رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. أمير الحداد 27 أكتوبر، 2017 0 تعليق

صفات الله -عز وجل(10)

      كنت وصاحبي في رحلة قصيرة إلى لبنان؛ حيث يملك منزلا صغيرا في منطقة جبلية، سألني أن أرافقه؛ لأن الرحلة لن تتجاوز ثلاثة أيام، وافقت بعد أن أكد لي أننا سنؤدي صلاة الجمعة في أحد مساجد بيروت.

      أمام شقته الأرضية، وكنت أطن أنه منزل وجدت حديقة صغيرة زرع فيها العنب، والتفاح، والمشمش، والكيوي، وهذا كان أجمل ما في هذه الرحلة القصيرة، جلسنا في هذه الحديقة الصغيرة نحتسي الشاي عصر الخميس، وكان المجلس يطل على سلسلة جبال.

-جميل منظر الجبال، والأجمل أن يتذكر العبد ما أخبرنا الله به عن هذا المخلوق العظيم.

- نعم، هذا المخلوق العظيم، ذكره الله في كتابه ليعتبر ابن آدم؛ فهو أشد من ابن آدم في قوته {أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ}(النازعات: 27-33).

كان صاحبي يحمل كعادته دائماً هاتفه الذكي، الذي خزن فيه (المكتبة الشاملة)، يبحث فيها عن كل شيء.

- دعني أبحث عن بعض الآيات التي ذكرها الله عن الجبال في كتابه آيات كثيرة، ذكر فيها الله مهمة الجبال في تثبيت الأرض ومآلها يوم القيامة، زادت نتيجة البحث عن الستين آية، ولكن دعني أنتقي منها بعض الآيات: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ۗ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}(الحج: 18)، {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}(الأحزاب: 72)،{وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}(الأعراف: 143)، { وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا}(الإسراء: 37)، {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا}(مريم: 90-92)، {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ (17) إِنَّ هَٰذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَىٰ (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ}(الغاشية: 17-19).

      {لو أنزلنا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۚ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}(الحشر 21)، {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُها قاعًا صَفْصَفًا (106) لا تَرى فِيها عِوَجًا وَلا أَمْتًا}(طه: 105- 107)، {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ۚ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ}(النمل: 88)، {يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا }(الطور: 9-10)، {إذا رجت الأرض رجا وبست الجبال بسا}(الواقعة: 4-5)، {يوم تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن }(المعارج: 8-9)، {يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا }(المزمل: 14)، {وإذا السما فرجت وإذا الجبال نسفت}(المرسلات: 9-10).

- وماذا عن معنى قوله -سبحانه-: أنه (تجلى) إلى الجبل؟!

- كنت متأكدا أنك ستسألني عن هذه الآية؛ لأن فيها صفة من صفات الله -عز وجل.

قالها صاحبي مبتسماً، وأخذ يبحث في كتب التفسير.

- قبل أن نقرأ ما قاله العلماء في هذه الآية لنتذكر القاعدة الذهبية في صفات الله -عز وجل- وهي الصفة المعلومة نثبتها لله -عز وجل- دون تحريف ولا تشبيه ولا تأويل، والكيف لا نعلمه (تجلّى) في اللغة: ظهر، بان، انكشف، ويقال: أخبرني عن جلية الأمر، أي: حقيقته. (لسان العرب).

      وعن كعب بن مالك، قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة يعني غزوة تبوك، غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد، واستقبل سفرا بعيدا ومفازا وعدوا كثيرا؛ فجلّى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم؛ فأخبرهم بوجهه الذي يريد. (رواه البخاري).

     ومما يقرب هذا المعنى، ما رواه الترمذي وغيرها، من طرق عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ قوله -تعالى-: {فلما تجلّى ربه}؛ فوضع إبهامه قريبا من طرف خنصره يقلل مقدار التجلي. (صححه الألباني).

وصعق موسى من اندكاك الجبل؛ فعلم موسى أنه لو توجه ذلك التجلي إليه لانتثر جسمه فضاضا.

     وروي عن حماد عن ثابت عن أنس، قال: «قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فلما تجلّى ربه للجبل جعله دكا، قال: وضع إبهامه على قريب من طرف أنملة خنصره، فساخ الجبل، قال حماد: قلت لثابت: تقول هذا؟ قال: يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقوله: أنس، وأنا أكتمه»!

وقال الزجاج: تجلى ربه للجبل، أي: ظهر وبان، قال: وهذا قول أهل السنة والجماعة، وقال الحسن: تجلّى بدا للجبل نور العرش.

فلا ينبغي لأحد أن ينكر تجلّي الله -سبحانه- للجبل،  لمعنى المعلوم تجليا يليق بجلاله -سبحانه- لا يشبه تجلى المخلوق.

- وهل يمكن أن نستدل بهذه الآية أن الله -سبحانه وتعالى- لا (يرُى) في الحياة الدنيا؟!

- هذا الكلام صحيح، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة أن الله لا يُرى في الدنيا، ومن زعم ذلك فقد كذب، ونثبت أنه -سبحانه- يُرى في الآخرة.

حان وقت صلاة المغرب، دخلنا للوضوء وأداء صلاة الجماعة مع حارسي العمارة وأبنائهما الثلاثة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك