طاعة ولي الأمر في المعروف واجبة بالكتاب والسنة وإجماع الأئمة
- القرآن الكريم وضع طاعة ولي الأمر في المرتبة الثالثة بعد طاعة الله-تعالى- ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فهناك صلة قوية بين طاعة أولي الأمر وطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
- طاعة ولاة الأمور ثمرة للإيمان بالله ورسوله بل هي طريق لأداء الطاعة ورعاية الدين وعلو الإسلام فالأمة المشتتة المتناحرة المتنافرة لا يرجي منها خير
- الإمام أحمد بن حنبل: من خرج على إِمَام من أَئِمَّة الْمُسلمين وَقد كَانُوا اجْتَمعُوا عَلَيْهِ وأقروا بالخلافة فقد شقّ هَذَا الْخَارِج عَصا الْمُسلمين وَخَالف الْآثَار عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَإِن مَاتَ الْخَارِج عَلَيْهِ مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة
- الإمام البربهاري: إذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله لقول فضيل: لو كانت لي دعوة ما جعلتها إلا في السلطان
- شيخ الإسلام ابن تيمية: لعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته
- الشيخ السعدي: إنه لا يستقيم للناس أمرُ دينهم ودنياهم إلا بطاعة ولاة أمورهم والانقياد لهم طاعةً لله ورغبةً فيما عنده ولكن بشرط ألا يأمروا بمعصية الله فإن أمروا بذلك فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق
- الإمام النووي: وَأَمَّا النَّصِيحَةُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَمُعَاوَنَتُهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَطَاعَتُهُمْ فِيهِ وأمرهم به وتنبيهم وَتَذْكِيرُهُمْ بِرِفْقٍ وَلُطْفٍ وَإِعْلَامُهُمْ بِمَا غَفَلُوا عَنْهُ وَلَمْ يَبْلُغْهُمْ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ وَتَرْكُ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ وَتَأَلُّفُ قُلُوبِ النَّاسِ لِطَاعَتِهِمْ
- الشيخ ابن عثيمين: الضابط في طاعة ولي الأمر أن يكون في غير معصية الله فإذا أمـر بمعصية فإنه لا يطاع أما الشيء الذي ليس فيه معصية فيجب على الإنـسـان أن يطيع ولــي الأمــر وجوبا وإلا صار الأمر فوضى
- الشيخ الفوزان: طاعة العلماء والأمراء موضوع مهم جدًا لأنه زلت فيه أقدام وضلت فيه أفهام وحصل بسببه فتن وحروب وقتل وضياع أمن بسبب التفريط في هذا الأصل
- الشيخ ابن باز: العلماء والأمراء يطاعون في المعروف فبهذا تستقيم الأحوال ويحصل الأمن وتنفذ الأوامر وينصف المظلوم ويردع الظالم أما إذا لم يطاعوا فسدت الأمور وأكل القوي الضعيف
- الشيخ العباد البدر: من حقوق ولاة الأمر المسلمين على الرعية النصح لهم سرا وبرفق ولين والسمع والطاعة لهم في المعروف وتركُ الخروج عليهم وتألُّفُ النَّاس لطاعتهم
لقد أجمع علماء أهل السنة والجماعة، على وجوب السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين بالمعروف، وألفوا في ذلك مؤلفات كثيرة؛ ولأهمية هذا الأمر أدرجوه في العقيدة، ولا تكاد ترى مؤلفًا يخلو من تقرير وجوب السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين، لأجل إظهار عقيدة السلف الصالح من الصحابة والتابعين بإحسان؛ ليقتدى بهم وما ذلك إلا لبالغ أهميته وعظيم شأنه، ولولا السمع والطاعة، لما استقام أمر المسلمين ولا انتظمت مصالح الدين والدنيا، وفي طاعتهم سد لأبواب الفتن. ولقد علم بالضرورة من دين الإسلام أنه لا دين إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمامة، ولا إمامة إلا بسمع وطاعة، ومن المقرر لدى السلف الصالح، أنهم يولون هذا الأمر اهتمامًا خاصا، ولاسيما عند ظهور بوادر الفتن أو الأفكار المنحرفة أو غلبة الجهل به؛ نظرًا لما يترتب عليه الجهل به أو إغفاله من الفساد العريض في البلاد، والعدول عن سبيل الهدى والرشاد.
أولاً: تعريف طاعة ولي الأمر
الطاعة في اللغة: أصل الكلمة يعود إلى ثلاثة أحرف، وهي الطاء والواو والعين وهي لفظ ذو معنى واحد، يدل على الانقياد، إذا انقاد معه ومضى لأمره، وأطاعه بمعنى طاع له، ويقال لمن وافقه غيره قد طاوعه. الطاعة في الاصطلاح: عرفها العلماء بأنها انقياد القلب والجوارح للأحكام الشرعية، وامتثال أوامر الله -عز وجل- وأوامر رسوله، ومن أذن الله بطاعته من خلقه في غير معصية. ويمكن تعريفها بأنها طاعة من له سلطة شرعية عامة وفق مصلحة الدين والوطن، يجوز له بمقتضاها إجراء تصرفات تترتب عليها آثار شرعية لها عنصر الإلزام وقوة التنفيذ، وقد تم تعريفها أيضًا بأنها: الاستجابة والانقياد لما يأمر به وينهى عنه ولي الأمر، وذلك بامتثال الأمر والنهي دون منازعة ومعارضة.ثانيًا: مكانة طاعة ولى الأمر
اهتمت الشريعة الإسلامية بمكانة طاعة ولاة الأمر في الإسلام اهتماماً بالغاً، وأكدت طاعتهم بالمعروف، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ}، فمن قراءة الآية السابقة يمكننا أن نؤكد أن القرآن الكريم وضع طاعة ولي الأمر في المرتبة الثالثة بعد طاعة الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم -، فهناك صلة قوية بين طاعة أولي الأمر وطاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم . فسعادة البشرية وفلاح الإنسانية تكمن في إيمانها بربها واتباعها لنبيها وطاعتها لمن ولاه الله أمرها، وإن طاعة ولاة الأمور ثمرة للإيمان بالله ورسوله، بل هي طريق لأداء الطاعة، ورعاية الدين، وعلو الإسلام؛ إذ الأمة المشتتة المتناحرة المتنافرة لا يرجي منها خير، ولا يؤمل لها في قوة، ولا تضاف لها كرامة، ولا ترقي لها عزة، فطاعة أولى الأمر فيه توحيد للصفوف؛ إذ وحدة الأمة هي الأساس المتين لبقائها، ودوام عزها وسعادة أهلها وسلامتها من الانهيار والسقوط؛ ولذا حرص الإسلام كل الحرص على التجمع، وحفظ كيان الأمة.ثالثًا: الأدلة على وجوب طاعة ولي الأمر
إن طاعة ولي الأمر من الواجبات الشرعية، والأدلة على وجوب طاعته كثيرة منها:- قوله -تعالى- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}.
- ما روى عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني».
- ما روي عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنه قال: قال رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم -: «من خلع يداً من طاعة، لقي الله يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية».
- عن ابن عمر -رضي الله عنهما -عن النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية؛ فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة»، قال الحافظ ابن حجر- رحمة الله-: وفي الحديث وجوب طاعة ولاة الأمور وهي مقيدة بغير الأمر بالمعصية، والحكمة في الأمر بطاعتهم المحافظة على اتفاق الكلمة، لما في الافتراق من الفساد.
رابعًا: أقوال علماء الأمة وأئمتها
قال الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- في رسالة شرح السنة: والسمع وَالطَّاعَة للأئمة وأمير الْمُؤمنِينَ، الْبر والفاجر، وَمن ولي الْخلَافَة وَاجْتمعَ النَّاس عَلَيْهِ وَرَضوا بِهِ، وَمن عَلَيْهِم بِالسَّيْفِ حَتَّى صَار خَليفَة وَسمي أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَمن خرج على إِمَام من أَئِمَّة الْمُسلمين وَقد كَانُوا اجْتَمعُوا عَلَيْهِ وأقروا بالخلافة بِأَيّ وَجه كَانَ بِالرِّضَا أَو الْغَلَبَة فقد شقّ هَذَا الْخَارِج عَصا الْمُسلمين، وَخَالف الْآثَار عَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فَإِن مَاتَ الْخَارِج عَلَيْهِ مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة، وقال: لَا يحل قتال السُّلْطَان وَلَا الْخُرُوج عَلَيْهِ لأحد من النَّاس فَمن فعل ذَلِك فَهُوَ مُبْتَدع على غير السّنة وَالطَّرِيق. (أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل ص: 47).لَا نَرَى الْخُرُوجَ عَلَى أَئِمَّتِنَا
قال الإمام أبو جعفر الطحاوي المصري -رحمه الله تعالى-: وَلَا نَرَى الْخُرُوجَ عَلَى أَئِمَّتِنَا وَوُلَاةِ أُمُورِنَا وإن جاروا، ولا ندعو عَلَيْهِمْ وَلَا نَنْزِعُ يَدًا مِنْ طَاعَتِهِمْ، وَنَرَى طَاعَتَهُمْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ -عز وجل- فَرِيضَةً، مَا لَمْ يَأْمُرُوا بِمَعْصِيَةٍ، وَنَدْعُو لَهُمْ بِالصَّلَاحِ والمعافاة، ونتبع السنة والجماعة، ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة،.. اهـ (متن الطحاوية بتعليق الألباني ص: 69).الإجماع على السمع والطاعة
قال الإمام ابو الحسن الأشعري، -رحمه الله تعالى-: وأجمعوا على السمع والطاعة لأئمة المسلمين وعلى أن كل من ولي شيئاً من أمورهم عن رضى أو غلبة، وامتدت طاعته من بر وفاجر، لا يلزم الخروج عليهم بالسيف جار أو عدل، وعلى أن يغزوا معهم العدو، ويحج معهم البيت، وتدفع إليهم الصدقات إذا طلبوها، ويصلى خلفهم الجمع والأعياد، اهـ. (رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب ص: 169).الدعاء للسلطان
قال الإمام البربهاري، -رحمه الله تعالى-: وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله، لقول فضيل: لو كانت لي دعوة ما جعلتها إلا في السلطان. (شرح السنة للبربهاري ص: 113)، وقال أيضاً: والسمع والطاعة للأئمة فيما يحب الله ويرضى، ومن ولي الخلافة بإجماع الناس عليه ورضاهم به فهو أمير المؤمنين، لا يحل لأحد أن يبيت ليلة ولا يرى أن عليه إماما، برا كان أو فاجرا. (شرح السنة للبربهاري ص: 56)، ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين فهو خارجي، وقد شق عصا المسلمين، وخالف الآثار، وميتته ميتة جاهلية، ولا يحل قتال السلطان والخروج عليه وإن جاروا، وذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر: «اصبر، وإن كان عبدا حبشيا».وقوله للأنصار: «اصبروا حتى تلقوني على (الحوض)»، وليس من السنة قتال السلطان؛ فإن فيه فساد الدين والدنيا. (شرح السنة للبربهاري ص: 58).النَّصِيحَةُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ
قال الحافظ النووي، -رحمه الله تعالى-: وَأَمَّا النَّصِيحَةُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَمُعَاوَنَتُهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَطَاعَتُهُمْ فِيهِ وأمرهم به، وتنبيههم وَتَذْكِيرُهُمْ بِرِفْقٍ وَلُطْفٍ، وَإِعْلَامُهُمْ بِمَا غَفَلُوا عَنْهُ وَلَمْ يَبْلُغْهُمْ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ، وَتَرْكُ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ، وَتَأَلُّفُ قُلُوبِ النَّاسِ لِطَاعَتِهِمْ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- وَمِنَ النَّصِيحَةِ لَهُمُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُمْ وَالْجِهَادُ مَعَهُمْ، وَأَدَاءُ الصَّدَقَاتِ إِلَيْهِمْ، وَتَرْكُ الْخُرُوجِ بِالسَّيْفِ عَلَيْهِمْ إِذَا ظَهَرَ مِنْهُمْ حَيْفٌ أَوْ سُوءُ عِشْرَةٍ، وَأَلَا يُغَرُّوا بِالثَّنَاءِ الْكَاذِبِ عَلَيْهِمْ، وَأَنْ يُدْعَى لَهُمْ بِالصَّلَاحِ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْخُلَفَاءُ وَغَيْرُهُمْ ممن يقوم بأمور المسملين مِنْ أَصْحَابِ الْوِلَايَاتِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَحَكَاهُ أَيْضًا الْخَطَّابِيُّ (شرح النووي على مسلم 2/ 39).فساد عظيم
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله مُشيراً إلى شيءٍ من التلازم بين الخروج والمفسدة-: «ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته» انتهى.لا يستقيم للناس أمر إلا بطاعتهم
قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: «وأمر بطاعة أولي الأمر، وهم: الولاة على الناس، من الأمراء، والحكام، والمفتين؛ فإنه لا يستقيم للناس، أمرُ دينهم ودنياهم، إلا بطاعتهم والانقياد لهم؛ طاعةً لله؛ ورغبةً فيما عنده، ولكن بشرط ألا يأمروا بمعصية الله، فإن أمروا بذلك، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».اهـ.المراد بطاعة ولاة الأمر
وفي سؤال للشيخ عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله- حول المراد بطاعة ولاة الأمر في الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (النساء:59)، هل هم العلماء أم الحكام؟ ولو كانوا ظالمين لأنفسهم ولشعوبهم، أجاب-رحمه الله- قائلاً: أولو الأمر هم: العلماء والأمراء أمراء المسلمين وعلماؤهم، يطاعون في طاعة الله إذا أمروا بطاعة الله وليس في معصية الله؛ فالعلماء والأمراء يطاعون في المعروف؛ لأن بهذا تستقيم الأحوال، ويحصل الأمن وتنفذ الأوامر، وينصف المظلوم ويردع الظالم، أما إذا لم يطاعوا فسدت الأمور وأكل القوي الضعيف؛ فالواجب أن يطاعوا في طاعة الله في المعروف سواء كانوا أمراء أم علماء، والعالم يبين حكم الله والأمير ينفذ حكم الله، هذا هو الصواب في أولي الأمر، هم العلماء بالله وبشرعه وهم أمراء المسلمين عليهم أن ينفذوا أمر الله، وعلى الرعية أن تسمع لعلمائها في الحق وأن تسمع لأمرائها في المعروف، أما إذا أمروا بمعصية سواء كان الآمر أميرا أم عالما فإنهم لا يطاعون في ذلك، إذا قال لك أمير: اشرب الخمر فلا تشربها، أو إذا قال لك: كل الربا فلا تأكله، وهكذا مع العالم إذا أمرك بمعصية الله فلا تطعه.الضابط في طاعة ولي الأمر
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- عن الضابط في طاعة ولي الأمر في غير معصية الله؛ فقال -رحمه الله-: الضابط في طاعة ولي الأمر في غير معصية الله: أنه إذا أمر بمعصية فإنه لا يطاع، لو قال مثلًا: لا تصلوا مع الجماعة، لا تصلوا إلا بعد خروج الوقت، احلقوا لحاكُم، اشربوا الخمر، وما أشبه ذلك، يقال: لا سمع ولا طاعة، ويجب على كل من أُمر بمعصية من ولي الأمر أن يردَّها؛ لأن الأمر -كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «قضاء الله أحق»، حكمه أحق أن يتبع، أما الشيء الذي ليس فيه معصية؛ فيجب على الإنسان أن يطيع ولي الأمر، وجوبًا، وطاعة ولي الأمر في ذلك طاعة لله -عز وجل-؛ لأن الله -تعالى- قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (النساء:59).من حقوق ولاة الأمر على الرعية
قال الشيخ عبد المحسن العباد البدر: من حقوق ولاة الأمر المسلمين على الرعية النصح لهم سرا وبرفق ولين، والسمع والطاعة لهم في المعروف، ومِن أدلَّة النُّصح لهم قولُه - صلى الله عليه وسلم -: «الدِّينُ النَّصيحةُ، قلنا: لِمَن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمَّة المسلمين وعامَّتِهم» رواه مسلم (95)، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ اللهَ يرضى لكم ثلاثاً، ويسخطُ لكم ثلاثاً، يرضى لكم أن تعبدوه ولا تُشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً، وأن تناصحوا مَن ولاَّه الله أمرَكم، ويسخطُ لكم قيلَ وقالَ، وإضاعةَ المال، وكثرةَ السؤال»، وقال النووي في شرحه على مسلم (2/38): «وأمَّا النَّصيحةُ لأئمَّة المسلمين فمعاونَتُهم على الحقِّ وطاعتُهم فيه، وأَمْرُهم به، وتنبيهُهم وتذكيرُهم برِفقٍ ولطفٍ، وإعلامُهم بما غفلوا عنه ولم يبلغْهم مِن حقوق المسلمين، وتركُ الخروج عليهم، وتألُّفُ النَّاس لطاعتهم، قال الخطّابي -رحمه الله-: ومِن النَّصيحة لهم الصلاةُ خلفَهم، والجهادُ معهم، وأداءُ الصّدقات إليهم، وتركُ الخروج بالسّيف عليهم إذا ظهر منهم حيفٌ أو سوءُ عِشرةٍ، وألا يُغرُّوا بالثّناء الكاذب عليهم، وأن يُدعى لهم بالصّلاح»، وقال ابن رجب: «وأما النصيحة لأئمة المسلمين فحب صلاحهم ورشدهم وعدلهم، وحب اجتماع الأمة عليهم، وكراهة افتراق الأمة عليهم والتدين بطاعتهم في طاعة الله -عز وجل-، والبغض لمن رأى الخروج عليهم، وحب إعزازهم في طاعة الله -عز وجل».زلت فيه أقدام وحصل بسببه فتن
وقال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: طاعة العلماء والأمراء موضوع مهم جدًا؛ لأنه زلت فيه أقدام، وضلت فيه أفهام، وحصل بسببه فتن وحروب وقتل وضياع أمن؛ بسبب التفريط في هذا الأصل، الذي هو طاعة أولي الأمر، والله -جل وعلا- أمرنا بطاعة أولي الأمر؛ لما يعلمه -سبحانه- من مصلحتنا في ذلك، وما يترتب على ذلك من الخير الكثير عاجلا وآجلا، ولما في معصيتهم ومخالفتهم من الشرور والفتن وضياع الأمن وانتشار الخوف والقلق في المجتمع، قال الله -سبحانه وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (النساء: 59) وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد؛ فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا؛ فعليكم بسنتي وسنه الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وفي رواية وكل ضلالة في النار الله. -جل وعلا- أمر المؤمنين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ}؛ لأنهم هم الذين يمتثلون أمر الله -سبحانه وتعالى-، بمقتضي إيمانهم، فقال: {وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} طاعة الله -جل وعلا- في الدرجة الأولى وهي الأصل وهي الغاية، وطاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وطاعة أولي الأمر تابعة لطاعة الله -عز وجل-، {وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} وأولي الأمر هم العلماء والأمراء.الدين كله قائم على النصيحة
الدين قائم على النصيحة، ومن النصيحة التي هي من دين الله -تبارك وتعالى- النصح لولي الأمر والنصيحة لولي الأمر تتناول السمع والطاعة له بغير معصية الله، وتتناول الدعاء له بالصلاح والهداية والمعافاة، وتتناول البعد عن سبه وإيغار الصدور عليه، وتتناول معاني عديدة نص عليها أهل العلم -رحمهم الله تعالى-، ومن ذلكم ما قاله أبو عمرو بن الصلاح -رحمه الله تعالى- قال: والنصيحة لأئمة المسلمين معاونتهم على الحق وطاعتهم فيه وتذكيرهم به، وتنبيههم في رفق ولطف، ومجانبة الوثوب عليهم، والدعاء لهم بالتوفيق، وحث الأغيار على ذلك.نظرة ثاقبة
للعلماء نظرة ثاقبة في أوقات الفتن؛ بفضل العلم الذي آتاهم الله، ولذا هم يناصحون سرا، وينكرون قدر الاستطاعة، ويدرؤون المفاسد ويقللونها، ويجلبون المصالح ويكثرونها، وليس بشرط أن يسُمع لهم، كما أنهم يدرؤون الفتن، ويحرصون على عدم إثارتها، وزعزعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ويدفعون الفتنة الكبرى بالفتنة الصغرى، ويرون أن المحافظة على أمن الناس من أهم الواجبات.التعاون مع ولي الأمر على البر والتقوى
من واجبنا تجاه ولي الأمر؛ وذلك عملاً بقوله -تعالى-: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (المائدة: 2)، وعن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إذا أراد الله بالأمير خيرًا جعل له وزير صدق إن نسي ذكَّره، وإن ذكَر أعانه، وإذا أراد له غير ذلك جعل له وزير سوء، إن نسي لم يذكِّره، وإن ذكَر لم يُعِنْه».
لاتوجد تعليقات