رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ د. وليد بن إدريس المنيسي 12 نوفمبر، 2018 0 تعليق

ضوابط مجادلة المشركين وأهل الأهواء

مسألة مجادلة أهل الأهواء لها ضوابط عديدة، ترجع في النهاية إلى الموازنة بين المصالح والمفاسد المترتبة على مجادلتهم أو الإعراض عنهم؛ فقد قال -تعالى- {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46)} (العنكبوت)، فقسمهم الله -تعالى- إلى فريقين: فريق نجادله بالتي هي أحسن، وفريق ظالم لا نجادله بالتي هي أحسن.

     وفي سيرة النبي -عليه الصلاة والسلام- نجد أنه: جادل فريقا من المشركين، وقاتل فريقا منهم وأعرض عن فريق آخر، ونجد أبا بكر - رضي الله عنه - قاتل أهل الردة ولم يجادلهم، وعمر -رضي الله عنه - لما جاءه صبيغ بالشبهات ضربه على رأسه حتى قال خرجت البدعة من رأسي ولم يجادله، بينما ناظر علي وابن عباس -رضي الله عنهم- الخوارج.

     وكذلك تعددت مناهج الأئمة في هذا الموضوع؛ فالإمام أبو حنيفة ناظر بعض أهل الأهواء، بينما الإمام مالك كان إذا جاءه أحد من أهل الأهواء يناقشه في شبهة يقول له: «أما أنا فإني على بينة من ربي وديني، وأما أنت فشاكّ، فاذهب إلى شاكّ مثلك فحاججه»، والله -تعالى- يؤتي الحكمة من يشاء. فمن الأمور المؤثرة في اتخاذ القرار بمجادلتهم أو بالإعراض عنهم ما يلي:

(1) هل هم راغبون في اتباع الحق ونرجو من مجادلتهم أن يهتدوا أو أنهم يجادلون لأجل الجدل ويغلب على الظن أنهم إن ظهر لهم الحق فلن يتبعوه؟

(2) هل المسلمون هم الذين لهم الدولة والقوة، ويتمكنون من ردع صاحب الشبهات وكفه عنها بالقوة أم بالمسلمين ضعف ولا قوة بهم لردع أهل الأهواء؟

(3) هل الشبهة قد انتشرت في الناس وتأثروا بها أم هي شبهة مغمورة والكلام فيها سيؤدي إلى نشرها؟ وحتى إذا كانت منتشرة هل الأصلح الرد عليها في محاضرة أو رد كتابي ينشر أو القعود مع أهل الأهواء لمجادلتهم؟

(4) هل الذي سيناصر الحق عنده علم كاف بالإسلام والسنة، وعلم كاف بمذهب الخصم، وعلم كاف بآداب البحث والمناظرة، وحيل المتناظرين وخبرة سابقة أيضا أم لا؟ لأن العلم الشرعي وحده لا يكفي للانتصار في المناظرة، والدهاء والحيلة لا يكفيان أيضا، وقد يتسبب ضعف حجة مناصر الحق أو جهله بمذهب خصمه أو عدم دهائه وقلة خبرته في مجال المناظرات قد يتسبب ذلك في ترويج الشبهة وإظهار المبطل أمام الناس في صورة المنتصر مما يضر أكثر مما ينفع.

     كذلك لا بد أن يكون المناظر عالما بالأدلة وبكيفية الاستدلال، وهل سيرد بنفي صحة دليل الخصم أم بتقرير صحة الدليل ولكن ينفي صحة الاستدلال؟ وذلك أن هناك من يستدل بدليل صحيح على مذهب صحيح، وهناك من يستدل بدليل صحيح على مذهب باطل، وهناك من يستدل بدليل باطل على مذهب صحيح، وهناك من يستدل بدليل باطل على مذهب باطل.

     فعندما يستدل المبطل بدليل صحيح على مذهب باطل، فبعض المناظرين المتحمسين يندفع إلى الطعن في الدليل الصحيح فيضر أكثر مما ينفع، وقد يعجز المناظر عن إثبات عدم صحة الاستدلال وعدم انطباق الدليل على المدلول فيلتبس الأمر على الجهال، وتروج عليهم الشبهة.

(5) هل انشغال المناظر بتعلم العلم النافع وتعليمه للراغبين في الاستفادة أصلح له وللناس أم انشغاله بالمناظرات ورد الشبهات؟ فهناك علماء وطلبة علم يحتاج الناس إلى علومهم وأوقاتهم أنفس من أن تهدر في جدل عقيم مع أناس لا يرغبون في الهداية ولا يريدون الحق، وهناك من دوره في التعليم محدود وغيره يكفيه، وبإمكانه أن يكفي المسلمين في مجال المناظرات والمجادلات.

ففي ضوء ما سبق ينبغي أن يوازن كل إنسان بين المصالح والمفاسد، ويستخير الله -تعالى-، ويستشير الناصحين، ويفعل ما هو الأصلح له وللمسلمين.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك