رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. محمد عودة أحمد الحوري 21 يناير، 2020 0 تعليق

صور من الفسـاد المـــالي بينـتـهـا السنـة النبـويـة


قال -تعالى-: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}(الروم: 41)، وظهور الفساد هو الجريمة الأبرز لمن أُمر بالإصلاح، ونُهي عن الفساد، كما في قوله -تعالى-: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}(الأْراف: 56)، وسنن الله في إهلاك المفسدين ثابتة، وآياتها شاهدة، ويقع الفساد  في شؤون الحياة المختلفة، وصوره المتنوعة، وأضراره على الأفـراد والمجتمعات غير خافية، وقد طالت ضرورات الحياة، ولاسـيّما المال، وعـلاج المعضلات يحتاج إلى مراحل، وأَولى المراحل وُأولها تشخيص المعضلة والوقوف عليها.
     وقد قمت في هذا البحث بتتبع الأحاديث النبوية التي تضمنت بيانا لسلوكيات، تعد تعديا على المال العام أو الخاص، وتمثل صورة من صور الفساد المالي في شؤون الحياة المختلفة في مجالي: العبادات، والمعاملات؛ مما يؤثر سلبا على استقرار الأمة وقوتها؛ فبينت أنواع الفساد المالي التي تقع في العبادات، في الصدقات، وفي الجهاد، وهما عبادتان تقومان على البذل والعطاء، إلا أنه قد يقع فيهما ما يعكر صفوهما، ويقلب غايتهما، كما بينت أنواعا من الفساد المالي الذي يقع في المعاملات: في البيوع، والدين، ومسألة الناس، والأطعمة، والوظيفة، ولا يخفى أن ضبط هذه الأمور المختلفة، والعمل على منع وقوعها، يسهم في تحصين المجتمع، ويعزز استقراره وأمنه.
 
مكانة المال في الإسلام
     يعد المال عصب الحياة، وشريانها الرئيس، وهو من أبرز المقاصـد الـتي جـاءت نصوص الشريعة وتشريعاتها للحفاظ عليها؛ فنجد النصوص الشرعية متوافرة للدلالة على أهمية المال، ومكانته، ووجـوب حفظه، ومنع الاعتداء عليه؛ ومما يدل على ذلك أن أركان الإسلام  خمسة أحدها عبادة مالية هي: (الزكاة)، بل بايع النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه على إيتائها.
ولما قال السائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أنشدك بالله، آللهُ أمـرك أن تأخذ هذل الصدقة من أغنيائنا؛ فتقْسِمها علـى فقرائنـا؟ قـال الـنبي صلى الله عليه وسلم : «اللهم نعم».
 
نصوص السنة
وبتتبع نصوص السنة المطهرة نجد أنها قدمت تصورا  شموليـا لعلاقـة الإنسـان
بالمال؛ فأكدت معنى قوله -تعالى-: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا}(الفجر: 20)، بقوله صلى الله عليه وسلم : «لَو أن لابن ِآدْم َمِثْلَ وادٍ مِنْ ذَهبَ ٍمَالا لأحَب أن يكُـونَ إليـه مِثْلـهُ، وَلا يَملأ عَيْنَ ابن آدَمَ إلا التَرابُ، ويتوبُ الله على من تابَ».
 
فتنة المال
     وحذرت تلك النصوص من فتنة المال وسيطرته على العقل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «َتعسَ عَْبدُ الدينَارِ َوالدرْهَمِ، وَالْقَطِيفَةِ، وَاْلخَمِيصَةِ، ِإنْ ُأعْطىَ رضىَ، وَِإنْ لَمُْ يعْط َلَمْ يَرْضَ»،(5)، وقال:«وَِإن َهَذا الَْمالَ خَضَِرةٌ حلَْوةٌ،وَِنعْـمَ َصـاحُِب الْمُْسـلِمِ لِمَنْ أَخذهُ ِبحَقهِ؛ فجعلَهُ ِفى سَبِيلِ اللهِ وَالْيََتامى وَالْمَسَاكين، وَمَنْ لَمْ يَأْخذه ِبحَقهِ فهْوَ كالآكل الذي لا يَشَْبعُ، وََيكُونُ علَيْهِ شهِيدا يَوْمَ الْقَِيامَةِ».
 
ملكية الإنسان للمال
     كما بينت أن ملكية الإنسان لهذا المال صورية فقط، حقيقتها الاستخلاف، قال -تعالى-: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ}(الحديد: 7)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : «يُقولُ العَْبدُ: مالي، مَالي، وإنما لَه من َمالِهِ ثَلاثٌ: ما أكَلَ فأفَْنى، أو لَبِسَ فأْبَلى، أو أعْطى فأقَْنى، وما سوى ذلك، فهُوَ داهِب وتاركُهُ لِلناسِ».
 
     ويزيد ذلك  إيضاحا قوله صلى الله عليه وسلم : «أيكُم مالُ وارِثِه أحب  إليه من ماله؟»، قالوا: يا رسول الله، ما مِنا أحدٌإلامالُه أحب  إليه، قال: «فإن مَالَـهُ مـاَ قـدمَ، مالَ َوارِثِهِ ما أخرَ»، وجعلت الأحاديث النبوية الشريفة أمـان النـاس علـى أمـوالهم مـن علامـات الإيمان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والمؤمن: مـن أمِنَـهُ النـاس علـى دمائهم وأموالهم»، حتى أخذ النبي صلى الله عليه وسلم البيعة – والبيعة شأنها عظيم- على عدم سرقة المال أو نهبه فقال: «تُبايعوني على ألا تُشـركُوا بـالله شـيئًا، ولا تَسْـرِقوا..»، وزاد في رواية: «ولا ننَْتهِب».
 
كثرة المال
     وحذر صلى الله عليه وسلم من كثرة المال  لمن لا يؤدي حق الله  فيه؛ فعن أبي ذر رضي الله عنه، قال: انَْتهَيْتُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهـو جـاِلسٌ في ظِـل اْلَكعْبَـة؛ فلمـا رآني قال: «هُمُ الأخسرون ورَب اْلكعْبَةِ»؛ فقلتُ: يا رسول الله ِفداكَ أبي وأمـي مَـن هُمْ؟ قال: «هُمُ الأكثرون أموالا، إلا من قال هكذا، وهكذا، وهكذا، - من بَيْنِ يديه- ومن خلفه، وعن  يمينه، وعن  شماله - وقليلٌ ما هم».
 
جمع المال
     وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمع المال ليس مقصدا، بل المقصد إنفاقه فيما يرضي الله؛ فقال: «لَوْ كان عِْنـِدي أُحـدٌ ذَهَبًـا، لأحْبَبْـتُ أنْ تَـأِتيَ ثـلاثٌ وعِْندي منه دينار، لَْيسَ شَيْئًا ُأرصُدهُ في دَيْنٍ علي، أحدُ من يَقَْبلُهُ»، وأوضح أن هذه العلاقة بين الإنسان والمال مسـتمرة يـوم القيامـة؛ فقـال: «لا تزولُ قدَمَا عبد يومَ القيامة، حتى يُسألَ عن أربع:... وعن ماله من أين اكتسبه وفـيم أنفقه؟».
 
أموال الناس محترمة
ونصّ النبي صلى الله عليه وسلم على أن أموال الناس محترمة لا يجوز الاعتـداء عليهـا، وكان هـذا مـن وصاياه صلى الله عليه وسلم عام حجـة الـوداع؛ فقـال: «فـإن  دمـاءَكم، وأمـوالَكم، وأعراضكم، عليكم حرامٌ».
 
الحفاظ على المال
     وفي سبيل الحفاظ على المال، ومنع التعدي على حقوق الناس، نجد عـددا مـن الأحاديث: منها ما يفيد النهي عموما عن إضاعة المال، كقول النبي صلى الله عليه وسلم : «ِإن الله َحَرم ََعلَْيكُم ْعُقُوق الأمهَاتِ، وَوَأْدَالْبَنَاتِ، وَمََنعَ وَهَاتِ،َ وكَِره لكُـمْ قِيلَ وََقالَ، وكَثَْرةَ السؤَالِ، وَِإضاعَةَ الَْمالِ»، كما عدّ القتيل دفاعا عن ماله شهيدا؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه : قال: جاء رجلٌ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقال: يـا رسـول الله، َأرأيـتَ إنْ جـاء رجلٌ يريدُ أَْخذَ مَالي؟ قال:«فلاُ تعْطِهِ مالَكَ»، قال: أرَأيتَ إنْ قَاَتَلني؟ قال:«قاِتلْـهُ»، قال: أرأيتَ إنْ قَـتَلني؟ قـال: «فأنـتَ شـهيدٌ»، قـال: أرَأيـتَ إنْ قتلتـهُ؟ قـال «هـو النار»، ونهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الـدعاء علـى الأمـوال؛ فقـال: «...ولا تدُعوا على أموالكم، لا تُوافِقُوا من الله -عَز وجـلَ- سـاعةَ نَيْـلٍ، فيهـا عطـاءٌ، فَيَسْتَجيب لكم».
 
الشفاعة للسارق
     وغضب النبي صلى الله عليه وسلم جدا، حينما حاول بعض الصحابة الشفاعة للمرأة المخزومية التي سرقت، وعدّ ذلك سببا لهلاك الأمم، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : «ِإنمَا هلَكَ مَنْ كانَ قَْبَلكُمْ، أنهُمْ كانُوا يُقِيمُونَ اْلحد عَلى الْوَضيعِ، وَيَتُْركون الشرِيفَ، والِذي نَفِْسي بَِيِده،لَوَْ أن فَاطِمَة فَعلَتْ ذَلِكَ لَقََطعْتَُ يـدَهَا»، حتى نفى صفة الإيمان عن السارق أثناء تلبسه بجريمته فقال:«...وَلَاَيسْـِرق ُالساِرُق حِين يسْرق وَهُوَ مُؤْمِنُ».
 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك