رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.عادل المطيرات 4 نوفمبر، 2019 0 تعليق

صفات العلماء الربانيين

يقول الحق -سبحانه- في كتابه الكريم: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}(المجادلة:11)، رفع الله -سبحانه- في الآية الكريمة قدر العلماء، وجعل منزلتهم عالية لشرف ما يحملونه من علم شرعي، وهم ورثة الأنبياء . فالعلماء هم ورثة الأنبياء، وقدوة الأتقياء، بهم تستضيء البلدان، ويدعى إلى الإيمان ، ويدل على الرحمن، أكثر الناس خشية للعلام ، وأكثرهم بركة على الإسلام، خصوا باستنباط الأحكام، وعنوا بضبط الحلال والحرام، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين .

  

أمرنا الله بطاعتهم

     أمرنا الله -سبحانه- بطاعتهم؛ فقال -سبحانه-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ}(النساء:59)؛ فأولو الأمر هم: الأمراءُ والعلماء، فهم أحدُ صنفي ولاةِ الأمر؛ فولايةُ أهل العلم في بيان شريعة الله، ودعوةِ الناس إليها، وولايةُ الأمراء في تنفيذ شريعة الله وإلزام الناس بها. قال ابن عباس -رضي الله  عنهما- في الآية: يعني أهلَ الفقه والدين وأهلَ طاعة الله، الذين يعلمون الناس معاني دينهم، ويأمرونهم بالمعروف، وينهونهم عن المنكر؛ فأوجب الله -سبحانه- طاعتهم على عباده. (الحاكم  1/123).

يستغفر له المخلوقات جميعها

     العالم يستغفر له المخلوقات العلوية والسفلية جميعها في سنن أبي داود، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وَإِنَّ العَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالحِيتَانُ فِي جَوْفِ المَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ، وَإِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ».

يعلمون الناس الخير

     العلماء يعلمون الناس الخير؛ فيصلي عليهم الله والملائكة، ومخلوقات البر والبحر، ثبت عند الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ»، وصلاة الله على العالم: ثناؤه عليه في الملأ الأعلى، وصلاة الملائكة على العالم دعاؤهم له بالمغفرة والرحمة، وصلاة النملة والحوت على العالم: استغفارهم له، فما أعظمه من فضل!

صفات العلماء

     هذا هو فضل علماء الشريعة، وهذا هو قدرهم عند ربهم -سبحانه-، فما صفات هؤلاء العلماء ليعرفهم الناس ويأخذوا منهم العلم والعمل؟ لقد وصف الله -سبحانه- العلماء في كتابه بصفات خمس، وهي الأخلاق التي تدل على علماء الآخرة، وهذه الصفات هي: الخشية، والخشوع، والتواضع، وحسن الخلق، وإيثار الآخرة على الدنيا وهو الزهد.

الخشية لله

     أما الخشية فمن قوله -تعالى-: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}(فاطر:28)، وأما الخشوع؛ فمن قوله -تعالى-: {خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا}(آل عمران:199)، وأما التواضع؛ فمن قوله -تعالى-: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}(الشعراء: 215)، وأما حســن الخلق؛ فمن قوله -تعالى-: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ}(آل عمران: 159)، وأما الزهد؛ فمن قوله -تعالى-: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا}(القصص: 80).

التمسك بالقرآن والسنة

     ومن أهم صفات علماء الشريعة: التمسك بالقرآن العظيم والسنة النبوية الصحيحة؛ فالعالم هو الذي يستدل على فتاواه بكتاب الله -سبحانه- وسنة نبيه  صلى الله عليه وسلم الصحيحة، فلا يفتي إلا عن علم ودراية تامة، لا يفتي بهواه أو بعقله، لا يقدم عقله على نصوص القرآن والسنة .

يعملون بعلمهم

     العالم عاملٌ بعمله، لا يقولُ شيئا إلا وهو يعملُ به، قال أبو الدرداء رضي الله عنه : لا تَكُونُ تَقِيًّا حَتَّى تَكُونَ عَالِمًا، وَلا تَكُونُ بِالْعِلْمِ جَمِيلا حَتَّى تَكُونَ بِهِ عَامِلا. (الدارمي 1/88)، ويقول الحسن البصري -رحمه الله-: العالم الذي وافق علمَهُ عَمَلهُ، وَمَن خالف عَلَّمَهُ وعَمَلة؛ فذلك راوية أحاديث سَمع شيئا فقاله. (الجامع لابن عبد البر 1241)، قال سفيان الثوري -رحمه الله-: العلم يهتف بالعمل؛ فإن أجابه وإلا ارتحل . (الجامع 1274).

يعرفون باجتهادهم

يعرف العالم بجده واجتهاده في التفقه في الدين، والتلقي عن المشايخ وملازمتهم زمنا طويلا معتبرا، يعرف العالم باستقامته على منهج أهل السنة والجماعة، وهدي السلف الصالح، وبراءته من البدع والضلالات .

يعرفون بآثارهم

     يعرف العالم بآثاره من الإنتاج العلمي والتصنيف المفيد، والدروس والفتاوى، يعرف العالم برسوخ قدمه في مواطن الشبهات حين تضل الأفهام، وتتزلزل الأقدام، يعرف العالم بمواقفه العلمية والعملية ، وثباته عند الفتن والابتلاءات، وأخذه بحظ وافر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومعايشته لأحوال مجتمعه وأمته، وتفاعله مع أحداث عصره .

يوضع لهم القبول

     هؤلاء هم العلماء الربانيون الذين يتصفون بهذه الصفات الظاهرة الطيبة؛ فيوضع لهم القبول في الأرض، ويعرفهم الناس ويحبونهم، ويأخذون من علمهم وفتاواهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: ومن له في الأمة لسان صدق عام؛ بحيث يثنى عليه، ويحمد في جماهير أجناس الناس؛ فهؤلاء أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، (مجموع الفتاوى 11/43).

أدعياء العلم

     هذا هو وصف العلماء، علماء الشريعة، وهذا هو فضلهم ، لكن المحزن والمؤسف هو ظهور أدعياء العلم من المتعالمين؛ ممن يتصدرون الفتوى، وليس لهم حظ من العلم الشرعي الأصيل، ولا يتصفون بصفات العلماء الربانيين، وهذا من علامات قرب الساعة؛ فقد جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا؛ فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا».

ينشرون جهلهم

     إن هؤلاء الأدعياء على العلم، قد انتشروا في أوساط الأمة، ينشرون جهلهم في أوساط الناس، يفتون بغير علم، يتبعون أهواءهم في فتاواهم، يقدمون عقولهم على نصوص القرآن والسنة؛ فمنهم من يفتي بحل الفوائد الربوية ، ومنهم من يفتي بعدم وجوب الحجاب وأنه عادة وليس عبادة، ومنهم من يسخر بالنقاب ومن يلبسه، ومنهم من يستهزئ بأصحاب اللحى والثياب القصيرة ويصفهم بالتخلف والرجعية، ومنهم من يزعم بأن النبي  صلى الله عليه وسلم فشل مرات عديدة في دعوة قومه، {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا}(الكهف: 5).

خانوا الأمانة

     فهؤلاء قد خانوا الأمانة، وغشوا الديانة؛ فوزرهم عظيم، وجرمهم شنيع، ومصيرهم فظيع {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ}(الأعراف: 175)، أرادوا بعلمهم الدنيا وحظوظها، والحياة ومتاعها؛ فالويل كل الويل لهم {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا}(الإسراء: 18) .

طلبوا الشهرة والثناء

     لم يخلصوا في علمهم، بل طلبوا به الشهرة والثناء؛ فما أتعس مصيرهم! وما أعظم عقوبتهم! في صحيح مسلم يقول النبي  صلى الله عليه وسلم : «إنّ أَوَّلَ ما يُقْضَى عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وذكر منهم: وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ، وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآن؛ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ، وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ»، فما أسوأ المصير لعالم يدعي العلم فلم يراقب الخلاق ولم يحترم الميثاق! {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} (آل عمران: 187).

علماء ربانيون

     ومع هذا كله ففي الأمة -ولله الحمد- علماء ربانيون صادقون مخلصون، نسأل الله أن يحفظهم، وأن يبارك فيهم وأن يجعلهم ممن يرجون بعلمهم وجه الله والدار الآخرة، وأن يوفق جميع علماءنا وأمراءنا ووزراءنا ونوابنا إلى كل خير وفلاح، وهدى ونجاح، وتوفيق وصلاح إنه سميع مجيب .

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك