رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: إعداد: خالد بن عبد العال 26 يونيو، 2016 0 تعليق

صلاة الوتر.. حكمها وفضلها

تكلمنا في اللقاء السابق عن صلاة التراويح، وما يتعلق بها من أحكام وفضائل، وفوائد ومسائل. ونتناول في هذا اللقاء الكلام عن صلاة الوتر:

     تعريف الوتر في اللغة والاصطلاح: الوتر في اللغة: يقال: الوِتر، بكسر الواو، ويقال: الوَتر، بفتح الواو، لغتان معروفتان، هو: العدد الفردي، كالواحد، والثلاثة، والخمسة، قال ابن منظور في «لسان العرب»، مادة «وتر»: (15/205): الوتر: الفرد، تكسر واوه وتفتح، أو ما لم يتشفع من العدد. أهـ.

الوتر في اصطلاح الفقهاء: هي صلاةٌ تُفعل ما بين صلاة العشاء وطلوع الفجر، تُختم بها صلاة الليل، سُميت بذلك؛ لأنها تُصلَّى وتراً: ركعةً واحدةً، أو ثلاثاً، أو أكثر من ذلك، ولا يجوز جعلها شفعاً.

فضل الوتر: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  قَالَ: «... إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ». (متفق عليه).

وصية النبي صلى الله عليه وسلم  بالوتر: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم  بِثَلَاثٍ، لَا أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلَاةِ الضُّحَى، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ. (متفق عليه).

المحافظة على الوتر في السفر والحضر، وعلى الدابة حيث توجهت به: عَن ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم  يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ، يُومِئُ إِيمَاءً، صَلَاةَ اللَّيْلِ إِلَّا الْفَرَائِضَ، وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ. (متفق عليه).

     فهذا الحديث دالٌ على صلاة الوتر في السفر، وعلى الدابة، وحيث توجهت به راحلته، ويدل على جواز القعود في الوتر ولو كان المصلي قادراً على القيام، وأما صلاة الوتر في الحضر فيشهد له أحاديث عدة، منها حديث عائشة رضي الله عنها الآتي، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم  يُصَلِّي، وَأَنَا رَاقِدَةٌ مُعْتَرِضَةً عَلَى فِرَاشِهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْتُ. (متفق عليه).

     حكم صلاة الوتر: ذهب جمهور أهل العلم إلى أن صلاة الوتر سنة مؤكدة، وأنه ليس بواجب؛ بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم  للأعرابي لما سأله: ماذا فرض الله عليَّ من الصلاة؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ». فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: «لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» (متفق عليه)؛ وغيره من الأدلة.

     قال ابن عبد البر - رحمه الله - في «التمهيد» (24/139): والدلالة على أن الوتر سنة قوله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} (البقرة: 238)، فلو كانت الوتر واجبة لكانت ستاً، والست لا تصح أن يكون لها وسطى، فعلم أنها خمس أهـ، وقال الطبري (كما في شرح البخاري لابن بطال 2/580-581): الصواب قول من جعله سنة، لإجماع الجميع أن عدة الصلوات المفروضات خمس، فلو كان الوتر فرضًا لكانت ستًا... أهـ.

ومع أن الوتر سنة مؤكدة عند جمهور العلماء – خلافاً لأبي حنيفة -، فإن بعض أهل العلم ذم تاركه عمداً. قال الإمام أحمد – رحمه الله تعالى -: من ترك الوتر عمداً فهو رجل سوء، ولا ينبغي أن تُقبل له شهادةٌ.

وقت الوتر: قال ابن المنذر في كتاب «الإجماع» (ص41): وأجمعوا على أن ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر وقت للوتر أهـ.

     أفضل أوقات الوتر: الوتر جائز في الليل كله، وهو في الثلث الأخير أفضل، لأنه الوقت الذي انتهى إليه وتر النبي صلى الله عليه وسلم  قبل موته؛ لحديث عَائِشَةَ قَالَتْ: مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَأَوْسَطِهِ، وَآخِرِهِ، فَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ. (متفق عليه).

     غير أنه يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال: فيستحب تقديمه أول الليل لمن خشي أن لا يستيقظ آخره، ويستحب تأخيره آخر الليل لمن قوي ووثق بنفسه أن يقوم آخره، أو كان له تهجد؛ وذلك لحديث جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ خَافَ أَنْ لاَ يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ، فَإِنَّ صَلاَةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ» (رواه مسلم)؛ ولغيره من الأحاديث.

استحباب جعل الوتر آخر صلاة الليل: المستفيض من سنته صلى الله عليه وسلم  قولاً عنه، وفعلاً منه: تأخير الوتر حتى تكون آخر صلاةٍ تُصَلَّى في الليل.

أما الفعل: فلحديث عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، حَتَّى يَكُونَ آخِرَ صَلاَتِهِ الْوِتْرُ. (رواه مسلم).

     وأما القول: فلحديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى» (متفق عليه)، ولقول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا» (متفق عليه).

نقض الوتر: مثاله: رجل يصلي خلف الإمام، فلما صلى الوتر، قام وأتى بركعة أخرى، فشفع وتره، وقَصْدُه من ذلك: أنه يطمع في مزيد من الصلاة في الليل، ويريد أن يجعل وتره في آخر صلاة الليل.

     والصحيح: أنه لا يفعل ذلك، بل يصلي وتره مع إمامه، وإن قدر وقام للتهجد، فلا يعيد الوتر، لأنه: «لاَ وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ»، قال النووي في «المجموع شرح المهذب» (4/20): إذا أوتر قبل أن ينام، ثم قام وتهجد، لم ينقض الوتر على الصحيح المشهور، وبه قطع الجمهور؛ بل يتهجد بما تيسر له شفعاً. أهـ.

عدد ركعات الوتر: أقل الوتر: ركعة، بلا خلاف؛ وأكثره: إحدى عشرة ركعة. وأدنى كماله: ثلاث ركعات - عند الشافعية والحنابلة -؛ وأكمل من الثلاث: خمس، ثم سبع، ثم تسع، ثم إحدى عشرة وهي أكمل الوتر.

     وإذا صلى ثلاث ركعات إن شاء صلاها سرداً، لا يقعد إلا في آخرهن، فيتشهد ويسلم، وإن شاء صلى ركعتين بقعود وتشهد وسلام، ثم يقوم فيكبر للثالثة ويسلم لها، والطريقة الأخيرة أفضل من الأولى، لأنها الطريقة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم  بها أمته في قوله: «مَثْنَى مَثْنَى». وجاء تفسير ذلك في رواية مسلم بلفظ: «يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ». وأما الإيتار بثلاث بتشهدين كصلاة المغرب لم يأت فيه حديث صحيح صريح.

     القراءة في الوتر: يستحب لمن أوتر بثلاث أن يقرأ بعد الفاتحة في الأولى: (ِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)، وفي الثانية: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)، وفي الثالثة: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)؛ لحديث أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  يَقْرَأُ فِي الْوَتْرِ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. فَإِذَا سَلَّمَ قَالَ: «سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.(رواه أحمد، وأبو داوود، وغيرهما بسند صحيح).

القنوت في الوتر: ذهب جمهور الفقهاء إلى مشروعية القنوت في صلاة الوتر في الركعة الآخرة منه. واختلفوا: هل هو في رمضان خاصة؟ أم في العشر الأواخر منه؟ أم في جميع السنة؟

     والصحيح: أنه في جميع السنة، وقواه النووي في «المجموع» (4/21) من حيث الدليل؛ لحديث الْحَسَن بْن عَلِيِّ رضي الله عنهما قال: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ: «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلاَ يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ» (رواه أحمد، وأبو داوود، والنسائي، بسند حسن).

موضع القنوت في الوتر: القنوت في الوتر جائز قبل الركوع وبعده، فقد ورد عن الصحابة رضي الله عنهم الأمران، فمن رآه قبل الركوع فلا جناح عليه، ومن رآه بعد الركوع فلا جناح عليه.

قال ابن عثيمين – رحمه الله تعالى – في «الشرح الممتع» (4/47): أكثر الأحاديث والذي عليه أكثر أهل العلم أن القنوت بعد الركوع، وإن قنت قبل الركوع فلا حرج. أهـ.

رفع اليدين في القنوت، ومسح الوجه بهما، وما يجب اجتنابه في الدعاء: يسن له رفع يديه إلى صدره حال القنوت، ويبسطهما وبطونهما نحو السماء.

قال ابن عثيمين في «الشرح الممتع» (4/18): وظاهر كلام أهل العلم: أنه يضم اليدين بعضهما إلى بعض، كحال المُستجدي الذي يطلب من غيره أن يعطيه شيئاً؛ وأما التفريج والمباعدة بينهما فلا أعلم له أصلاً، لا في السنة، ولا في كلام العلماء. أهـ.

وإذا فرغ من الدعاء أرسل يديه، ولا يمسح بهما وجهه ولا صدره، لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم . وكل ما جاء في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم  فليس بثابت عنه. انظر: «فتاوى ابن تيمية» (22/519)، و«الشرح الممتع» (4/40).

     ومما ينبغي اجتنابه في قنوت الوتر: التلحين، والتطريب، والتغني، والتقعر، والتمطيط في أداء الدعاء، فإنه منكر عظيم، ينافي الضراعة، والابتهال، والعبودية، وداعيةٌ للرياء، والإعجاب، وتكثير جمع المعجبين به. وقد أنكر أهل العلم على من يفعل ذلك في القديم والحديث.

فعلى من وفقه الله تعالى وصار إماماً للناس في الصلوات، وقنت في الوتر، أن يجتهد في تصحيح النية، وأن يُلقي الدعاء بصوته المعتاد، بضراعة وابتهال، متخلصاً مما ذُكر، مجتنباً هذه التكلفات الصارفة لقلبه عن التعلق بربه.

     ويجتنب الداعي قصد السجع في الدعاء، والبحث عن غرائب الأدعية المسجوعة على حرف واحد. وقد ثبت في صحيح البخاري عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال له: «فَانْظُرْ السَّجْعَ مِنْ الدُّعَاءِ فَاجْتَنِبْهُ فَإِنِّي عَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  وَأَصْحَابَهُ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ، يَعْنِي لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ الِاجْتِنَابَ».

ولا يرد على ذلك ما جاء في بعض الأدعية النبوية من ألفاظ متوالية، فهي غير مقصودة، ولا متكلفة، ولهذا فهي في غاية الانسجام.

ويجتنب الداعي التطويل بما يشق على المأمومين، فيحصل من المشقة، واستنكار القلوب، وفتور المأمومين، مما يؤدي إلى خطر عظيم، يُخشى على الإمام أن يلحقه منه إثم. (دعاء القنوت، للشيخ العلامة بكر أبو زيد بتصرف ).

ما يقال بعد الوتر: مضى في حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال: فَإِذَا سَلَّمَ قَالَ: «سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَيَمُدُّ بِالثَّالِثَةِ صَوْتَهُ.

     قضاء الوتر: من فاته الوتر لنومٍ أو نسيانٍ جاز له قضاؤه إذا ذكره، ولو بعد طلوع الشمس؛ لحديث أَبِى سَعِيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ نَامَ عَنْ وِتْرِهِ، أَوْ نَسِيَهُ، فَلْيُصَلِّهِ إِذَا ذَكَرَهُ» (رواه أبو داوود وغيره بسندٍ صحيحٍ). ولغيره من عمومات قضاء الفوائت.

ومن قضى وتره في النهار فإنه يشفعه بركعة أخرى، لأنه لا وتر في النهار، لحديث عائشة رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  كَانَ إِذَا فَاتَتْهُ الصَّلاَةُ مِنَ اللَّيْلِ، مِنْ وَجَعٍ أَوْ غَيْرِهِ، صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَي عَشْرَةَ رَكْعَةً. (رواه مسلم).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك