رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 24 فبراير، 2014 0 تعليق

صــفـــات العــقــــلاء والحـمــــقـى


ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: (صفات العقلاء والحمقى)، التي تحدَّث فيها عن العقل، وأنه موطن التفكير ومحل التدبير، مُذكِّرًا بصفات العُقلاء، ومُحذِّرًا من صفات الحمقَى والجهلاء، وكان مما جاء في خطبته:

العقلُ موطنُ التفكير، ومحلُّ التدبير، ومناطُ التكليف، وعلامةُ التشريف، وسُمِّي العقلُ عقلاً؛ لأنه يمنعُ صاحِبَه التورُّط في المهالِك، ويحبِسُه عن ذَميمِ القولِ والفعلِ، ويحجُرُه من التهافُتِ فيما لا ينبَغي. وما اكتسَبَ المرءُ مثلَ عقلٍ يهدِيه إلى هُدى، أو يرُدُّه عن ردَى.

وأصلُ الرجُلِ عقلُه، وحسَبُه دينُه، ومروءَتُه خُلُقُه، وقيل: العقلُ أفضلُ مرجُوٍّ، والجهلُ أنكَى عدوٍّ.

وقيل: خيرُ المواهِبِ العقلُ، وشرِّ المصائِبِ الحُمقُ والجهلُ.

وآيةُ العقلِ سُرعة الفهم، وقُوتُه العلم، ومِدادُه طولُ التجارب، ومِلاكُه الشرع، ونورُه الدين. والعقلُ لا يهتدِي إلا بالشرع، والشرعُ لا يُدرَك وتُفهَم مقاصِدُه إلا بالعقل.

وقال سُفيانُ بن عُيينة - رحمه الله تعالى -: «ليس العاقلُ الذي يعرِفُ الخيرَ والشرَّ، ولكنَّ العاقلَ الذي يعرفُ الخيرَ فيتَّبِعه، ويعرفُ الشرَّ فيجتنِبُه».

وقِيلَ لرجُلٍ بلغ عشرين ومائة سنة: ما العقل؟ فقال: «أن يغلِبَ حلمُك جهلَك وهواك».

وسُئِل أعرابيٌّ: أيُّ منافع العقل أعظم؟ قال: «اجتِنابُ الذنوب».

وقال أبو حاتم: «أفضلُ ذوِي العقول منزلةً أدوَمُهم لنفسِه مُحاسبةً».

ومن كمُلَ عقلُه، وتناهَى فهمُه، وقوِيَ تمييزُه، كان لربِّه مُطيعًا، وإليه مُنيبًا، وبقدرِ عقلِه تكون طاعتُه وعبادتُه، قال - جلَّ في عُلاه -: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} (آل عمران: 7).

فأخبرَ - جلَّ ثناؤُه - أن المواعِظ والذِّكرى لا تنفعُ إلا أُولِي الحِجَى والحُلوم، وأهلَ النُّهى والعقول.

     والكفرةُ والمُشرِكون أقلُّ الناس عقلاً وسمعًا ونظرًا؛ لأنهم طرَحوا ما فيه حياتُهم وتعالَوا على ما فيه نجاتُهم، قال الفَوجُ الذي أُلقِيَ في النار لخزَنَة جهنَّم تحسُّرًا وتندُّمًا: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} (الملك: 10- 11).

قال ابن عباس - رضي الله عنهما - في معنى الآية: «لو كنا نسمعُ الهُدى أو نعقِلُه، أو لو كنا نسمعُ سماعَ من يعِي ويُفكِّر، أو نعقِلُ عقلَ من يُميِّز وينظُر ما كنا في أصحابِ السعير».

ودلَّ هذا على أن الكافِر لم يُعطَ من العقلِ شيئًا.

وقيل لرجُلٍ وصفَ نصرانيًّا بالعقلِ: مَهْ؛ إنما العاقلُ من وحَّد اللهَ وعمِلَ بطاعتِه.

قال تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (الحج: 46).

قال ابن كثيرٍ - رحمه الله تعالى -: «فليس العَمى عمَى البصر، وإنما العمَى عمَى البصيرة، وإن كانت القوةُ الباصِرةُ سليمةً فإنها لا تنفُذُ إلى العِبَر، ولا تدرِي ما الخبرُ».

وقال ابن القيِّم - رحمه الله تعالى -: «والناسُ كلُّهم صِبيانُ العقول إلا من بلغَ مبلغَ الرِّجال العُقلاء الألِبَّاء، وأدركَ الحقَّ علمًا وعملاً ومعرفةً».

     فلا عاقِلَ على الحقيقةِ إلا من عبَدَ اللهَ وحده لم يُشرِك به شيئًا، وفطَمَ نفسَه عن الشهواتِ، ورفعَها عن حَضيض أهل الفِسقِ والسَّفَه والطَّيشِ، ونزَّهَها عن دنَسِ أهل الجهل والمآثِم والمُحرَّمات، وأقبلَ على مولاه، واستغفرَ مما جنَاه، وتابَ وأناب، {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿} (الزمر: 18).

والحُمقُ ضدُّ العقل ونقيضُه؛ بل وفسادُه. يُقال: حمُقَت السوق إذا كسَدَت، والأحمقُ كاسِدُ العقل والرأي.

قال بعضُ الحُكَماء: «يُعرفُ الأحمقُ بستِّ خِصال: الغضبُ من غير شيءٍ، والإعطاءُ في غير حقٍّ، والكلامُ في غير منفَعة، والثِّقةُ بكل أحدٍ، وإفشاءُ السرِّ، وألا يُفرِّق بين عدوِّه وصديقِه، ويتكلَّمُ ما يخطُرُ على قلبِه ويتوهَّمُ أنه أعقلُ الناس».

وقيل في الأحمَق: «إن تكلَّم عقِل، وإن تحدَّث وهِل، وإن حُمِل على القَبيح فعَل».

     وعلامةُ الأحمَق: الخِفَّةُ والطَّيش، والجهلُ والفُحشُ والسَّفاهة، والصَّلَفُ والعُجب، والغفلةُ والتفريطُ والضياع، والخُلُوُّ من العلم، ومُعاداةُ الأخيار، ومُخالطةُ الأشرار، ونقلُ الأخبار دون تثبُّت، وكثرةُ المِراء، وكثرةُ العداوات والخُصومات. لا يعرِفُ لمن فوقَه قدرًا، ولا يأمنُ من يصحَبُه غدرًا.

فاحذَروا تلك الصِّفات الذَّميمة، وتشبَّهوا بأصحابِ العقول التامَّة الزكيَّة، التي تُدرِكُ الأشياءَ بحقائِقِها على جلِيَّاتها، فتأتي محاسِنَها، وتجتنِبُ مساوِئَها.

واحذَروا سبيلَ أهل العقول التائِهَة الحائِرَة الغافِلَة الذين قال الله عنهم: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} (الأنفال: 22).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك