رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 28 مارس، 2016 0 تعليق

صفقة يهود اليمن والحلم الصهيوني الذي لم يتحقق

يعتمد الكيان الغاصب على الهجرة اليهودية لزيادة عددهم في فلسطين لدعم القدرة العسكرية التي من شأنها المحافظة على ديمومة الاحتلال

المشروع الصهيوني بنى على أساس هجرة اليهود من أنحاء العالم إلى فلسطين، وعلى تشريد الفلسطينيين وانتزاع ممتلكاتهم وأراضيهم

الوكالة اليهودية التي تعمل لهجرة اليهود وتوطينهم في أرض فلسطين المحتلة، نفذت خلال الأيام الماضية عملية سرية معقدة لنقل 19 يهوديا يمنيا إلى الكيان الصهيوني الغاصب، وتعد تلك المجموعة من أواخر اليهود المتبقين في اليمن الذين لهم رغبة في الانتقال إلى الكيان اليهودي.

     وهؤلاء الذين تم نقلهم موزعون في اليمن على النحو التالي : 14 منهم من ريدة (بمحافظة عمران) وأسرة من خمسة أشخاص من صنعاء، وكان من بين المجموعة حاخام البلدة، الذي جلب معه مخطوطة -زعم- أنها توراتية ويرجع عمرها إلى ما بين 500 و600 عام!، وقال ناتان شارانكسي المدير التنفيذي للوكالة اليهودية: إن وصول المهاجرين اليهود من اليمن «لحظة مهمة للغاية في تاريخ إسرائيل».

صفقة مشبوهة

     واللافت للنظر أن اليهود غادروا الأراضي اليمنية عبر صفقة أبرمتها جماعة الحوثي مع الكيان الصهيوني بوساطة أمريكية، وقالت بعض المصادر: إن جماعة الحوثي سمحت للمجموعة الأخيرة من يهود اليمن بمغادرة مقر إقامتهم في صنعاء إلى الكيان الصهيوني عبر أراضي دولة مجاورة , وذلك بعد صفقة بين الحوثيين والكيان الصهيوني، وأضافت أن المجموعة غادرت عبر مطار صنعاء الدولي الخاضع لسيطرة الحوثيين، وأن طائرة وصلت لنقلهم، وقد التقوا فور وصولهم إلى الكيان المحتل (بنيامين نتنياهو) رئيس وزراء الكيان الغاصب، ويسيطر الحوثيون على كل من العاصمة صنعاء وريدة، والشعار الذي ترفعه الحركة الحوثية هو «الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام»!.

يهود باقون

وما زال نحو 50 يهوديا اختاروا البقاء في اليمن، من بينهم نحو 40 في صنعاء؛ حيث يعيشون في مجمع مغلق بالقرب من السفارة الأمريكية، والمطلوب الآن من الحوثيين الاجتهاد لترحيلهم إلى ذلك الكيان الغاصب.

وحسب قول الوكالة اليهودية: إن أكثر من 51 ألف يهودي هاجروا إلى فلسطين منذ عام 1948. وفي السنوات الأخيرة غادر نحو 200 يهودي اليمن مع تزايد الهجمات على اليهود بعد اندلاع الحرب في البلاد.

خطورة مصطلح (الهجرة اليهودية)

     ما يطلق عليه اليهود هجرة إنما هو في الحقيقة استعمار إحلالي، بمعنى: انتقال كتلة بشرية من مكانها إلى مكان آخر، وطرد السكان الأصليين، ويعتمد الكيان الغاصب إلى الآن على الهجرة اليهودية لزيادة عددهم في فلسطين لدعم القدرة العسكرية التي من شأنها المحافظة على ديمومة الاحتلال، والأصح أنهم محتلون مغتصبون؛ وفي إطلاق مُسمى (مهاجرون) عليهم إبعادٌ لصفة الاغتصاب والاحتلال لأرض فلسطين وإعطاؤهم شرعية إقامة المستعمرات، وغصب الأراضي، وتوجيه السلاح لحماية ممتلكاتهم المزعومة، فهم مستعمرون جاؤوا إلى فلسطين في سياق الممارسات الصهيونية لاحتلال أرض فلسطين وتفريغها من سكانها العرب الأصليين والعبث في التوزيع الديمغرافي فيها. 

الانتقال إلى المجهول

يسمح (قانون العودة) الصهيوني لأي شخص يهودي أو متزوج من يهودية أو إذا كان أحد أبويه أو جديه من اليهود بمنحه حق المواطنة في أرض فلسطين؛ كما يمنح الجنسية الإسرائيلية!

     وما يزال مصدر المعلومات فيما يتعلق بأعداد اليهود القادمين إلى فلسطين والمغادرين منها مقتصرا على المؤسسات اليهودية المعنية بهذا الشأن، وفي مقدمتها الوكالة اليهودية، باعتبار الهجرة اليهودية والهجرة المعاكسة مسألتين أمنيتين - استراتيجيتين، ولا تسمح تلك المؤسسات إلا بنشر المعطيات والأرقام العامة والإجمالية في هذا المجال، بعيدا عن التفاصيل الكمية والوصفية التي تعدها ذات مضمون أمني – استراتيجي، فتلك الإحصاءات صادرة من مراكز يهودية، والإحصاءات تقريبية في بعض جوانبها، ولعل بعضها مبالغ فيه لأهداف يكنها اليهود في أنفسهم، وتخدم كيانهم الغاصب، وتتصل تلك الإحصاءات كذلك بعدد اليهود داخل فلسطين وخارجها في الماضي والحاضر، وتوزيعهم حول العالم؛ ولهذا تبقى تلك الإحصاءات والأرقام مجال بحث وتثبت، ولا تبنى عليها ثوابت وحقائق؛ والتصريحات بهذا الشأن – كما ذكرنا - لا تأتي من فراغ، بل تحقق أهدافاً يهودية قادمة.

تناقص عدد اليهود في العالم

من الظواهر الواضحة وفق إحصاءات اليهود أنفسهم تناقص عدد اليهود في العالم بطريقة ملفتة للنظر؛ حيث جاء في موسوعة اليهود واليهودية: «إن المختصين يتوقعون انخفاض تعداد يهود العالم ما بين خمسة أو ستة ملايين في عام 2025م!».

     وقد طرحت في الغرب بعض العبارات والتوقعات التي تشير إلى تناقص عدد اليهود عالميا  مثل عبارات (موت الشعب اليهودي) و(الإبادة الصامتة) التي تشير إلى ارتفاع معدلات اندماج اليهود في المجتمع الأمريكي وكذلك تزايد الزواج المختلط بنسب عالية؛ أي زواج اليهودي من غير اليهودية، واليهودية من غير اليهودي؛ حيث تصل في الولايات المتحدة إلى 60%، وفي بعض الدول مثل روسيا وأوكرانيا قد تصل إلى 80 %.

     وقد حذرت محافل (الكونغرس اليهودي العالمي) من احتمالات تناقص أعداد اليهود المقيمين في دول العالم – باستثناء اليهود في فلسطين – خلال الثلاثين عاما القادمة إلى قرابة نصف عددهم الحالي المقدر بأكثر من 8.5 مليون نسمة، إذا استمر اندماجهم وذوبانهم في المجتمعات التي يعيشون فيها، ويعزو خبراء معهد الكونغرس اليهودي العالمي هذا التناقص إلى عامل الزواج المختلط بين اليهود وغيرهم في مجتمعات الدول التي تعيش الأقليات اليهودية وسطها.

هل سينقرض اليهود؟!

     مع هذا التخوف من تناقص عدد اليهود وفق الإحصاءات المختصة في تعداد يهود العالم، إلا أن انقراض اليهود يعّد من التوقعات الغيبية التي لا يبنى عليها ولا تؤخذ بعين الاعتبار إلا إذا صدرت عن وحي إلهي، ولدينا الخبر الصحيح الثابت في شرعنا  الإسلامي بأن الوجود اليهودي سيستمر إلى آخر الزمان ولن ينقرض اليهود، إنهم سيبقون يعادون المسلمين ويقاتلونهم حتى آخر الزمان،  روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود»، وجاء أيضاً في صحيح مسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله[ قال: «يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة».

حرب ديمغرافية

     يعد قادة الاحتلال العامل الديمغرافي الأهم وجزءًا من الأمن القومي للكيان (لدولة إسرائيل)؛ لذا يخشى الكيان اليهودي من خسارة (الحرب) الديمغرافية؛ بسبب ارتفاع معدلات الزيادة الطبيعية بين الفلسطينيين وانخفاضها لدى اليهود، مع تراجع معدلات الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وتزايد التزاوج المختلط في المجتمعات اليهودية في الدول الغربية؛ فالصراع الديمغرافي هو صراع وجود على هذه الأرض المباركة.

     وتؤكد الإحصاءات تراجع نسب الهجرة إلى الكيان العبري؛ حيث قدم إليها عام 2002 حوالي 33 ألفاً و500 يهودي، مقابل 44 ألفا في العام 2001، وحوالي 60 ألف يهودي في العام 2000م، وتمثلت ذروة الهجرة اليهودية بقدوم200 ألف شخص في العام 1990، و 176 ألفاً في العام 1991، ثم تأرجح العدد حول 60 ألفاً في الأعوام 1997 – 2000، ويقدر المختصون نسبة الهجرة العكسية بـ30% من إجمالي القادمين من الخارج. 

أرض أكثر وعرب أقل

     تركز الهدف الصهيوني الأساس  لإقامة (الدولة اليهودية) في أرض فلسطين على سرقة أكبر مساحة من الأرض واستجلاب أكثر عدد من اليهود، والعمل بالتالي على تغيير التوازن الديمغرافي في فلسطين لصالح اليهود وزيادة قوتهم البشرية والعسكرية والاقتصادية؛ تمهيدا للحظة الحسم العسكري الذي سيقرر نهائيا نجاح الحركة الصهيونية أو فشلها في إقامة «دولتها» وتوفير مقومات الحياة لاستمراريتها.   

     وفي الوقت الذي تشكل (الهجرة) الصهيونية إلى فلسطين قاسما مشتركا لكافة الأحزاب والمؤسسات الصهيونية، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، فإن (الهجرة) العكسية تشكل ضربة قاصمة لأهم أسس الصهيونية، وتعاظمها يعني تعميق التشكيك اليهودي بجدوى استمرار المشروع الصهيوني المتجسد بالدولة اليهودية التي تشكل (الهجرة) اليهودية إليها عمودها الفقري؛ لذا تساءل أبراهام بورغ رئيس (الكنيست) والوكالة اليهودية الأسبق: «مَن مِن الإسرائيليين واثق بأن أولادهم سيعيشون هنا؟ 50% منهم في أحسن الأحوال، أي أن النخبة الإسرائيلية أصبحت منفصلة عن هذا المكان».

     وفي السابق وعد شارون – رئيس الوزراء اليهودي السابق - خلال حملته الانتخابية بجلب ثلاثة ملايين مهاجر إلى الدولة العبرية في غضون عشر سنوات، فجاءت الأحداث لتثبت أن أعوامه في السلطة كانت الأسوأ على صعيد أرقام الهجرة، إلى جانب ظاهرتها الأخرى المثيرة والمتمثلة في الهجرة العكسية وتصاعد طموحات الشباب اليهودي للهجرة من الدولة، واعتراف 70% من اليهود في فلسطين بأنهم لا يرون مستقبلاً لأبنائهم في الدولة العبرية.

حلم لن يتحقق

- وفي الختام نقول: إن المشروع الصهيوني بنى فكرته على أساس هجرة اليهود من أنحاء العالم إلى فلسطين، وعلى تشريد الفلسطينيين وانتزاع ممتلكاتهم وأراضيهم،  وتدفُق ملايين اليهود إلى (أرض الميعاد)؛ وهذا حلم لم يتحقق للقادة الصهاينة، فلا العرب اختفوا ولا اليهود تدفَّقوا؛ فالدولة التي تم تأسيسها بزعم إنقاذ يهود العالم من ذئاب الأغيار وجدت أن عليها أن تطارد اليهود بلا هوادة لإنقاذهم. والكيان الذي يستجدي المال والبشر لن يدوم؛ ولهذا سيستمر في إطلاق الصيحات تلو الصرخات لإنقاذهم وعدم التخلي عنهم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك