رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 12 مارس، 2012 0 تعليق

صالح بن محمد آل طالب: إن فضلَ الشام وكونَها ثغرَ الإسلام يُحتِّمُ على المُسلمين التنادِي لنُصرة أهلها

 

«إذا فسدَ أهلُ الشام فلا خيرَ فيكم، ولا تزالُ طائفةٌ من أمتي منصورةً على الناسِ لا يضرُّهم من خذَلَهم حتى تقومَ الساعةُ»

ياأهل الشام: {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}

أيها المسلمون، حين دحا الله الأرضَ وأجرى يدَ الخلقِ على الخليقة، جعل فيها بلادًا وذرأَ فيها بشرًا، ثم اصطفى الله من هذه البلاد بلادًا، ومن البشر بشرًا، {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} (القصص: 68)، فكانت مكةُ والمشاعِرُ وطَيبةُ الطيبة، وكان شامًا منها بلادُ الشام.

واصطفى الله من البشر أنبياءَه ورُسُله، وقضى لبلاد الشام حظًّا وافرًا منهم، فجعل أرضَها مدرجَ الأنبياء، ومُتنزَّلَ الوحيِ من السماء. هي أرضُ المحشَرِ والمنشَر، وحين يبعثُ اللهُ المسيحَ ابنَ مريم في آخر الزمان لا ينزلُ إلا فيها، عند المنارة البيضاء شرقِيّ دمشق. رواه مسلم.

       طُوبَى للشام! ملائكةُ الرحمن باسِطةٌ أجنحتَها عليها، إنها بلادٌ بارَكَها الله بنصِّ الكتاب والسنة؛ فهي ظِئرُ الإسلام وحاضِنَتُه، وعاصِمتُه حينًا من الدهر، سُطِّرَت على أرضها كثيرٌ من دواوين الإسلام، ودُفِن فيها جموعٌ من الصحابةِ ومن عُلماء المُسلمين.

       كم ذرَفَت على ثراها عيونُ العُبَّاد، وعُقِدَت في أفيائِها ألوِيَةُ الجهاد، وسالَ على دفاتِرِها بالعلوم مِداد، وجرَت على ثراها دماءُ الشهداء: صحابةً وأخيارًا وأصفياء، وتداوَلَ الحُكمَ فيها ملوكٌ وسلاطين، أضافوا للمجدِ مجدًا وللعِزِّ عِزًّا.

كُسِرَت على رُباها حملاتٌ صليبيةٌ تقاطَرَت عليها مائتي عام، قارَبَ أعدادُ الجُند فيها سُكَّانَ بلاد الشام كلِّها.

       إذا عُدَّت حضاراتُ الإسلام ذُكِرَت الشام، وإذا ذُكِر العلمُ والفضلُ والفتوحُ ذُكِرَت الشام، هي أرضُ الأنبياء، وموئِلُ الأصفياء، وما زارَ النبيُ [  بلادًا خارجَ الجزيرة إلا بلاد الشام.

       وفي آخر الزمان عندما تكون الملحَمَةُ الكُبرى يكونُ فُسطاط المُسلمين ومجمعُ راياتهم بأرضِ الغُوطَة فيها مدينة يُقال لها: دمشق، هي خيرُ مساكن الناسِ يومئذٍ؛ كما أخرجه الطبراني من قول النبي صلى اله عليه وسلم .

       ولقد أدركَ الصحابةُ رضي الله عنهم دعاءَ النبي صلى الله عليه وسلم : «اللهم بارِك لنا في شامِنا، اللهم بارِك لنا في شامِنا» رواه البخاري، وقوله: «إذا فسدَ أهلُ الشام فلا خيرَ فيكم، ولا تزالُ طائفةٌ من أمتي منصورةً على الناسِ لا يضرُّهم من خذَلَهم حتى تقومَ الساعةُ» رواه الترمذي.

       فلم يلبَثُوا بعد رحيله  إلا قليلاً، حتى توجَّهَت قلوبُهم إلى الأرض التي بارَكَها الله، ووصَّى بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، فخفَقَت إليها بيارِقُ النصر، ورفرَفَت في روابيها ألوِيةُ الجهاد، وسُطِّرَت ملامِحُ من نورٍ، ونشرَ الإسلامُ رِداءَه على الشام، تُزجيه طلائعُ الإيمان، يتقدَّمُهم خالدُ بن الوليد، وأبو عُبيدة بن الجرَّاح، وشرحبيلُ بن حسنة، وعمرو بن العاص، ويزيدُ بن أبي سفيان، والقَعقاعُ بن عمرو، وضِرارُ بن الأَزوَر، وفيهم ألفُ صحابيٍّ منهم مائةٌ ممن شهِدَ بدرًا، وتوالَى عليها الصحبُ الكِرامُ. قال الوليدُ بن مُسلم:  «دخلت الشامَ عشرةُ آلافِ عينٍ رأَت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم «.

      عيونٌ بعد طُهر المدينة ترى نضرةَ الشام، ولا غَروَ فقد اختارَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأصحابه، ووصَّى بها الخُلَّصَ من أصحابه؛ قال: «سيصيرُ الأمرُ إلى أن تكونوا جنودًا مُجنَّدةً: جُندٌ بالشام، وجندٌ باليمن، وجندٌ بالعراق»، قال ابنُ حَوالة: خِر لي يا رسول الله إن أدركتُ ذلك، فقال: «عليك بالشامِ؛ فإنها خِيرةُ الله من أرضه، يجتبِي إليها خِيرتَه من عباده، فأما إن أبيتُم فعليكم بيَمَنكم، واسقُوا من غُدُركم؛ فإن الله توكَّلَ لي بالشامِ وأهله» أخرجه الإمام أحمد وأبو داود.

       وصارَت الشامُ عاصِمةَ الإسلام، قامَت فيها أولُ ممالكِ الإسلام وأعدلُ ملوك الإسلام، شعَّ منها نورُ العلم، وبُسِط فيها رِداءُ العدل، ونُشِرَت فيها قِيَمُ الحق والحرية، وسطَّر المُسلمون هنالك أروعَ الأمثِلة في حُسن الجِوار وكرمِ التعامُل مع الآخرين.

       وحفِظَ المُسلمون لأهل الأديان ذِمَمهم، وتركُوا لهم مذاهبَهم ومعابِدَهم، فعاش الناسُ في تسالُمٍ وأمانٍ، أحرارًا في أرضهم ومُعتقَدهم، ونالَت الشامَ بركة العدل، فرغَدَ عيشُها، ووفَرَ رِزقُها، حتى قال عُمرُ بنُ عبد العزيز وهو مُتربِّعٌ على عرشها: «انثُروا الحبَّ على رؤوس الجِبال حتى لا يُقال: جاعَ طيرٌ في بلاد المُسلمين».

       وتكسَّرَت على رُباها جُيوشُ التَّتَر، وعلا فيها نورُ الإسلام وانتصَر، حتى صارَ السائلُ يسألُ ابنَ تيمية رحمه الله: «هل المُقامُ بالشام لظهور الإسلام بها أفضلُ أم بمكَّة والمدينة؟».

       ثم مضَى الدَّهرُ، ودالَت الأيام، وظهرَ على الأمر فيها مَن بظهورِه استحَالَت حالُها؛ فما الشامُ بالشامِ التي تعهَد، صوَّحَ نبتُها، وذَبَلَ زهرُها، وضاقَ بأهلها العيشُ، وترحَّلَ الأمنُ من مرابِعِها، واقتطَعَ الأعادي جُزءًا من أراضيها، وما زال في أرض الشام العُلماءُ والصالِحون، ومنهم من تفرَّقَ في الديار تفرَّقوا عن أوطانهم مطرودين، تُلاحِقُهم يدُ الظلمِ والبَغيِ، عيُونُهم تفيضُ بالدمعِ، والغُرباءُ أكثرُ ما يكونون شفقةً على أهلهم وديارِهم، وهم يرَون في الشاشات أماكن يعرِفونها من بلادهم، لهم فيها ذكرياتٌ وشُجونٌ، تقصِفُها الطائِرات، وتدكُّها المدافِع.

       أيها المسلمون، الشامُ ترِكةُ الفاتحين من الصحابة والتابعين، ووديعةُ المُتقدِّمين من المُسلمين للمُتأخِّرين، تاريخُها مُلهِم، وحاضِرُها مُؤلِم، وأهلُها لهم في الصبر حكايا تطُول عسَى صبرُهم إلى خيرٍ يَؤول.

       وإننا في الوقتِ الذي نستحضِرُ فيه ذلك المجد وذلك التاريخ القديم لنقفُ على جُرحَيْن غائِرَيْن في بلاد الشام، دمِيَا فاعتلَّت بنزفِهما الأمةُ، كِلا الجُرحَيْن رَطبٌ، ومع ذلك تعملُ المناجِلُ فيهما عملَها: جُرحُ فلسطين، وجُرحُ سُوريا، وبينهما نُدوبٌ هنا وهناك، وهي أيامُ تمحيصٍ وابتِلاءٍ.

       أيها المسلمون، كيف يستطيعُ إنسانٌ في هذه الأيام أن يتجاوَزَ مذابِحَ القِيَم في شامِنا الحبيب وهو يرى غدرَ القريب، وخذلان البعيد، وخِيانةَ الراعي للرعيَّة، مُقدَّراتُ الشعب ومُكتسباتُه تُوظَّفُ لسحقِه وإذلالِه، وسِلاحُه الذي يدفعُ به غائِلَةَ العدُوِّ عاد على أوداجِ الشعبِ ذبحًا وتقطيعًا، تُسحَقُ الأمةُ لمصلحةِ أفرادٍ ما بالَوا بها يومًا، لقد كُشِف المستورُ، وترنَّحَت الشعارات، وتبيَّن أن العدوَّ الذي وراء الحُدود أرحمُ أحيانًا من العدو الذي في داخل الحُدود.

       نساءٌ وأطفالٌ لم يحمِلوا حتى الحجرَ، نثَرَت صواريخُ الغدر حجارةَ منازلهم، وتشظَّت تحت الرُّكام أجسادُهم، ترى الأذرُع مبتورة، والأجسامَ تحت رُكامِ المنازل مقبورة، في صُورٍ تُنبِئُ عن مقدار خواءِ نفوسِ مُرتكبيها من الإنسانية والمُثُل، وتجرُّدِ أفعالهم من الشِّيمَةِ والنُّبْلِ، جرَت دماءُ الشاميين جرَيَان دجلة والفُرات، ليس على عدوٍّ ظاهرٍ، بل على يدِ مُدَّعِي بعثِ العروبة وحِراسةِ العرب على وجهٍ لا يحتملُ العُذر ولا تستُرُه المُبرِّرات.

       أيها الشاميُّون الكرام، سلاحُكم له كرامةٌ، فلا يُدنَّس بالنَّيلِ بهِ من إخوانكم، وقوتُكم ذُخرٌ للعرب، فلا تتقوَّوا بها على أهلِيكم، واجعَلوا سلاحَكم لأهلِكم حامِيًا، وعن أرضِكم مُدافِعًا، لا عُذرَ لكم أمام الله والتاريخِ أن تعود فَوهات البنادِق على صُدروكم، ويُذيقَ بعضكم بأسَ بعضٍ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (النساء: 93). وحِّدوا الصفوف، واجمَعوا الكلمة، واستعِينوا بالله واصبِروا.

       عباد الله، إن فضلَ الشام وكونَها ثغرَ الإسلام يُحتِّمُ على المُسلمين التنادِي لنُصرة أهلها، ودفعِ البَغيِ عنهم، ورفعِ الضَّيْمِ عنهم، ولقد جعل النبيُّ [ صلاحَ الشام مِعيارًا لصلاح الأمةِ كلها، مما يُحتِّمُ على المُسلمين كلِّ المُسلمين أن يدفَعوا بما استَطاعوا لكي لا تُغيِّرَ يدُ الفسادِ وجهَ الشام الجميل، وتبقى كما تاريخُها إيمانا وعلما وحضارة ونورا، لا يجُوعُ فيها طيرٌ كما أراد عُمر، ولا يُروَّعُ فيها بشرٌ؛ وفاءً للصحابة الفاتحين، والعُلماء الأماجِد الذين توسَّدوا ثَرَى الشامِ في رَقدة الدنيا الأخيرة، وقِيامًا بحقِّها كِفاءَ ما وهبَتْه العربَ والمُسلمين.

       ولقد نادى العُقلاءُ الغيورون على مصالِحِ الأمة، وارتفعَ صوتُ خادمِ الحرمين الشريفين من أولِ ساعةٍ يُنادِي بتحكيم الحقِّ والعدل، والمنطقِ والحِكمة والعقل، وتقديمِ المصالحِ العامة العُليا على المصالحِ الشخصيةِ حقنًا لدماءِ المُسلمين، وحِفظًا لوَحدة صفِّهم وأراضيهم، ودفعًا للخلافات الطائفية والمذهبية، وثباتًا على مواقفِ الدين والأخلاق، ووقفَ حفظه الله صادِعًا بكلمةِ الحقِّ والعدلِ مع إخوانه وأصدقائِهِ الغَيورين.

فسدَّدَ اللهُ المساعِي، وأصلحَ الشأن، وجعلَ العواقِبَ إلى خيرٍ.

       وإنَّا لنُؤمِّلُ في صُبْحٍ يَطوِي الليلَ الخانِقَ، وتتنفَّسُ له الأزهارُ، وتُشرِقُ به شمسُ الخلاص، والأملُ بالله كبير أن تعُودَ إلى بُشراها الأيام، والسماءُ تُرجَّى حين تحتجِبُ.

       عسى اللهُ أن يُبدِّلَ ليلَكم صُبحًا، وخوفَكم أمنًا، وبلاءَكم عافيةً، وأن يُولِّي عليكم خِيارَكم، ويكفِيَكم شرَّ شِرارِكم، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (يوسف: 21).

       باركَ الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفَعَنا بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.

       إن الجُرحَ غائِر، والمُصابَ عظيم، والألمَ شديد، ولكنَّ الوعيَ الذي أحدَثَه هذا الدمارُ في الأمةِ كبير، ولئن اشتَكَت الشامُ؛ فلقد تداعَى لها جسدُ الأمةِ بالحُمَّى والسَّهَر، وظهر التلاحُمُ بين المُسلمين، وسرَت الحياةُ في جسدهم الواحِد، وضجَّت المساجِدُ بالدعاء، واستيقَظَت في الأمةِ مشاعِرُ دفينة، مشاعِرُ كادَت أن تنطمِس، وكادَت أن تقضِيَ عليها شهواتُ الحياة، ولطالَما حاولَ أعداءُ الإسلام تخديرَها بالمُلهِيات ووسائل الترفيهِ زعَموا.

       وإذ بها تستيقظُ من جديدٍ، وتتأجَّجُ في القلوب، وهي ترى دماءَ الأحِبَّةِ تجري على أرضِ الشامِ المُبارَكة، وعادَ الناسُ عودةً صادقةً إلى الدين، وبانَ صِدقُ الصادقين، وظهر خذلان الخاذِلين، واهتزَّت ثقةُ العالَمِ بمُنظَّماته الدولية، وتبيَّن أنها لا تتحرَّكُ إلا وفقَ مصالِحها الأنانية، لا يُؤثِّرُ في قلوبِ أربابِها صريخُ الأطفال، وأنينُ الجرحَى والمُعذَّبين.

       معاشر المُسلمين، إن التعرُّف على أوجهِ الخيرِ والرحمةِ في هذه الأحداث، والرضا بقضاء الله عز وجل والتسليمِ لقدره، لا يعني التواكُل والعَجز، والرِّضا بالفساد والذِّلَّة والمهانة، وتركَ الأخذِ بأسبابِ النصرِ والعِزَّةَ والكرامَة، ولكنَّه يُقوِّي اليقينَ بوعد الله سبحانه، والثقةَ بنصره، والاطمئنانَ إلى قضائِهِ وتدبيرِه.

الابتِلاءُ رفعةٌ وتطهيرٌ وتمحيصٌ، والشهادةُ اختيارٌ واصطِفاءٌ، {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى} (القصص: 60).

الألمُ يُولِّدُ الأمل، وبقدر ما يشتدُّ الكربُ يحصُلُ اليقينُ بقُرب الفرَج، واعلَم أن النصرَ مع الصبر، وأن الفرجَ مع الكَرب، وأن مع العُسرِ يُسرًا.

بالصبرِ يكونُ المَدَدُ من السماء، {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} (آل عمران: 125).

وبالصبرِ يذهبُ أذى الأعداء، {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} (آل عمران: 120).

ولقد أثنَى اللهُ على الصابرين في البأساء والضرَّاء وحين البأس، فقال سبحانه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (البقرة: 177).

       إنه لا بُدَّ من الصبر ولا بَديلَ عنه، لا بدَّ من الصبرِ على ما تُثيرُه الأحداثُ من الألمِ والغَيظ، ومن اليأسِ أحيانًا والقُنوط، لا بُدَّ من الصبرِ ومن المُصابَرة، مُصابَرة الظالمين الذين يُحاوِلون جاهِدين أن يفُلُّوا من صبر المؤمنين.

       وإذا كان الباطلُ يُصِرُّ ويصبِرُ ويمضِي في الطريقِ، فما أجدرَ أهلَ الحقِّ أن يكونوا أشدَّ إصرارًا وأعظمَ صبرًا، {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} (النساء: 104).

فيأهل الشام، {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (الأعراف: 128).

       إن الله عز وجل قد تكفَّلَ لنبيِّه بالشام وأهله، من تكفَّل الله به فلا ضيعَةَ عليه، وإن وصفَ الشام في الكتاب والسنة بالبركة لمُبشِّرٌ بأنه لن يطُولَ فيها أمَدُ الفتنةِ والطُّغيان؛ لأنها موطِنُ برَكةٍ وأمنٍ وإيمانٍ.

       ولقد كان الشامُ مقبرةً لأعداءِ الأمةِ والكِبار؛ ففيها انكسَرَ الصليبيُّون والتتار، وفيا يُغلَبُ الروم كما في حديثِ المَلحَمة الكُبرى، وفيها يُهلَكُ الدجَّال ومن تبِعَه من اليهود، وقد جعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم فسادَ الشام مُؤذِنًا بذهابِ الخير من الأمة، وجعل صلاحَها مُبشِّرًا بصلاح أمرِ الأمةِ كلها، وهاهي اليوم تجِيءُ البُشريات والليالي بالأماني حافِلات.

 

 

  

فتوى الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح تطالب الجيش السوري المسلم عن الانفصال من القوات النظامية

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على إمام النبيين وقائد الغر المحجلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

       فبما أخذ الله تعالى من الميثاق على العلماء، فإن الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح تفتي بكفر النظام السوري الطائفي وإباحة دم رأس هذا النظام المجرم الذي ولغ في دماء السوريين، وأهان المصحف الشريف، واعتدى على حرمات المساجد، وأزهق الأرواح المعصومة، وأتلف الأموال المصونة، وتجبَّر واستكبر في الأرض بغير الحق.

       وتدعو الهيئة كل قادر من أفراد الجيش والشرطة أن يتولى هذا الشرف بنفسه دفاعًا عن دينه وعرضه وأمته، والمقتول في هذا الجهاد بإذن الله تعالى نحتسبه من الشهداء: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (آل عمران: 169).

       كما تفتي الهيئة الشرعية وحدات الجيش السوري المسلم بالانفصال عن جيش النظام الفاجر والانضمام إلى الجيش السوري الحر، وتدعو الهيئة الشرعية الأمة الإسلامية بحكوماتها وهيئاتها المختلفة إلى إمداد الجيش الحر بالسلاح والمال والدعاء في الأسحار! قال تعالى: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} (الأنفال: 72).

       وتجدد الهيئة ما سبقت الفتيا به لأفراد الجيش النظامي وقياداته بأن كل من قَتل أو أَمر بالقتل أو أعان عليه -بغير حق- فقد أتى ما يهدر به دمه، وتحل به عقوبته في الدنيا والآخرة، لا فرق بين حاكم ومحكوم أو قائد وجنود، وقد قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (المدثر: 38).

       ومع تأكيد الهيئة على سلمية المظاهرات والمطالبات إلا أن لكل فرد من الأفراد المدنيين أن يدفع العدوان عن نفسه وأهله وعرضه وماله، والمقتول دون ذلك نحتسبه عند الله من الشهداء، قال رسول الله[: «من قتل دون ماله فهو شهيد, ومن قتل دون أهله فهو شهيد, ومن قتل دون دينه فهو شهيد, ومن قتل دون دمه فهو شهيد» رواه أحمد والنسائي.

       وأخيرًا فإن على علماء السلطان وعمائم الطغيان ورؤوس الفتنة والبدعة أن يستقيلوا من وظائفهم، ويتبرَّؤوا من ممالأة الكفر والإجرام، وألا يبيعوا دينهم وآخرتهم بدنيا قد أدبرت عن غيرهم.

       وليذكروا أن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ومقته يهوي بها في النار سبعين خريفًا، ويلقى الله تعالى وهو عليه ساخط، قال تعالى {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} (محمد: 38).

       اللهم انصر أهل الإسلام والسنة في سوريا، واشدد بأسك ووطأتك على النصيرية، وهيِّئ لها يدًا من السنة حاصدة، وعجِّل بفرج المظلومين، وانتصر لدماء المسلمين، ومكِّن لعبادك المخلصين، وجندك الغالبين، إنك أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

لجنة الفتوى بالهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح رئيس لجنة الفتوى

- الأستاذ الدكتور علي أحمد السالوس

 رئيس الهيئة الشرعية   نائب رئيس اللجنة

- الشيخ مصطفى محمد مصطفى

عضو مجلس الأمناء  مقرر اللجنة

- الدكتور محمد يسري إبراهيم

الأمين العام

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك