رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. ناظم المسباح 2 مايو، 2018 0 تعليق

صفة الحب من أعظم الصفات التي قام عليها الدين

 

 

 

صفة الحب ثابتة لله -تعالى-، في نصوص كثيرة من كتاب الله وسنة النبي-صلى الله عليه وسلم -، أخبرنا فيها -سبحانه-، بأنه يحب أفعالا معينة، وأقوالا معينة، ويحب بعضا من خلقه، قال -تعالى-: {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (آل عمران:76)؛ فالله -عز وجل- يعرفنا على نفسه، ويثبت له هذه الصفة {فإن الله يحب المتقين}، والفائدة المرجو تحقيقها في المكلف، هي أن يسعى لتحقيق صفة التقوى فيه، حتى ينال محبة الله -تعالى.

وقال -تعالى-: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (آل عمران:134)، الآية فيها إثبات صفة الحب لله -تعالى- {والله يحب} والفائدة التي تعود على المكلف هي أن يكون من المحسنين.

قال -تعالى-: {وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} (آل عمران:146) في الآية إثبات الصفة كذلك، والفائدة أن يتخلق المكلف بصفة الصبر، لأن الله يحب من تخلق بها.

قال -تعالى-: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} في الآية كذلك إثبات الصفة لله -تعالى-، والفائدة منها أن يكون العبد من المتوكلين على ربهم -تبارك وتعالى.

قال -تعالى- {إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (المائدة:42)، كذلك في الآية إثبات الصفة لله -تعالى-، والفائدة منها أن يكون المكلف من الذين يعدلون بقولهم، وفعلهم وحكمهم وتعاملهم مع أهلهم والناس.

وقال -تعالى-: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} (التوبة:108)، الآية فيها كذلك إثبات الصفة، وفيها الحث على أن يكون العبد من المتطهرين ظاهرا وباطنا لله رب العالمين.

وقال -تعالى-: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه..} (المائدة: 54)، فيه دليل على أن الله يجب بعضا من خلقه؛ وذلك لاتصافهم بصفات معينة، والفائدة من ذلك حتى تتصف بما اتصف به هؤلاء، الذين أحبهم الله -تعالى-، وكذلك أن نوافق الله فنحب ما يحب، فالله يحب الموحدين، فنحب الموحدين؛ لأن الله يحبهم.

إلى غيرها من النصوص الكثيرة التي يثبت الله فيها هذه الصفة لنفسه.

الأقوال والأفعال

     كما أخبرنا -سبحانه- بأنه لا يحب أقوالا وأفعالا معينة، كما لا يحب بعضا من خلقه لاتصافهم بصفات معينة، والفائدة من ذلك حتى نبادر إلى التخلص من هذه الصفات والابتعاد عنها، كما يجب علينا أن نبادر إلى بغض الذين لا يحبهم الله -تعالى-، وبهذا نوافق مولانا فيما يحب، وما لا يحب، وبهذا نفوز برضاه، وإليك بعضا من هذه النصوص، التي تدل على ذلك.

1- عدم محبة الله للمعتدين؛ فعلى العبد أن يبتعد عن الاعتداء كما عليه أن يبغض المعتدين في الله، قال -تعالى-: {ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين}.

2- عدم محبة الله للفساد؛ فعلى الذي يدعي الإيمان والطاعة ألا يناقض ربه في ذلك فيحب الفساد والمفسدين قال -تعالى-: {والله لا يحب الفساد}.

3- عدم محبة الله للكافرين؛ فهل يليق بعبدالله الذي أعلن عبوديته لله أمام الناس، أن يحب الكفار من يهود ونصارى، ويواليهم ضد الإسلام والمسلمين؟ وينفذ ما يريدونه في بلاد المسلمين؟ قال -تعالى-: {فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين}.

4- عدم محبة الله -تعالى- للظالمين، قال -تعالى-: {والله لا يحب الظالمين}؛ فيجب على العبد أن يبتعد عن الظلم بأنواعه كلها، كما يجب عليه بغض الظالمين في الله.

إلى غيرها من النصوص الكثيرة، التي يبنغي للعبد أن يتتبعها، ويتأملها ويعمل بمقتضاها، حتى يحقق عبوديته لله رب العالمين وبهذا يفلح في الدارين.

كيف نؤمن بصفة الحب لله -تعالى؟

الحب: نقيض البغض، والحب: الوداد والمحبة.

والحب معروف لدى الناس؛ فما من إنسان إلا ويشعر به لمحبوب ما، كما يشاهد آثارها على الناس؛ فمن أحب شيئا أكثر من ذكره، وقرب منه، وتودد له وأما من حيث كيف نؤمن بهذه الصفة في حق الله تبارك وتعالى؟ فيجب علينا أن نسلك مسلك سلف الأمة -رضوان الله عليهم جميعا- وهو كالآتي:

الإثبات

1- إثبات الصفة لله؛ لأنها ثابتة في كثير من النصوص كما تليق بجلاله -سبحانه وتعالى.

التنزيه

2- تنزيه الله -تعالى- من أن يشبه صفات أحد من خلقه، قال -تعالى-: {ليس كمثله شيء}، وقال: {فلا تضربوا لله الأمثال}، وقال: {ولم يكن له كفوا أحد} ومن شبه الملك العلام بأحد من خلقه كفر.

عدم التأويل

3- عدم تأويل الصفة، كما قال الحليمي في بيان المراد باسم الله الودود قال: هو الواد لأهل طاعته، أي الراضي عنهم بأعمالهم، والمحسن إليهم لأجلها، والمادح لهم بها. أ.هـ، وهذا تأويل مخالف لمنهج السلف؛ لأن الحب غير الرضى والإحسان والمدح، كما قال الغزالي: «وده إرادته الكرامة والنعمة وإحسانه وإنعامه، وهو منزه عن ميل المودة».

وكما قال الرازي: «ومعنى قولنا: إنه يحب عبيده أي يريد إيصال الخيرات لهم؛ فهذه تأويلات مخالفة لمنهج سلف الأمة؛ فالخير باتباعهم -رضي الله عنهم وأرضاهم-: والخلاصة أن المسلم يصف ربه بما وصف به نفسه أو بما وصفه رسوله -صلى الله عليه وسلم - وهو أعلم الناس بالله- ولا يؤول الصفة أو يعطلها أو يشبه الله بأحد من خلقه وبهذا النجاة. والله أعلم.

محبة الله -تعالى- هي أصل الدين

     من أوجب الواجبات على العبد أن يحب ربه تبارك وتعالى، وذلك أن دواعي محبته كثيرة لا تعد ولا تحصى؛ فإذا كان الإنسان يحب أمه وذلك أن هناك دواعيا لمحبتها، فهي التي تسببت في إيجاده، وهي التي تشفق عليه، وتفرح لفرحه وتحزن لحزنه، فكيف لا يحب العبد ربه؟ ودواعي محبته أكبر من ذلك بكثير، هو -سبحانه وتعالى- أرحم بنا من أمهاتنا، عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه - «قدم على النبي -صلى الله عليه وسلم- سبي فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها تسقي إذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته؛ فقال لنا النبي -صلى الله عليه وسلم -: أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ قلنا: لا وهي تقدر على ألا تطرحه؛ فقال: الله أرحم بعباده من هذه بولدها».

محاسبة النفس

على العبد أن يحاسب نفسه أين هو من محبة هذا الإله العظيم؟ ألا يشعر أحدنا بمحبة والديه وزوجته وأبنائه؟ ألا يشعر بمحبته لطعام أو شراب معين؟ فهل يشعر أحدنا بمحبة الله -تعالى؟ ونحن مطالبون بألا نسوي محبته بمحبة غيره.

محبة عبودية

     يجب أن تكون محبة الله محبة عبودية، مستلزمة للذل والخضوع والتعظيم، وكمال الطاعة، وإيثار الله على غيره -سبحانه وتعالى- وهذا النوع من المحبة لا يجوز أن يكون إلا لله -تبارك وتعالى-؛ فمن صرف هذه المحبة لغير الله -عز وجل- وقع في الشرك الأكبر الذي نهى الله عنه عباده، قال -تعالى-: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله}، قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: يذكر -تعالى- حال المشركين به في الدنيا وما لهم في الدار الآخرة؛ حيث جعلوا أندادا، أي: أمثالا ونظراء يعبدونهم معه ويحبونهم كحبه، وهو الله لا إله إلا هو، ولا ضد له ولا ند له، ولا شرك معه، في الصحيحين عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه - قال: «قلت يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك».

     ويظن بعض الناس أن الآية السابقة لا واقع لها في حياة بعض المسلمين الآن؛ لأنه لا يراهم يعبدون اللات والعزى ولا هبل ولا....، وهذا خطأ عظيم، فالآلهة التي تحب كحب الله -بل عند بعضهم أكثر من حب الله- موجودة في واقع المسلمين؛ فالدنيا وشهواتها آلهة تعبد من دون الله، تصرف لها المحبة التي لا ينبغي صرفها إلا لله، فأصبح أحدهم يحب من أجل الدنيا، ويبغض من أجلها، وينافق ولا يبالي فيمن جمعها من أي السبل، سواء من الربا أم الكذب أم الغش أم بيع ما حرم الله من خمور وغيرها، ومن استغلال للنساء الساقطات في جمعها؛ لذلك سماهم -صلى الله عليه وسلم- بعباد الدنيا والقطيفة والخميصة وذلك أنهم أحبوها حب عبادة قال -صلى الله عليه وسلم-: «تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة؛ إن أعطي رضي، وإن لم يعط لم يرض».

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك