صفحات مطوية من القضية الفلسطينية قبل قيام دولة إسرائيل (32) (حرب 1948م): نموذج للتخاذل العربي وخيانة المستعمر
استطاع اليهود الصهاينة في الأسابيع القليلة السابقة على انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وعن طريق القوة العسكرية في مواجهة الفلسطينيين العُزَّل - السيطرة على المناطق المقررة للدولة اليهودية، وعلى المحاور الرئيسة في المناطق المقررة للدولة العربية، وبسط نفوذها على أكثر فلسطين.
وبدؤوا سرًّا في مطالبة بريطانيا بالانسحاب من فلسطين، وبدأت القوات البريطانية في الانسحاب من مواقع لها مع تمكين اليهود منها، فكان الاستيلاء على ميناء (حيفا) ومطار (اللد) ومداخل العديد من المدن والكباري والمناطق الاستراتيجية، والمرافق الحيوية ومستودعات الأسلحة.
انتهاء الانتداب
وفي يوم 15-5-1948م غادر المندوب السامي البريطاني ميناء (حيفا) بعد ترك الميناء لليهود، وبعد الإعلان عن انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين؛فأعلن (بن جوريون) رئيس الوكالة اليهودية قيام دولة إسرائيل على المساحات الخاضعة لسيطرة العصابات اليهودية، وتعيين (حاييم وايزمان) رئيسًا لها، وبعد 11 دقيقة من هذا الإعلان أعلن الرئيس الأمريكي (هاري ترومان) اعتراف أمريكا بدولة إسرائيل، و سارع الاتحاد السوفيتي بالاعتراف بدولة إسرائيل وحكومتها، كما أعلنت فرنسا اعترافها بدولة إسرائيل.
قيام دولة اليهود
وبانتهاء الانتداب البريطاني، والإعلان عن قيام دولة إسرائيل؛ قررت حكومات دول الجامعة العربية دخول القوات العربية فلسطين للدفاع عن الفلسطينيين في مواجهة الأطماع الصهيونية، ونشبت الحرب بين الجيوش العربية القادمة من المملكة المصرية ومملكة الأردن ومملكة العراق وسوريا ولبنان والمملكة العربية السعودية والميليشيات الصهيونية المسلحة في فلسطين.
دخول الجيش المصري
دخل الجيش المصري حدود فلسطين مِن الجنوب فاستولى على غزة، وبئر سبع، ودمر الكثير من المستعمرات اليهودية، ووصلت قواته إلى أشدود والمجدل، وعبر الجيش الأردني نهر الأردن ومعه قوات عراقية وسعودية فاستولى على القدس القديمة، وتقدمت هذه القوات حتى كادت تلحق بالقوات المصرية عند تل أبيب، ودخلت القوات السورية عبر الجولان إلى فلسطين؛ فاستولت على منطقة (مشمار هايرون)، كما حررت القوات النظامية اللبنانية قريتين على الحدود اللبنانية.
بدايات المعارك
وقد شهدت بدايات المعارك انتصارات كبيرة للقوات العربية، رغم ما كانت عليه العصابات الصهيونية من عتاد واستعداد لحرب كانت تتوقعها.
ولإنقاذ هذه العصابات الصهيونية من الهزيمة المتوقعة سارعت الدول الغربية بالتدخل، وفرضت الهدنة الأولى على الطرفين العربي واليهودي، تضمنت حظر تزويد أي من الطرفين المتحاربين بالسلاح، والسعي للتسوية السلمية، وبالطبع التزمت الأطراف العربية بالهدنة المفروضة عليها، والتزمت بشروطها، بينما انتهزت العصابات الصهيونية الهدنة لإعادة تجميع صفوفها، وتزويد قواتها بالسلاح والمتطوعين؛ استعدادًا لجولة قادمة لا محالة، وعند استئناف القتال مِن جديد تعرضت القوات العربية لهزائم أعقبها إعلان هدنة ثانية، ثم ثالثة دائمة إيذانًا بانتهاء الحرب بيْن الجيوش العربية والقوات الصهيونية!
الهدنة الأولى:
سارعت حكومة إسرائيل إلى مجلس الأمن تطلب حمايتها من خطر العرب، وفي 22-5-1948م عقدت جلسة طارئة لمجلس الأمن بفضل الجهود الأمريكية، وتقرر 29-5-1948م عقد هدنة، وتكليف (الكونت برنادوت) بالنظر في النزاع القائم بين العرب واليهود، ودخلت الهدنة المفروضة التنفيذ الفعلي من كل الأطراف في 11-6-1948م، وقد استغل اليهود هذه الهدنة الدولية في إعادة تنظيم القوات الصهيونية وتسليحها لمواصلة القتال، بل تسلمت هذه القوات طائرات متطورة من إنجلترا وألمانيا قادها أمريكان يهود.
الهدنة الثانية:
ومع فشل (الكونت برنادوت) في إيجاد حل للمشكلة باقتراحات مقبولة؛ استؤنف القتال من جديد في 9-7-1948م، ونتيجة لانسحاب القوات الأردنية من منطقة (اللد) و(الرملة) التي كانت تسيطر عليها، وانسحاب القوات العراقية المشاركة معها من مدينة (رأس العين)، بدأت كفة ميزان القوى تميل لصالح اليهود الذين نجحوا في الالتفاف حول الجيش السوري والجيش اللبناني؛ مما ترتب عليه تدهور الموقف العربي في القتال.
وقرر مجلس الأمن بناءً على طلب (الكونت برنادوت) وقف القتال، وقبلت الجامعة العربية إعلان الهدنة في 19-7-1948م إنقاذًا للموقف.
التحرك اليهودي:
استغلت العصابات الصهيونية الهدنة الجديدة في توسع جديد، فتقدمت القوات اليهودية إلى اللد، والرملة، وبئر سبع، ومنها إلى صحراء النقب فميناء أم الرشراش (ميناء إيلات حاليًا)، وقد ترتب على سقوط صحراء النقب أن انقطع الاتصال بين الجيوش العربية؛ مما مكَّن القوات اليهودية مِن الالتفاف حول الجيش المصري وحصاره في الفالوجا لمدة 130 يومًا مِن أكتوبر 1948م حتى 24 فبراير 1949م.
وقد استغل اليهود هذه الفترة في طرد الفلسطينيين من أراضيهم فقاموا بمذبحة في مدينة (اللد) يوم 27-7-1948م، قتل فيها 250 فلسطينيًّا غير الجرحى، تلتها مذبحة أخرى فيها قتل فيها أكثر من 350 فلسطينيًّا، وتم طرد الأهالي من المدينة وإحلال يهود مكانهم.
وفي 30-10-1948م اقتحم (موشى ديان) بكتيبته قرية (الدواجة) وذبح 96 فلسطينيًّا، وفي نفس اليوم وقعت مذبحة أخرى في (عيلبون)، وتوالت المذابح البشعة ضد الفلسطينيين.
الهدنة الدائمة
في 16-9-1948م وضع (الكونت برنادوت) تقريره الذي رفضه اليهود، وقام بعض أعضاء عصابة شتيرن الصهيونية باغتيال (برنادوت) في القدس في 17-9-1948م، كما خرقت القوات اليهودية الهدنة الثانية بشن هجومٍ على مركز القوات المصرية في 14-10-1948م؛ لإجلائها عن صحراء النقب، فقام مجلس الأمن بتعيين (المستر بانش) الأمريكي وسيطًا دوليًّا خلفًا (للكونت برنادوت)، وصدر قرار من مجلس الأمن بوقف القتال في 19-10-1948م، ثم صدر قرار في 4-11-1948م بسحب قوات الطرفين إلى مواقعهما قبل استئناف القتال.
معارك رودس
ومع الدخول في مفاوضات بين الطرفين: المصري واليهودي في جزيرة (رودس)؛ تم في 24-2-1949م عقد اتفاقية بين مصر واليهود تقضي بهدنة دائمة بين الطرفين، وعودة الجنود المصريين بسلاحهم إلى وطنهم، وبقاء الوضع على ما هو عليه؛ فبقيت صحراء النقب بأكملها، ومدينة بئر سبع تحت السيطرة اليهودية، وتم الاتفاق على وضع قطاع (غزة) تحت الحكم المصري، ثم عقدت اتفاقية مماثلة مع لبنان في 23-3-1949م، أعقبتها اتفاقية مع الأردن في أبريل 1949م عدت شاملة أيضًا للمنطقة التي تشغلها القوات العراقية، تلتها اتفاقية مع سوريا في 20-7-1949م! «أي عادت الجيوش العربية مِن حيث أتت، وسقطت فلسطين، وقامت دولة إسرائيل».
لاتوجد تعليقات