رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سالم الناشي 26 أكتوبر، 2021 0 تعليق

صحيح البخاري أصح كتاب بعد كتاب الله – الطعن في البخاري تعدٍّ علــى المسلمــين

 

لقد نال الإمام البخاري هذه المنزلة الرفيعة لبذله جهودا عظيمة في خدمة الحديث النبوي، جعلته يتبوأ هذه المكانة العالية، وإن قياس الأثر الذي أحدثه فيما يتعلق بميدان الحديث النبوي يكفي للتدليل على مقولة: إن كتاب البخاري أصح كتاب بعد كتاب الله -تعالى.

البخاري اهتم بالعلم صغيرا

     الدارس لحياة الإمام البخاري يجد أنه كان ذا همة عالية، وعمل دؤوب، وضع أمامه هدفا كبيرا، وهو ابن عشر سنوات، ووفق لتنفيذه في مدة نصف قرن؛ لحماية الحديث الصحيح، وأودع الأصول النيرات كتابه صحيح الإمام البخاري.

حاضنة العلم والحديث

     عاش الإمام البخاري في بيئة علمية، اهتمت بالحديث النبوي، ونبغ فيه كبار المحدثين والعلماء، وانتشر العلم في أرجاء العالم الإسلامي، فكانت رحلات الإمام البخاري الواسعة في طلب الحديث الصحيح علامة فارقة في بناء صرح متين للحديث النبوي. فقد نشأ الإمام البخاري (194-256هـ) في أعظم مدن ما وراء النهر في وسط آسيا: وهي مدينة (بخارى) في إقليم خراسان، المشهور بالأمن، وتشجيع العلماء.

نشأ في أسرة صالحة

وقد نشأ الإمام البخاري في أسرة صالحة، فقد مات أبوه وهو صغير، فنشأ في حِجْر أمِّه،

علماء وأمراء الحديث

     وعاش في مطلع القرن الثالث الهجري، وهو العصر الذهبي للحديث النبوي؛ فأخذ عن محدثي بلده، ثم قام برحلات واسعة في أهم مدن العالم الإسلامي، فطاف بلادَ: خراسان، والحجاز، والعراق والشام ومصر، وكتب الحديث النبوي عن ألف وثمانين شيخاً، هم شيوخ الحديث في ذلك القرن، خمسة منهم لقبوا بأمراء المؤمنين في الحديث، وهم: الفضل بن دكين الكوفي (ت:210هـ)، وهشام بن عبدالملك الطيالسي البصري(ت:227هـ) وعلي بن المديني البصري (ت:234هـ)، وإسحق بن راهويه المروزي (ت:235هـ)، ومحمد بن يحيى الذهلي النيسابوري (ت:258هـ)، وأخذ عن الإمام أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين.

مرويات البخاري كثيرة جدا

     ولهذا كان عدد مروياته كثيرة جدا، وقد قال مرة: «ما نمت البارحة حتى عددت كم أدخلت مصنفاتي من الحديث، فإذا نحو مئتي ألف حديث مسندة». ومروياته أكثر من هذا العدد بكثير، فقد كان يقال: «صنَّفْتُ (الجامع) من ستمائة ألف حديث، في ست عشرة سنة، وجعلته حُجَّة فيما بيني وبين الله». وهذا يعني أنه أحاط بالسنة في عصره.

جهوده في تصنيف الأحاديث

     وكان من أعظم جهوده في خدمة الحديث النبوي وعلومه تلك المؤلفات الكثيرة المباركة التي صنفها، فقد ابتدأ البخاري بالتصنيف منذ حدَاثة سنه؛ وعندما بلَغ الثامنة عشرة عامًا صنَّف: «قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم». وقد تجاوز عدد مؤلفاته (30) كتاباً، منها ما حفظ ونقل، ومنها ما فقد واختفى. وكان -رحمه الله- موفقا في التأليف، فهو يراعي المستويات والتخصصات، فتراه يؤلف الجامع الكبير للمختصين، ويؤلف الجامع المختصر لكل المستويات، كما يظهر ذلك من مؤلفاته. وكان متقنا في التصنيف، فقد جاء عنه أنه قال: «صنفت جميع كتبي ثلاث مرات». وكان مخلصاً يبتغي بذلك وجه الله -تعالى-، وكان يدعو الله أن يبارك بمؤلفاته، فكان يقول: «أرجو أن الله -تبارك وتعالى- يبارك للمسلمين في هذه المصنفات..».

عقلية البخاري جامعة

     الناظر في قائمة مؤلفات الإمام البخاري التي تجاوزت الثلاثين، يجد أنها كانت تستوعب كل أبواب اﻹسلام، وهذا يدل على أنه كان يتميز بعقلية جامعة استوعب جل علوم اﻹسلام: التفسير، والحديث، والفقه، والعقيدة، والعلوم المتصلة بها، ولاسيما علوم الرجال والجرح والتعديل، والعلل.

مصنفات الموضوعات

     القسم اﻷول، ما صنفه على الموضوعات، والمطبوعة منها (6)، والمفقودة (12) كتابا. وهي: «الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله وسنته وأيامه»، و«الأدب المفرد»، و«رفع اليدين في الصلاة»، و«القراءة خلف الإمام»، و«خلق أفعال العباد»، و«بر الوالدين»، والكتب المفقودة (12) كتاباً، وهي: كتاب (اﻹيمان)، و(أخبار الصفات)، و(بدء المخلوقات)، و(الرقاق)، و(الأشربة)، و(الهبة)، وكتاب (الاعتصام)، و(السنن في الفقه)، و(قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم)، و(التفسير الكبير)، و(الجامع الصغير)، و(الجامع الكبير).

مصنفات مسانيد الصحابة

- القسم الثاني: مؤلفات مرتبة على مسانيد الصحابة، وهي: «المسند الكبير» وهو مفقود.

مصنفات علوم الرجال

- والقسم الثالث: مؤلفاته في علوم الرجال، والجرح والتعديل، والعلل، وقد بلغ عددها ما يقرب من ثلاثة عشر كتاباً، وهي: (التاريخ الكبير)، و(الكُنى)، و(التاريخ الأوسط)، و(التاريخ الصغير)، و(الضعفاء الصغير)، و(الوحدان)، والمفقود سبعة، وهي: (المبسوط)، و(الضعفاء الكبير)، و(مشيخة)، و(تسمية أصحاب النبي [)، و(العلل)، و(الفوائد)، و(المختصر).

آية في معرفة الرجال

     هذه المصنفات تدل على أن الإمام البخاري كان آية في معرفة الرجال، وقد شهد له الأئمة بذلك، وكانت طريقته منذ صغره أنه كان يستوفي تراجم الرجال الذين يأخذ عنهم حتى كأنه يعيش معهم، وكان يقول: لم تكن كتابتي للحديث كما كتب هؤلاء، كنت إذا كتبت عن رجل سألته عن اسمه وكنيته ونسبته وحمله الحديث، إن كان الرجل فهماً. فإن لم يكن سألته أن يخرج إلي أصله ونسخته. فأما الآخرون لا يبالون ما يكتبون، وكيف يكتبون؟

ثناء الأئمة على دقته وعلمه

     وهذا يدل على أنه بلغ مرتبة الإمامة في علوم الجرح والتعديل، وحسبنا في ذلك شهادة الإمام مسلم الذي أسماه (سيِّد المحدِّثين، وطبيب الحديث في عِلَلِهِ) وقول الترمذي: «لم أرَ بالعراق، ولا بخراسان في معنى العِلل، والتاريخ، ومعرفة الأسانيد أَعْلَم من محمد بن إسماعيل». وعده الحافظ الذهبي من القسم الثالث: المعتدلون المنصفون في علوم الحديث مقابل قسمين هما: المتشددون والمتساهلون.

مكانة كتاب الجامع الصحيح

     لقد حظي باهتمام اﻷمة، وله هيبة كبيرة، وهو أجلّ كتب الإسلام: قال الإمام النووي: «اتفق العلماء -رحمهم الله- على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان: البخاري ومسلم، وتلقتهما الأمة بالقبول، وكتاب البخاري أصحهما وأكثرهما فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة». وقد استغرق البخاري في تصنيفه (16) سنة، ابتدأ تأليفه وله نحو (22) سنة، وأتمه وله نحو(38) سنة. وانتقاه من (600) ألف حديث، وجملة ما فيه من الأحاديث المسندة بالمكرر سوى المتابعات (٧٥٩٣).

شهادة الأئمة لصحيح البخاري

     وقد عرضه على كبار شيوخه حفاظ الحديث في عصره، أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، وغيرهم فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة. ثم أخرجه، فصار الناس يسافرون إليه لسماعه منه، حتى سمعه منه نحوٌ من (90) ألف إنسان. فهو قد عرض على أئمة المحدثين أصحاب الاختصاص، وقرأ على هذا العدد الكبير من الأمة.

القبول في الأرض

     ولهذا كتب لصحيح البخاري القبول في الأرض، وكان العلماء يحرصون على خدمته، وقد جمع محمد عصام عرار في كتابه إتحاف القاري بمعرفة جهود وأعمال العلماء على صحيح البخاري (376) عملاً علمياً مفرداً ما بين شرح ورجال ومقدمات وأختام ودفع شبهات وأوهام. وقد استدرك عليه أحد الباحثين فوصل العدد إلى (500) عمل علمي حوله. هذا ما عدا الكتب التي تناولته عرضاً من غير إفراد، فهي مما يصعب إحصاؤه. وقد قدِّر عدد مخطوطاته في مكتبات العالم بأكثر من (25000) قطعة من الصحيح، وهناك نسخ لم يكشف عنها بعد، مما يرسخ جذر صحيح البخاري في ضمير الأمة.

الجانب الإيماني والسلوكي

     والحديث عن الجانب الإيماني في حياة الإمام البخاري واسع جدًا، وقد حفلت الكتب التي ترجمت له بذكر نماذج كثيرة عن تعبده، وسلوكه، ومما يلفت النظر في هذا الجانب، أنه رغم كثرة مؤلفاته في علوم الجرح والتعديل، إلا أن الجانب السلوكي كان ظاهراً في جهوده تأصيلاً وتطبيقاً، ففي جانب التأصيل: ألف كتبا عدة منها: كتاب: اﻷدب المفرد. وفي الجانب التطبيقي: يظهر ذلك واضحاً في مؤلفاته التي كتبها في الجرح والتعديل، وكان فيه من الورع والتقوى ما يدعو للدهشة والإعجاب، ويكفي في ذلك قوله: «أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أنِّي اغتبتُ أحدًا».

ورعه في  الكلام عن الجرح والتعديل

     قال الذهبي معلِّقًا على كلام البخاري هذا: «قلتُ: صدقَ - رحمه الله - ومن نظرَ في كلامه في الجرح والتعديل، عَلِمَ ورعه في الكلام في الناس، وإنصافه فيمن يضعِّفه، فإنه أكثر ما يقول: «منكر الحديث، سكتوا عنه، فيه نظر»، ونحو هذا، وقلَّ أنْ يقول: «فلانٌ كذَّاب، أو كان يضعُ الحديث»، حتى إنَّه قال: «إذا قلتُ: فلانٌ في حديثه نظرٌ، فهو متَّهمٌ واهٍ»، وهذا معنى قولِه: «لا يحاسبني الله أني اغتبتُ أحدًا»، وهذا هو - والله - غاية الورع».

جهود البخاري في نشر الحديث بين المسلمين

     عاش اﻹمام البخاري حياته متنقلا في البلدان في بداية أمره طالبًا، وبعد أن استكمل الطلب، ناشراً لكنوزها، ومحدثاً بها، ويكفي للتدليل على ذلك: أن كتابه الصحيح سمعه منه (90) ألف إنسان في عدد من البلدان، وكان يتنقل في البلاد لنشر سنة النبي  صلى الله عليه وسلم . ومن أيامه المشهودة، ومجالسه العامرة يوم دخل (البصرة) وحضر المُحدِّثون، والحفاظ، والفقهاء، والنظّارة، حتى اجتمع قريب من كذا كذا ألف نفس.

 

- بتصرف من بحث بعنوان:(لماذا كان صحيح البخاري أصح كتاب بعد كتاب الله -تعالى-؟)، د. عبدالسميع الأنيس، نشر في موقع الالوكة الشرعي بتاريخ:(20/12/1438هـ) الموافق(12/9/2017م).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك