رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.خالد راتب 17 مايو، 2016 0 تعليق

صلح الحديبية وفقه المآلات

     إن حادثةَ صلح الحديبية فيها من الدروس والعِبَر ما يعجِزُ مداد الحبر عن إحصائه، ولكن نقف على درس عظيم وقاعدة أصيلة أصَّلها النبي صلى الله عليه وسلم  للأمة إلى يوم القيامة، وهي قاعدة : (اعتبار المآلات)، وما يترتب على هذه القاعدة من مصالح للأمة الإسلامية والعالم أجمع؛ فقد طلبت قريشٌ من رسول الله مطالب هي في نظر أغلب الصحابة ظالمة ومجحفة، أن يمحوَ (بسم الله)، و(محمد بن عبدالله)، وألا يدخُل مكة، ومن جاء مسلمًا دون إذن وليِّه يردّه، ومن ارتدَّ عن الدين الإسلامي فلا ترده قريش، فقبِل صلى الله عليه وسلم  ورضي، وهذا الذي يجب أن يفقهَه كلُّ من يدعو إلى الله، من يدعو إلى الله لا ينتصر لنفسه، المهم أين مصلحة الإسلام ومصلحة الأمة، وأن العاقل يقبل بالمرحلية في حياته، ويؤمن بالواقع الذي يعيشه.

     واعتبارًا لفقه المآل وضرورة النظر في عواقب الأمور يعلِّم النبي صلى الله عليه وسلم  أمتَه كيف تحقِّق النصرَ بأقلِّ الخسائر، بل دون خسائر أحيانًا؛ فقد حقن دماء المسلمين عندما غيَّر طريقَه واختار طريقًا وعرًا حماية للدماء والنفوس التي تهدر الآن بغير وعي؛ بسبب أخطاء بعض الأفراد الذين يستعجلون النتائج، ولا يعلم هؤلاء أن كونَ الله يسير بقوانينَ ربانية؛ ما إن سار عباد الله في فلكها ظفِروا بالمطلوب، وقد جاء في كتاب (اقتباس النظام العسكري في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ) ما يُبيِّنُ الحكمةَ من تغيير الطرق ما نصه: ويؤخذ من اتخاذ الأدلة والتحول إلى الطرق الآمِنة أن القيادة الواعية البصيرة، تسلُك في سَيْرِها بالجيش دروبًا بعيدة عن المخاطر والمهالك، وتتجنب الدروب التي تجعل الجيش خاضعًا تحت تصرفات العدو وهجماته؛ (انظر: السيرة النبوية لأبي فارس، ص374، نقلاً عن اقتباس النظم العسكرية، ص 258).

     وهنا نقف وقفة الإجلال مع الفقه النبوي الذي يؤصِّل قاعدة اعتبار المآلات، مستلهمًا ذلك من القرآن الكريم من خلال قوله - تعالى -: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}(الأنعام: 108)، وغيرها من الآيات، وطبَّق الرسول صلى الله عليه وسلم  هذا الفقه عمليًّا في أكثرَ من موضع، نذكر منها: «أنه رفض طلب من أشار عليه بقتل من ظهَر نفاقُه، مع أن هذا يريح الأمةَ من شرهم، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم  خاف أن يتحدث الناسُ أن محمدًا يقتل أصحابه»، ويظهر هذا الفقه أيضًا في قوله لعائشة -رضي الله عنها-: «لولا أن قومَكِ حديث وعهدهم بكفر، لأسستُ البيت على قواعدِ إبراهيم».

وقد جاءت النتائجُ كما رتب لها الرسولصلى الله عليه وسلم  وكان صلح الحديبية فتحًا مبينًا كما بيَّن ربنا -تعالى-: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}(الفتح: (1)، وتحققت نتائج صلح الحديبية التي كانت في صالح المؤمنين، والتي من أهمها:

(1) اعتراف قريش في هذه المعاهدة بكيان الدولة المسلمة.

(2) دخلت المهابة في قلوب المشركين والمنافقين، وتيقَّن الكثير منهم من غلبة الإسلام.

(3) أعطت الهدنة فرصةً لنشر الإسلام، وتعريف الناس به؛ ممَّا أدى إلى دخول كثيرٍ من القبائل فيه.

(4) أمِن المسلمون جانب قريش، فحولوا ثقلهم إلى اليهود ومَن كان يناوئهم من القبائل الأخرى، فكانت غزوةُ خيبرَ بعد صُلح الحديبية.

 (5) مكَّن صلحُ الحديبية النبيَّ صلى الله عليه وسلم  من تجهيز غزوة مؤتة، فكانت خطوةً جديدة لنقل الدعوة الإسلامية بأسلوب آخر خارج الجزيرة العربية.

(6) ساعد صلحُ الحديبية النبيَّصلى الله عليه وسلم على إرسالِ رسائل إلى ملوك الفرس والروم والقبط يدعوهم إلى الإسلام.

(7) كان صلحُ الحديبية سببًا ومقدمة لفتح مكة: يقول ابن القيم: كانت الهدنةُ مقدِّمةً بين يدي الفتح الأعظم، الذي أعز اللهُ به رسوله وجندَه، ودخل الناس به في دين الله أفواجًا.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك