رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سعيد السواح 2 أبريل، 2018 0 تعليق

صمود المسلم في مواجهة التيارات المنحرفة

 محاولات مستمرة مِن التيارات الإلحادية والعلمانية، ومحاولات مستمرة مِن المنافقين والزنادقة، محاولات مستمرة مِن الذين يجامِلون على حساب دينهم؛ لكسب ود مَن انحرف عن منهج الله الحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، وكل هذه المحاولات مِن أجل الوصول إلى مقصدٍ واحدٍ، وهو زحزحة المسلم عن منهج ربه وصراطه المستقيم، وزعزعة داخله؛ ليتخلى عن جزءٍ مِن عقيدته وشريعته، إنها تيارات جارفة وأمواج عاتية، ولكنها تنكسر عند ثبات المؤمن على عقيدته وشريعته، وصموده أمام هذه التيارات؛ فلا تزحزحه عن الطريق.

الثبات حتى الممات

     وصية الله إلى عباده المؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(آل عمران:102)، ووصية الله لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}(الحجر:98-99)،ووصية الأنبياء لأولادهم بالصمود والثبات على عقيدته: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (البقرة:132-133).

مطلب الأنبياء

     لقد كان الثبات حتى الممات مطلب الأنبياء والمرسلين؛ فهذا يوسف -عليه السلام- وطلبه للثبات حتى الممات: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}(يوسف:101)، وهذا النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر مِن قول: «يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ». (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

مطلب الأولياء

     وكان مطلب الأولياء والأتقياء الثبات حتى الممات: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ}(الأعراف:126)، {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ} (آل عمران:193)، {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} (آل عمران:8).

التيارات المنحرفة

     إن الثبات على الدين والتوحيد، والصمود في مواجهة التيارات المنحرفة قد يكلِّف الإنسان حياته «إنها السنن الكونية»: عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ؛ فَيُجْعَلُ فِيهِ؛ فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ»(رواه البخاري).

أصحاب الأخدود

     وانظر إلى قصة (أصحاب الأخدود)، وثبات الراهب، وجليس الملك، والغلام، ومَن آمن برب الغلام، وكيف صمدوا أمام فتنة القتل والتعذيب، وما تخلوا عن عقيدتهم ودينهم -ولو كان مقابل تمسكهم ذهاب الدنيا ومفارقة الحياة-؛ فآثروا ما عند ربهم على دنيا فانية!

سحرة فرعون

     وهؤلاء السحرة الذين جمعهم فرعون مِن أماكن متفرقةٍ مِن البلدان لينازلوا موسى -عليه السلام-؛ فلما رأوا الآية التي مع موسى -عليه السلام- علموا أنها الحق، وأن ما جاء به موسى -عليه السلام- ليس بسحرٍ؛ فما كان منهم إلا أن خروا على الفور سجدًا لله رب العالمين، وأعلنوا عن إيمانهم بالله -تعالى-، وما جاء به موسى -عليه السلام- مِن الحق مِن ربه.

     فكيف قابل فرعون إيمان السحرة؟! {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ . لأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لأصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ}(الأعراف:123-124)، ومع ذلك ما اهتزوا، وما تزعزعوا، ولكنهم قابلوا تهديد فرعون بالاستهانة واللامبالاة: {لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ . قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ . وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} (الأعراف:124-126)؛ فكانت أغلى أمانيهم أن يموتوا على الإسلام، وأن يلقوا ربهم على التوحيد الخالص؛ فصمدوا أمام هذه التهديدات، ولم يبالوا أن يفارقوا الحياة طالما لم يفارقوا الإيمان ولم يفارقهم الإيمان.

الثبات على الدعوة

     عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ، وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ، وَالنَّبِيَّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَد»(متفق عليه)؛ فانظر إلى صمود الأنبياء، وثباتهم على دعوة الخلق للدين والإيمان على الرغم مِن قلة المستجيبين، ولكن ما أثناهم ذلك عن الاستمرار في دعوتهم، وإن لم يستجب أحد!

     فهذا نوح -عليه السلام- ما آمن معه إلا قليل مع طول الفترة الدعوية التي قضاها  في دعوة قومه، على الرغم مِن الحماقات والسفاهات والجهالات التي كان يُقابل بها مِن قومه، ولكن انظر إلى صموده وثباته على دعوته ما أثناه ذلك، وما تراجع عن دعوته {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا . وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا . ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا . ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا}(نوح:5-9).

ثبات الصحابة -رضي الله عنهم

     في غزوة الأحزاب قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} (الأحزاب:9-11).

     ماذا قال الصحابة -رضوان الله عليهم- لما رأوا الأحزاب قد اجتمعوا عليهم؟ {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} (الأحزاب:22)، انظر إلى صمودهم وثباتهم مع شدة الموقف، وشدة وعظم ما تعرضوا له!

غزوة حمراء الأسد

     وفي غزوة حمراء الأسد، قال -تعالى-: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}(آل عمران:172-174).

المسلم الثابت على المنهج

هذه كلها رسائل لك أيها المسلم الصامد والثابت على المنهج، قال -تعالى-: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ} (غافر:55)، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (الحجر:98-99).

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك