّا ولا كسب ما يمكن اعتباره مهادنة ضمنية مع الرافضين لفكرة الانفصال من حيث المبدأ والساعين لتحقيق هدفهم المعلن وهو إنشاء دولة الخلافة الإسلامية في كافة ربوع غرب أفريقيا و«تطبيق شرع الله فيها»، ولسان حالهم يردد من أعلى المنابر الإعلامية: «دولة الشريعة لا دويلة الانفصال»!!

موقف دول الـجوار

     وقفت دول الجوار المالي مواقف تتأرجح بين القلق والحذر حيال الحرب الدائرة شمالاً والأزمة السياسية  المستفحلة جنوبًا، وظلت كل دولة تتمسك بأجندة مصالحها الخاصة معمقة بذلك الخلافات الدفينة التي حالت دائمًا دون إمكانية الانخراط في تنسيق جدي لمواجهة مخاطر ما بات يعرف بالإرهاب في المنطقة، فرغم آلية «دول الميدان» التي تجمع مالي نفسها بكل من موريتانيا والجزائر والنيجر وما تقوم عليه من إرادة معلنة لمواجهة التحدي الأمني، لا تزال مستويات التفاعل مع تطورات الوضع الميداني محدودة.

     فالجزائر على سبيل المثال والتي تعد القوة العسكرية الإقليمية الأهم ترفض رفضاً  تاماً أي عمل عسكري خارج حدودها، كما تعترض على كل صيغة للتعاون مع أطراف أخرى من خارج دول الميدان قد يكون من انعكاساتها المباشرة نشر قوات أجنبية على حدودها.

     وقد حاولت الجزائر مبكرًا، القيام باتصالات مباشرة ومتكررة مع جماعتي أنصار الدين والتوحيد والجهاد في مسعى إلى مهادنتها من أجل الحصول على تحرير دبلوماسييها الثلاثة المختطفين من قنصليتها في غاو يوم 5 أبريل 2012، ولم تفلح الضغوط الفرنسية المتواصلة التي كان آخرها في 5 يوليو 2012 بمناسبة زيارة وزير الخارجية الفرنسي الجديد، لوران فابيس، في حمل الجزائر على مراجعة موقفها من العمل العسكري المحتمل لتحرير الشمال المالي و«تطهيره» من العناصر المسيطرة.

     ولا تزال الجزائر تصر على تغليب الحلول السياسية والدبلوماسية لتجاوز الأزمة السياسية في (باماكو) ومشكلة الشمال المالي مع إمكانية النظر في السبل الأخرى الكفيلة بتحجيم القاعدة في المنطقة عندما تكون الظروف مواتية. وتحسبًا لأي طارئ، عمدت الجزائر إلى إرسال ما يزيد على عشرة آلاف جندي لإغلاق المنافذ الحدودية الفاصلة بينها وبين كل من النيجر ومالي وموريتانيا مع مهمة خاصة بتطويق المسالك الصحراوية المهجورة. 

     أما موريتانيا فقد ظلت إلى وقت قريب، الدولة الوحيدة في المنطقة التي دفعت بقواتها المسلحة لمقارعة الحركات الجهادية في أعماق الأراضي المالية ردًّا على هجمات سابقة ضدها، كاغتيال السياح الفرنسيين في ألاك (2007)، واغتيال مواطن أميركي في نواكشوط (2009)، ومحاولات تفجير فاشلة في نواكشوط، إضافة إلي عمليات اختطاف لرهائن غربيين من التراب الموريتاني، وكان الهدف المباشر المعلن للعمليات العسكرية الموريتانية هو إبعاد نقاط تجمع عناصر القاعدة من الخطوط الحدودية مع موريتانيا.

     أما النيجر فحساباتها أكثر دقة وتأثيرًا على المشهد؛ حيث تعتبر منطقة آزواغ الآهلة ببعض السكان من الأصول الطوارقية عرضة لعدوى الانفصال، تمامًا كما حدث في التسعينيات عندما أطلق حركيون من الطوارق، أسوة بأشقائهم في مالي، حركات تمرد ضد الحكومة المركزية في نيامي. ورغم الاختلافات الطفيفة التي لا تكاد تكون ملموسة في الواقع بين حال الطوارق في مالي والنيجر، فإن الحكومة في نيامي تبدو أكثر استعدادًا وتنظيمًا من نظيرتها في باماكو لاحتواء أي حراك داخلي مرتقب؛ ولذلك لم تتردد  نيامي لحظة في الانخراط في صف الدول المنادية بالتعجيل بإجراءات اللجوء للقوة العسكرية لدحر الانفصاليين الطوارق والقضاء على القاعدة وفروعها، ولتمرير ذلك التوجه، ما فتئ النيجر يعبئ على كافة الجبهات، سواء في إطار المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا أو في إطار تنسيق دول الميدان، فضلاً عن المساعي المنفردة في الإطار الثنائي سواء مع فرنسا أم مع الولايات المتحدة أو مع الاتحاد الأوروبي، وفي كل الأحوال، لم تخف الحكومة النيجرية استعدادها للمشاركة بوحدات من قواتها المسلحة في أي مجهود عسكري، دولي أو إقليمي، لطرد الحركات القتالية من الشمال المالي وإجهاض مشروع الانفصال الذي يُعتبر انتهاكًا لمبدأ الإبقاء واحترام الحدود الموروثة عن الاستعمار كما أقرته منظمة الوحدة الأفريقية سنة 1963.

موقف الـمجتمع الدولي

 وجدت الحركة الانفصالية نفسها في عزلة دولية كبيرة حيث لم تعترف بها أية دولة في العالم؛ نظرًا للعديد من الاعتبارات وأهمها:

- أن الطوارق رأس حربة الحركة الانفصالية، لا يشكِّلون أكثر من 10% من سكان الإقليم الذي يتقاسمونه مع مجموعات سكانية أخرى كالسونغاي والفلان والعرب.

- الطرح القومي المتزمت الذي يدافع به بعض قادة المنظمة عن مشروع دولتهم أثار الكثير من المخاوف والتحفظات لدى المجموعات الأخرى، بما فيها العرب، التي ترى في جمهورية أزواد مشروع دولة طارقية الثقافة والتوجه وبربرية “الهوية”.

- اتهام منظمات إنسانية مقاتلي الحركة بارتكاب فظاعات وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان في الشمال المالي (بما فيها مذبحة (آغلهوك) ضد أكثر من مائة جندي مالي، وغيرها من جرائم القتل والتصفية الجسدية البشعة والاغتصاب) ضد المنحدرين من القوميات الأخرى، والتي لم تكن لتخدم صورة المشروع السياسي الأزوادي. 

الـمجتمع الدولي وقرار الـحرب

     يبدو المجتمع الدولي في حيرة من أمره حيال ما يجري في مالي نظرًا لتداخل بعدي الأزمة السياسية في باماكو ومشكل الانفصال شمالاً مع معطى سيطرة القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي على الإقليم الشمالي بالكامل.

     ففرنسا وحدها تضع كل ثقلها في الميزان من أجل الدفع نحو الحل العسكري السريع من خلال التعهد بتقديم كل الوسائل العسكرية والمالية المطلوبة لجيوش المنطقة التي تخطط من جانبها لإرسال حوالي 3300 جندي للقيام بالمهمة، شرط أن تكون مالي قد استرجعت فعلاً شيئًا من عافيتها السياسية واستقرار مؤسساتها، وشرعت جديًّا في إعادة ترتيب وضع مؤسستها العسكرية المتداعية، كما أن ذلك التدخل يبقى مرهونًا بمظلة دولية عبر قرار من مجلس الأمن، سعت المنظومة الإقليمية المعنية إلى استصداره على مرتين دون جدوى، ذلك أن الخطة العسكرية المقدمة وآجال التدخل ومصادر التمويل والأهداف المنشودة ما زالت غامضة في أذهان العديد من الفاعلين الدوليين المؤثرين، كالولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة ذاتها.

     وأما عن أمريكا فيلاحظ المراقبون عدم تحمسها، للاندفاع في العمل العسكري المباشر في مسألة قد يُصنَّف أحد شقيها بأنه من باب مكافحة ما بات يعرف بالإرهاب، مفضلة التريث وانتظار ما ستؤول إليه المساعي الإقليمية بشأن التحضير للتدخل العسكري، وربما يكون لموقف دولة كالجزائر وزنه في التقديرات الأميركية للوضع.

     أما دول المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا، فيبدو أن جناح الدول المنادية بالحرب التي يتقاطع موقفها مع التوجهات الفرنسية، يكثف المشاورات والتنسيق من أجل إقناع المنظومة الدولية بضرورة القيام بعمل عسكري واسع لاستئصال الإرهاب من الساحل ووأد النزعات الانفصالية فيه؛ ففي اجتماع لهم في باماكو يومي 12 و13 أغسطس2012، تبنى قادة الجيوش لدول المجموعة خطة عسكرية تنفذ على ثلاث مراحل:

- المرحلة الأولى: نشر قوات برية في (باماكو) وفي المناطق المحاذية للشمال لتأمين المؤسسات والقيام بمهام الاستطلاع والتحضير.

- المرحلة الثانية: تشكيل القيادة الموحدة التي سيعهد إليها بالتنسيق الميداني للعمل العسكري؛ ومن المرتقب أن تكون نيجيريا هي التي تقود ذلك الأمر نظرًا لكونها الدولة الوحيدة القادرة على تأمين الغطاء الجوي لأي عمليات ميدانية في المنطقة.

- المرحلة الثالثة: الشروع الفعلي في العمليات العسكرية باستهداف معاقل الحركات المسيطرة على الأرض لتأمين تحرير الشمال المالي من قبضتها.

مشاركة «الناتو»

     لا تستبعد بعض الأوساط أن تطلب المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا مساعدة في مجال الإسناد الجوي واللوجستي من «الناتو»، ولا يُتوقع أن يقبل «الناتو» المشاركة، ولو رمزيًّا، في أي نشاط عسكري في المنطقة بغياب قرار من مجلس الأمن يتبنى العمل العسكري ويجيزه. ومهما يكن، فإن منطقة الساحل مقبلة على تطورات خطيرة ستكون لها انعكاسات كبيرة وتأثيرات مخيفة على كافة دوله؛ ذلك أن المد «الجهادي» المتنامي في أفريقيا السمراء وانتعاش نزعات التجزئة والانفصال الفئوي لا يعرفان الحدود ولن يقتصرا حتمًا على مالي وحدها.

الـموريتانيون وحدهم سيكتوون بنار الـحرب

     وعن عواقب هذه الحرب  قال نائب رئيس حزب الإصلاح والتنمية الإسلامي في موريتانيا محمد غلام الحاج: إن «الموريتانيين هم وحدهم من سيكتوون بنار مواجهة جماعات مسلحة في مالي والتي تضغط فرنسا من أجل اندلاعها».

     وأضاف في حوار نشرته وكالة «الأناضول» للأنباء أن الدخول في حرب لمواجهة جماعات متنقلة بلا حدود (الجماعات المسلحة في شمال مالي) مخاطرة مع المجهول، معبرًا عن اعتقاده بأن مثل هذه المخاطرة غالبًا ما تكون نيابة عن قوى كبرى مثل الدول الغربية التي اعتادت أن تقاتل بغير جندها.


دعوة لوقف العنف

     وفي ظل تصاعد وتيرة الأحداث أعلنت إحدى الجماعات المقاتلة التي  جماعة أنصار الدين، أنها ترفض «التطرف والإرهاب» ودعت إلى «حوار سياسي شامل»، وجاء في بيان قرأه عضو في وفد الجماعة الموجود في واغادوغو بعد لقائه مع رئيس (بوركينا فاسو) (بليز كومباوري) قال فيه: «إن جماعة أنصار الدين ترفض أشكال التطرف والإرهاب كلها وتتعهد بمكافحة الإجرام المنظم عبر الحدود».

     ولا شك أن هذا البيان يسجل منعطفًا كبيرًا؛ لأنه يترجم على ما يبدو ابتعاد أنصار الدين عن حلفائها الجهاديين في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا، ورحب وزير خارجية (بوركينا فاسو) جبريل باسولي بهذه المواقف وعبر عن رجائه في أن تذهب أبعد من إعلان النوايا، وتترجم إلى أفعال، ودعت أنصار الدين المؤلفة خصوصًا من طوارق مالي على غرار زعيمها إياد آغ غالي، أيضا السلطات المالية الانتقالية والجماعات المسلحة الأخرى إلى بدء «حوار سياسي شامل» دون تأخير.

     وبغية التوصل إلى «اتفاق سلام شامل، أوصت الجماعة (كومباوري) «بوضع إطار للحوار» تشارك فيه (باماكو) و«الحركات المسلحة المالية»؛ ما يعني خصوصا المتمردين الطوارق في الحركة الوطنية لتحرير أزواد غير الدينية التي تدعو إلى حكم ذاتي لكنها طردت من المنطقة، فضلاً عن الجزائر وشركاء دوليين آخرين، وتعهدت أنصار الدين بتنفيذ وقف شامل للأعمال العسكرية وتدعو كافة الحركات المسلحة إلى أن تحذو حذوها.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك