رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: ناصر نعمه العنيزان 17 أبريل، 2021 0 تعليق

طباعة المصحف أمل تحقق

 

 

(طباعة المصحف) فكرة لطالما داعبت خيال القائمين على جمعية إحياء التراث الإسلامي، وعلى مشاريع طباعة الكتب والرسائل العلمية في الجمعية، ولكن قدسية القرآن العظيم وهيبته التي تسكن في القلوب من كلام الله -عز وجل- جعلت الخوض في الأمر صعبًا، ولكن في عام 1998م تم التوصل لقرار لإصدار نسخة من المصحف باسم جمعية إحياء التراث الإسلامي، وطرح المشروع الذي لاقى إقبالاً كبيرًا جدًا، ودارت عجلة الإنتاج والإنجاز بأسرع وأقوى مما توقعه القائمون عليه.

     وأصبح مشروع طباعة المصحف الشريف من المشاريع المتميزة جدًا عند المتبرعين والمحسنين، وعند اللجان الخيرية، وقد حرصت الجمعية بأن يكون المصحف موافقاً لمواصفات المصحف المطبوع بمجمع الملك فهـد بن عبد العزيز -رحمه الله- في المملكة العربية السعودية، واعتمد قيـاس (14 سم× 20 سم) وهو القياس الأكثر تداولا، سواء بين الأفراد أم في المساجد، أم المرافق التعليمية، وقد امتاز هذا المصحف بمواصفات خاصة من أهمها: أنه جاء بتجليد فني فاخر وبلونين، وتُطبع الملزمة الأولى منه بأربعة ألوان، وكل صفحة من صفحاته تنتهي بآية (حفاظ)، كذلك تحتوي كل صفحة فيه على خمسة عشر سطرا، أما الورق فهو بوزن (60) جم، و من النوع (الطبي) الشمواه الأصفر، كما وضعت المصاحف في مغلفات خاصة يكتب عليها من الخارج اسم المتبرع والكمية والقياس.

مصحف متميز

     وقد حرصت إدارة المشروع في الجمعية على أن يكون المصحف متميزا ومنخفض التكلفة إلى أقصى حد ممكن؛ ليكون في متناول الجميع، ولتتيح لكل محب للخير أن يكون له سهم فيه؛ حيث اعتمدت تكلفة (1) د.ك للنسخة الواحدة، مع كتابة اسم المتبرع، أو الجهة على المصحف من الداخل لعدد (500) نسخة فما فوق؛ مما كان له أطيب الأثر في إقبال المحسنين على طباعته، وقد كانت الطبعة الأولى من المصحف جاوزت (12) ألف نسخة، وقد نفذت سريعًا جدًا، وتزايد الإقبال مع انتشار الأمر بين جموع المتبرعين وأهل الخير، وعملت الطبعة الثانية، حيث اعتمدت (15) ألف نسخة تقريبًا، ونفذت سريعًا بدورها كذلك، ثم طبعة ثالثة ورابعة وهكذا حتى تجاوزت النسخ المطبوعة نصف مليون نسخة، وهي بازدياد مستمر.

مشروع مبارك

     وهكذا انطلق هذا المشروع المبارك انطلاقة قوية، وأصبحت الكميات المطبوعة لا تكاد تصل حتى تنفذ، كذلك وفرت الجمعية قياسات أخرى، وهذا وإن كان هو المشروع الأول لطباعة المصحف بالشكل المتعارف عليه، إلا أن هناك مشاريع أخرى كثيرة، منها ما سبق هذا المشروع، ومنها ما جاء بعده والتي تخصصت بطباعة المصحف المفسر، ومن أهم هذه المشاريع مشروع طباعة المصحف المفسر (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان) للعلامة عبدالرحمن السعدي، وقد تم بتوفيق الله -عز وجل- طباعة (12) ألف نسخة من هذا الكتاب في الطبعة الأولى وتوزيعها ، وتكررت الطبعات حتى تجاوز عدد النسخ المطبوعة (100) ألف نسخة، ثم في وقت لاحق تم طباعة تفسير آخر، وهو كتاب (زبدة التفسير) للشيخ: د. محمد سليمان الأشقر، كما تم طباعة تفسير ابن كثير في أربعة مجلدات ضمن مكتبة طالب العلم في أول إصداراتها، ولا يزال العمل مستمراً لطباعة كميات أخرى بحسب الحاجة، وطباعة مصاحف مفسرة أخرى.

وقف طباعة المصحف الشريف

     واستكمالاً لجهودها في نشر كتاب الله -تعالى-، وحرصًا على أن يستمر هذا الخير كالنهر الجاري إلى ما شاء الله فقد قامت الجمعية بإنشاء وقف لطباعة المصحف الشريف، وهو وقف خاص لطباعة المصحف فقط، وقيمة المشاركة فيه (120) د.ك يحفظ بوصفه وقفا خاصا للمتبرع لطباعة المصحف؛ حيث يحفظ أصل هذا الوقف ويخصص ريعه لطباعة القرآن الكريم، ويصل عدد النسخ المطبوعة باسم المتبرع سنوياً إلى عشر مصاحف تقريباً بحسب عائد هذا الوقف ، ويمكن التبرع بمضاعفات العدد في حال الرغبة بزيادة عدد النسخ المطبوعة سنوياً ، كما يتم التبرع بـ (240) د.ك لطباعة عشرين مصحفًا، أو (360) د.ك لطباعة ثلاثين مصحفًا، وهذه التجربة ناجحة جدًا بفضل الله -عز وجل-، وقد بدأ حصد ثمارها بعد عامين من البدء فيها، وقد طرح هذا المشروع ضمن مشروع رئيس، وهو المشروع الوقفي الكبير، وهو مشروع رائد له الكثير من الفروع، ومن أهمها: وقف طباعة المصحف، وقد أعلن في آخر تقرير إداري له من العام (2020م) أنه قد تم تخصيص قرابة (200) ألف نسخة من المصحف للتوزيع من عائد هذا الوقف ولله الحمد، خصص منها (70) ألف نسخة للتوزيع داخل الكويت، وأكثر من (600.110) نسخة للتوزيع خارج الكويت.

 

 

أعمال لا ينقطع ثوابها بعد الموت

 

     أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له». في هذا الحديث العظيم يبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن عمل الإنسان ينقطع بالموت، فإن من مات، فقد انقطع عن دار العمل، وانتقل إلى دار الجزاء والحساب، ولذلك فإن الحياة فرصة عظيمة للأحياء في أن يعملوا، وأن يتزودوا من الأعمال الصالحة، وأن ينيبوا إلى الله -تعالى- ويرجعوا إليه.

نعم إن الموت تنقطع به الأعمال لكن هذه الأمور الثلاثة لا تنقطع بالموت.

- الأمر الأول: صدقة جارية، والصدقة الجارية هي الوقف، والسبيل في أمور الخير، فما وقفه المسلم لله -تعالى-، فهو من الصدقة الجارية التي يستمر ثوابها له بعد مماته، كعمارة المساجد، والأوقاف التي تسبل وتوقف للفقراء والمحتاجين والمعوزين، ونحو ذلك من الأوقاف في أمور الخير.

- الأمر الثاني: مما يستمر أجره وثوابه للميت بعد موته: علم ينتفع به، والمراد بهذا العلم: العلم المستمد من كتاب الله، وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويكون توريثه بالتعليم، والتأليف، والنشر، ونحو ذلك، وها نحن أولاء يا عباد الله، نذكر علماء ماتوا من مئات السنين، ونترحم عليهم، وندعو لهم، هذا هو العلم النافع الذي يبقى للإنسان بعد وفاته، وكلما كان العلم أكثر نفعًا، وأوسع انتشارًا، كان أعظم ثوابًا وأجرًا، ويدخل في ذلك من دعا إلى هدى، فإن له مثل أجر من تبعه، ولو كان ذلك بعد وفاته يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ومن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا».

- وثالث الأعمال التي لا نتقطع بالموت دعاء الولد الصالح، لذلك فإنه ينبغي لمن رزقه الله بالولد أن يسعى في إصلاحه وتربيته، وذلك ببذل أسباب الهداية، وسؤال الله -تعالى- أن يهديه هداية الإلهام والتوفيق، وفي هذا الحديث دليل على أن دعاء الولد الصالح لوالديه ينفعهما بعد مماتهما، قال النووي -رحمه الله- في (شرح مسلم 4/11/85): «في هذا الحديث من الفوائد: أن الدعاء يصل ثوابه إلى الميت، وكذلك الصدقة، وهي مجمع عليهما، وكذلك قضاء الدين، بل إن دعاء الولد لوالديه حري بالإجابة؛ لأن الله -تعالى- قد أمر به في قوله -سبحانه-: {وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (الإسراء:24).

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك