صلاح الأبناء مهمة الآباء
إن من أعظم النِّعم التي ينعم الله بها على عِباده نعمة الأبناء؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»، رواه مسلم، ومع صلاحهم ينال الأبوان برَّهم، وطاعتهم، ونفعهم، وهكذا تعود نِعمة صلاح الأبناء على الأبوين بالخير في الدنيا والآخرة، وهم زينة الحياة الدنيا، وهم أمانة يجب على الإنسان رعايتها وحسن تأديتها كما يحبُّ الله -جل في علاه-؛ فالأب مسؤول عن أبنائه وعن إرشادهم وتوجيههم وتحذيرهم من كلِّ طريق يوصل إلى النار، وكذلك توجيههم إلى كل طريق يوصلهم إلى طاعة الله وإلى الجنة.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ المرء يُسأل عن رعيَّته يوم القيامة، فبأي شيء يجيب مَن ضيَّع أولاده؟ وبماذا سينطق مَن خان الأمانة؟ ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم قال -صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، -قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ- وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، فتربية الأولاد ورعايتهم مسؤوليَّة قد يتسبَّب إهمالها وعدم حفظها في مَصير مؤلم ينتظر الوالدين؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : «ما مِن عبد يَسترعيه الله رعيَّةً، يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لرعيَّته، إلا حرَّم الله عليه الجنة».
والمولود يولد على الفِطرة التي فطر الله الناس عليها، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما مِن مولود إلَّا يولد على الفِطرة، فأبواه يهوِّدانه، أو ينصِّرانه، أو يمجِّسانه...»، فعلى الوالدين الحفاظ على الخير الذي هم فيه، وصيانة الأولاء من كلِّ الشرور التي تتربَّص بهم، لكن المصيبة أن يكون الوالدان مع تقصيرهما في حِفظ ولدهما هما سبب انحرافه وغوايته وفساده.
يقول ابن القيم -رحمه الله-: «وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله، وترك تأديبه، وإعانتِه له على شهواته، ويزعم أنه يكرِمه وقد أهانه، وأنَّه يرحمه وقد ظلمه وحرَمَه، ففاته انتفاعُه بولده، وفوَّت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد، رأيتَ عامَّته من قِبَل الآباء».
ومن أهم الأمور التي تعين على توفيقهم لطريق الهداية، الدعاء لهم بالصَّلاح، فها هو ذا الخليل إبراهيم -عليه السلام- يدعو فيقول: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} (إبراهيم: 35)، وقال أيضًا: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} (إبراهيم: 40)، ورفع أكف الضَّراعة إلى ربه قائلًا: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} (البقرة: 128)، وها هم أولاء عباد الرَّحمن يدْعون بأن يهب الله لهم ما تقر به أعينهم من الذريَّة الصالحة: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (الفرقان: 74)، وزكريا عليه السلام لا يطلب الذرية فقط؛ بل يطلبها مع كونها طيِّبة صالحة: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} (آل عمران: 38)، ودعاء الوالد لولده من الدعاء المستجاب الذي يُرجى أن يتحقَّق بإذن الله -عز وجل-؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ثلاث دعوات مستجابات لا شكَّ فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة الوالد، ودعوة المسافر»، والوالدةُ رحمتُها وشفقتها أكبر؛ فهي داخلة في استجابة الدعاء من باب أولى.
ويعلِّل المناوي -رحمه الله- سبب استجابة دعاء الوالد لولده: «لأنه صحيح الشفقة عليه، كثير الإيثار له على نفسه، فلما صحَّت شفقته، استجيبت دعوته، ولم يذكر الوالدة مع أنَّ آكدية حقها تؤذن بأقربية دعائها إلى الإجابة من الوالد؛ لأنه معلوم بالأولى»؛ فدعوة الوالد مستجابة، سواء لأولاده أم عليهم.
لذلك نَهى النبي صلى الله عليه وسلم صراحة عن الدعاء على الأولاد، فقال: «لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تَدعوا على أموالكم؛ لا توافقوا من الله ساعةً يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم»، نسأل الله أن يصلح أبناءنا ويهديهم سبيل الرشاد
لاتوجد تعليقات