رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.راغب السرجاني 6 يونيو، 2017 0 تعليق

صلاتي وقيامي في مضان الأخير


كتاب: (رمضان الأخير) لمؤلفه  د. راغب السرجاني المشرف العام على موقع قصة الإسلام، الكتاب يحتاجه كل مسلم خاصة في شهر رمضان الكريم، والكتاب يتناول مجموعة من الأفكار التي تهم الفرد والمجتمع والأمة، وأول هذه الأفكار هي محاولة الوصول إلى الإحساس بأن رمضان القادم هو رمضان الأخير، والاستشعار بأن هذا مطلب نبوي، فكم من أصحابٍ ومعارفَ كانوا معنا في رمضان السابق وهم الآن من أصحاب القبور! والموت يأتي بغتةً، ولا يعود أحدٌ من الموت إلى الدنيا أبدًا.. قال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (المؤمنون: 99، 100).

     عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة». فحرصا على هذه الدرجات لابد من الحرص على أداء الصلاة في المسجد في جماعة، وليس هذا فحسب فقد توعد رسول الله صلى الله عليه وسلم  من ترك صلاة المسجد؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «والذي نفسي بيده! لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلا فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم».

     وهذا التهديد الشديد يجب أن ينعكس على مداومة المسلم على الصلاة في بيوت الله في أول الوقت، بل والمحافظة على الصف الأول في كل صلاة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا».

الخشوع في الصلاة:

     لو أني أعلم أن هذا هو رمضاني الأخير ما أضعت فريضة فرضها الله علي أبدا، بل ولاجتهدت في تجميلها وتحسينها، ولما انطلق ذهني هنا وهناك أثناء الصلاة، بل أخشع فيها تمام الخشوع، ولا أنقرها نقر الغراب، بل أطول فيها، بل أستمتع بها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «وجعلت قرة عيني في الصلاة».

     ومن أروع الوسائل للوصول إلى الخشوع الحقيقي في الصلاة هو أن نزرع في قلوبنا حب الله عز وجل؛ فإن من طبيعة الإنسان أن يسعد بلقاء من يحب، بل يبحث عن لقائه ملهوفا، وإذا اقترب موعد اللقاء تراه ينظر إلى عقارب الساعة يريد لها أن تتحرك أسرع، وإذا التقى به أقبل عليه بكل جوارحه، ومهما طال اللقاء فهو لا يريد له أن ينتهي، بل يريد للزمن أن يتوقف، وعند انتهاء اللقاء يحرص على الارتباط معه بموعد جديد.

هذه طبيعة اللقاء مع من نحب، إذا حان وقت الصلاة!

فهل نشعر بهذه المشاعر؟

إن كانت الإجابة: نعم فلله الحمد والمنة، فنحن نحب الله، وإن كنا نتردد في الإجابة، ونلتمس الأعذار والمسوغات فنحن لا نحب الله حبا حقيقيا، ويا للفاجعة!

إنها كارثة! وأي كارثة!

قال سبحانه وتعالى:قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (التوبة:24).

- هل نسعد بلقاء والدينا وأبنائنا وإخواننا وأزواجنا وعشيرتنا أكثر من سعادتنا بالصلاة؟

- هل نشعر باللهفة للقاء الله -سبحانه وتعالى- كما نشعر باللهفة للقاء أحبابنا بعد عودة من سفر بعيد؟

- هل نسعد بالصلاة كسعادتنا بدخول مال كثير إلى خزانتنا؟

- هل نخشى عدم قبول الصلاة كخشيتنا من كساد تجارة كبيرة عندنا؟

- هل نسعد بركعتين في جوف الليل كسعادتنا بانتهاء بناء مسكن لطيف جميل قضينا دهرا في إعداده وتجهيزه؟ مسكن نرضاه كما وصف ربنا عز وجل.

هذه هي المعايير التي وضعها الله -عز وجل- لقياس درجة الحب له سبحانه، وقد وضع هذه المعايير الواضحة والصارمة حتى لا يدعي أحد شيئا باطلا، وحتى لا يعيش الإنسان في وهم كبير: وهو أنه يحب الله أكثر من كل شيء، بينما واقع حياته يخالف ذلك ويكذبه، قال تعالى:( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ)(الحجرات:14)، فالجميع يقول، ولكن القليل هو الذي يؤمن، ويحب ويطيع ويجاهد، فلنقف وقفة مصارحة!

ولنجب عن هذه الأسئلة السابقة بشفافية وحرص، مرة أخرى: إن كنا -بهذه المعايير- نحب الله فلله الحمد والمنة.

وإن كانت الأخرى فالعجل.. العجل!

العجل إلى حب الله.

قبل أن يأتي{ يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88)إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } (الشعراء:88-89).

     ولا تنسوا أن القضية قضية إيمان، ومن قدم حبا على حب الله -عز وجل- فهو منقوص الإيمان، وعلى شفا حفرة، ولن يذوق حلاوة الإيمان، فقد قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار».

     بل في رواية أخرى ينفي كلية أن يجد حلاوة الإيمان، فقد قال صلى الله عليه وسلم : «لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى يحب المرء لا يحبه إلا لله، وحتى أن يقذف في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله، وحتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما»، فهو هنا يقول: «لا يجد أحد» والكلام قاطع وصارم، وكيف لمن لا يجد حلاوة الإيمان أن يخشع في صلاته؟!

قيامي في رمضان الأخير

     ولو أني أعلم أن هذا هو رمضاني الأخير لحرصت على صلاة القيام في مسجد يمتعني فيه القارئ بآيات الله عز وجل، فيتجول بين صفحات المصحف من أوله إلى آخره، وأنا أتدبر معه وأتفهم،  راغبا في فضل الله -تعالى- بمغفرة الذنوب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه»، طامعا في عطاء الله تعالى؛ فعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «إن من الليل ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرا إلا أعطاه إياه».

     بل إنني في رمضان شهر القرآن أعود بعد صلاة القيام الطويلة إلى بيتي مشتاقا إلى كلام ربي عز وجل، فأفتح المصحف وأستزيد، وأصلي التهجد وأستزيد، وبين الفجر والشروق أستزيد إنه كلام ربي، وأنا على تقصيري أحاول أن أقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم والصالحين من بعده، فقد روى المغيرة رضي الله عنه  قال: إن كان النبي ر ليقوم ليصلي حتى ترم قدماه أو ساقاه، فيقال له فيقول: «أ فلا أكون عبدا شكورا»؟!

حال الصالحين

     كما كان الصالحون من الصحابة وتابعيهم بإحسان يفعلون ويجتهدون، فقد كان ابن مسعود رضي الله عنه إذا هدأت العيون قام فيسمع له دوي كدوي النحل حتى يصبح، ويقال: إن سفيان الثوري -رحمه الله- شبع ليلة، فقال: إن الحمار إذا زيد في علفه زيد في عمله، فقام تلك الليلة حتى أصبح.

وكان طاووس -رحمه الله- إذا اضطجع علـى فراشه يتقلى عليه كما تتقلى الحبة على المقلاة، ثم يثبت ويصلي إلى الصباح، ثم يقول: طير ذكر جهنم نوم العابدين.

     وقال الربيع: بت في منزل الشافعي رضي الله عنه ليالي كثيرة فلم يكن ينام من الليل إلى يسيرا. وقال أبو الجويرية: لقد صحبت أبا حنيفة رضي الله عنه ستة أشهر فما فيها ليلة وضع جنبه على الأرض، وكان أبو حنيفة يحيي نصف الليل، فمر بقوم، فقالوا: إن هذا يحيي الليل كله، فقال: إني أستحي أن أوصف بما لا أفعل، فكان بعد ذلك يحيي الليل كله، ويروى أنه ما كان له فراش بالليل، ويقال: إن مالك بن دينار رضي الله عنه بات يردد هذه الأيام ليلة  حتى أصبح { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ } (الجاثية:21)، وقال المغيرة بن حبيب: رمقت مالك بن دينار فتوضأ بعد العشاء، ثم قام إلى مصلاه فقبض على لحيته فخنقته العبرة، فجعل يقول: حرم شيبة مالك على النار، إلهي قد علمت ساكن الجنة من ساكن النار، فأي الرجلين مالك؟ وأي الدارين دار مالك؟ فلم يزل ذلك قوله حتى طلع الفجر.

وقال الحسن البصري -رحمه الله-: ما نعلم عملا أشد من مكابدة الليل ونفقة هذا المال، فقيل له: ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوها؟ قال: لأنهم خلوا بالرحمن، فألبسهم نورا من نوره.

التماس النور

فلو علمت أن رمضاني الأخير لاجتهدت في التماس هذا النور الذي أفاضه الله -سبحانه وتعالى- على عباده المقيمين لليل.

     والحريص على قيام الليل في رمضانه الأخير لا يتغافل عنه طلبا للراحة؛ فالراحة الحقيقية في النعيم المقيم في الجنة؛ فقد قدم بعض الصالحين من سفره فمهد له فراش، فنام عليه حتى فاته ورد (من قيام الليل)، فحلف ألا ينام بعدها على فراش أبدا، وكان عبدالعزيز بن رواد إذا جن عليه الليل يأتي فراشه فيمرر يده عليه، ويقول: إنك للين، ووالله إن في الجنة لألين منك، ولا يزال يصلي الليل كله.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك