رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ/ صالح بن فوزان الفوزان 6 يونيو، 2017 0 تعليق

شهر رمضان.. فرصة لاستثمار الأوقات وعدم إضاعتها في النوم والكسل واللهو

قال اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}، {أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}: أي ابتدأ إنزال القرآن على الرسول- صلى الله عليه وسلم- في هذا الشهر المبارك ثم تتابع إنزاله عليه حتى تكامل في خلال ثلاث وعشرين سنة. فالقرآن نزل على الرسول-صلى الله عليه وسلم- مُنجمًا، مرتلًا، بمعنى أنه متتابع {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} فهو مرتلٌ في نزوله كما أنه يُرتلُ في تلاوته.

     والترتيل معناه: الترسَّل شيئًا فشيئًا، القرآن لم ينزل على الرسول جُملة واحدة، بل نزل بالتدريج شيئًا فشيئًا، وقيل {أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} جُملةً إلى السماء الدنيا، في البيت المعمور في السماء الدنيا، ثم نزل على الرسول-صلى الله عليه وسلم- مُفرقًا، الحاصل أن القرآن لم ينزل على الرسول -صلى الله عليه وسلم- جُملةً واحدةً؛ لأن هذا فيه مشقة على الناس لكنه نزل مُرتلًا يعني شيئًا فشيئًا خلال ثلاث وعشرين سنة، ثم تكامل نزوله في ختام حياة الرسول-صلى الله عليه وسلم-. ولذلك كانت تلاوة القرآن في هذا الشهر لها خاصية، القرآن يُتلى في كل وقت ولكنه في هذا الشهر تتأكدُ تلاوته، وتكراره بالتلاوة لفضل الزمان، وشرف الزمان؛ فينبغي للمسلم أن يُكثر من تلاوة القرآن في هذا الشهر خاصة، ويقرؤه ويتلوه في غيره من الشهور لكن يتلوه أكثر في هذا الشهر.

     وكان النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم- يُقبل على تلاوة القرآن في هذا الشهر، وكان جبريل -عَلَيْهِ السَّلامُ- ينزل على الرسول-صلى الله عليه وسلم- كل ليلة في هذا الشهر يُدارسه القرآن، فتلاوة القرآن في هذا الشهر وتكراره أفضل من غيره؛ لأن الله أنزله فيه، فينبغي للمسلم أن يُكثر من تلاوة القرآن في هذا الشهر.

حال السلف مع القرآن في رمضان

     وكان السلف الصالح إذا حضر رمضان أحضروا المصاحف، وأقبلوا على تلاوة القرآن في المساجد، وتركوا حِلق الذكر وتدريس العلم وأقبلوا على القرآن يتلونه، ويتدبرونه ويعملون به، هذا شأن المسلم مع القرآن دائمًا وأبدا؛ لأنه كلام رب العالمين، قال-صلى الله عليه وسلم- «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ». وقال - عَلَيْهِ الصَلَاةُ وَالسَلَامُ - «الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ يُتَعْتِعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌ لَهُ أَجْرَانِ».

     فالمسلم لا يترك تلاوة القرآن ولو بالتهجي، ولو كان لا يجيد القراءة ويتعتع فيها، فلايترك تلاوة القرآن في كل أمره ولكن في هذا الشهر خاصة؛ لأنه الشهر الذي أُنزل فيه القرآن، {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} تلاوة القرآن تُضاعف في هذا الشهر من غيرها لأنه الشهر الذي أُنزل فيه القرآن؛ ولأنه شهرٌ فضله اللهُ على غيره من الشهور. فيحتسب المسلم إقباله على تلاوة القرآن سواءً يقرؤه عن ظهر قلب، أو يقرؤه من المصحف على حسب استطاعته وله هذا الأجر العظيم من اللهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

المراد التدبر

     وليس المراد من تلاوة القرآن مجرد المرور على الحروف والسور ولكن المراد التدبر، التلاوة مع التدبر بحسب استطاعة الإنسان وفهمه، يتدبر القرآن؛ إذا مر بآيات الوعيد يستعيذ بالله - عَزَّ وَجَلَّ - وإذا مر بآيات الرحمة يسأل الله الرحمة، كما كان النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يفعل ذلك. ويتأمل معاني القرآن بحسب استطاعته، حسب فهمه.

     فهذا شأن المسلم مع القرآن في شهر رمضان المبارك، ومن كان لا يستطيع قراءة القرآن كله لا عن ظهر قلب ولا من المصحف فإنه يقرأ ما يستطيع قراءته منه، ويردد ذلك ليحصل على هذا الأجر العظيم، المهم أن الإنسان يشغل نفسه بتلاوة القرآن كله أو ما تيسر منه ويردد ذلك ليحصل على هذا الأجر العظيم بكل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها، كم حروف القرآن؟ كثيرة، كل حرف منها بحسنة والحسنة بعشر أمثالها، أجور عظيمة وخير كثير لمن وفقه الله سبحانه وتعالى.

شهرٌ كله خير

     ولنعلم أن هذا الشهر العظيم، شهر الصيام، شهر القيام، شهر تلاوة القرآن، شهرٌ عظّمه الله -سبحانه وتعالى- وأنزل فيه كتابه، وفرض على المسلمين صيامه وسنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لأمته قيامه، وهو شهر كله خير ليله ونهاره، ساعاته وأوقاته ولكن بعض الناس أو كثيراً من الناس يُعدُّ هذا الشهر شهر النوم والكسل، ويكون أغلب وقته نائماً بالنهار، يسهر الليل لا على صلاة وتلاوة وإنما على قيل وقال، وذهابٍ هنا وهناك فيخسر هذا الفضل العظيم، يدخل عليه الشهر وينتهي ولا يستفيد منه شيئاً بل ربما يتحمل الآثام.

خسارة عظيمة

     وفي هذا الشهر شهر رمضان يعدون البرامج الهابطة، لا يحترمونه ولا يكرمونه، ويجعلونه شهر لهو ولعب وسخرية، سهر في الليل ونوم في النهار. هذه خسارة عظيمة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. أوقات الفضائل ليس له نصيب منها إلا أنه يتحمل الأوزار؛ لأنه لا يحترم الشهر ولا يقدره وإنما يزيد غفلته ولهوه ولعبه في هذا الشهر، هذه خسارة عظيمة، الواجب علينا جميعاً أن نحاسب أنفسنا وماذا عملنا في هذا الشهر؟ نخلص النية لله -عز وجل- ننتهز الفرصة التي أعطانا الله -سبحانه وتعالى-؛ حيث قد صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر وقال: «آميـــن آميـــن آميـــن»، ثم قال لأصحابه: «أتدرون لماذا اعترضني جبريل عليه السلام؟ فقال يا محمد من أدرك شهر رمضان ولم يُغفر له مات ودخل النار قل آمين. فقلت: آمين. قال ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة قل آمين. فقلت: آمين. قال ومن ذكرت عنده يا محمد ولم يصل عليك فمات فدخل النار قل آمين. فقلت: آمين». هذه الفرص تمر على الإنسان وهو غافل لا يدري عنها يخسرها ويخسر ما فيها من الفضل، الناس مع الدنيا. لو ذكر أن هناك سوقاً فيه مرابح فيه تجارة تعرض فبادروا إليه ولكن مرابح الشهر وما فيه من الخير يهملونه، هذه خسارة عظيمة قد يكون بعضهم ينام النهار يسهر الليل، ولا يصلي الفروض في أوقاتها ولا مع الجماعة هذه خسارة عظيمة وضياع وهلاك. الواجب على المسلم أن يخاف ربه، وأن يغتنم هذه الأوقات قبل فواتها، ويجتهد في ذلك ويترك عنه الكسل، ويترك عنه النظر فيما يُعرض في الشاشات من البرامج الهابطة والمشغلة والمؤثِّمة، يتركها ولا ينظر فيها، كما ينظر في كتاب الله ويشغل وقته في طاعة الله. وما هي إلا أيام يسيرة ثم تنتهي، لكن ماذا حصلت عليه فيها من الخير أو من الإثم؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله. نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك