رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 18 يونيو، 2012 0 تعليق

شهادة يهودية على ما يحدث في القدس ( 2/3) كيف تسرق أراضي القدس من أهلها؟! ويدعون بعدها أنهم اشتروها؟!

 

في الحلقة السابقة من شهادة يهودية على ما يحدث في القدس التي كتبها د.(مائير مارجليت) الباحث في تاريخ المجتمع اليهودي في فلسطين إبان الانتداب البريطاني، وهو عضو في مجلس بلدية مدينة القدس الغربية، ويعد خبيراً في قضايا سياسة بلدية القدس، ويعمل (مارجليت) أيضاً مستشاراً للعديد من المنظمات الدولية، عرضنا شهادته على حقيقة ما يجري في القدس من استيلاء وتهويد في كتابه: «إسرائيل والقدس الشرقية.. استيلاء وتهويد»، الذي ترجمه إلى العربية مركز القدس للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في عام 2011م.

وفي هذه الحلقة سنعرض حقيقة المغتصبين اليهود الذين - أسموهم زوراً مستوطنين-وكيف تُغَذى دوافعهم الدينية؟ وما مدى ارتباط هؤلاء مع مخططات دولة الاحتلال، وكيف تسرق الأرض في القدس قطعة قطعة ومنزل منزلا؟

فتحت عنوان «أيديولوجية المستوطنين» كتب الآتي: إن الإيديولوجية التي تحرك المستوطنين في القدس الشرقية هي خليط من الأفكار المسيحية والقومية، وهذا لا يختلف عن بقية المستوطنين في أماكن أخرى من الضفة الغربية، فهدفهم الأساسي هو استعادة الأرض في القدس الشرقية وتسليمها إلى الشعب اليهودي.

       وتلك الأنشطة هي جزء من عملية إعادة الشعب اليهودي الطبيعية إلى وطنه، إلى المكان الذي طُرد منه، ولا يكمن فيها أي توجه سياسي، بناء القدس هو هوية الشعب الوطني». ويحدد إعلان لعطرات كوهانيم هدف المنظمة على أنه العمل في «الشراء والتحديث، وجلب سكان يهود جدد إلى بيوت وأملاك في البلدة القديمة وحولها، قطعة أرض بعد قطعة أرض، ومنزلا بعد منزل، وخطوة خطوة، القليل في كل مرة».

       وحول الدافع الديني الذي يغذي هؤلاء المستوطنين ذكر الحقيقة التالية: إن ما يُغذي دوافع المستوطنين هي الوصايا الدينية، وبما أن خطة مقدسة هي التي تهدي عملهم فإنهم متأكدون أن الزمن إلى جانبهم وبأن «رب إسرائيل لن يخيب الآمال»؛ لذا فإنهم يعدون عملهم في القدس الشرقية بمثابة رسالة، واجب لا يحقق الأهداف العليا للأمة وحسب، بل هو مشيئة إلهية كذلك. إنه إيمان يُضفي على حياتهم أهمية ويملؤهم بالفخر. تحمل سيدة مستوطنة في مجمع مدينة داوود مثل هذه المشاعر، وقد قالت: «إن العيش هنا هو امتياز هائل! إنه يعني العيش في مكان له قيمة هائلة، ليست أثرية وتاريخية، بل مكان يحمل في داخله قيمة روحية. إنه حقاً الأرض المقدسة. والعيش هنا يعني أن ترتبط بقيمة أبدية».

       ويضيف: «لقد طفت إلى السطح بشكل مستمر فكرة بناء «الهيكل الثالث»، وذلك منذ احتلال البلدة القديمة من القدس في 1967م. وتستند الفكرة إلى إيمان ديني بأن بناء الهيكل هو مرحلة ضرورية يتطلبها الإسراع في مجيء المسيح، لذا فإن مجمل مفهوم «الخلاص» يكمن في تدمير المسجد الأقصى، ومن ثم بناء الهيكل.

       وتواجه هذه الفكرة صعوبات رئيسة تنبع من القانون الديني اليهودي (الهالاخا)، على سبيل المثال: هل الشعب اليهودي نقي بما فيه الكفاية كي يدخل المعبد؟ ولكن العقبة الرئيسة هي الوجود الإسلامي في ساحة الحرم على شكل المسجدين الكبيرين. ومن هذه الزاوية، لا يشكل المسجدان مشكلة سياسية وحسب، بل أيضاً عقبة أمام فكرة «الخلاص» بحد ذاتها، فاليهودي الذي يرغب في التسريع في الخلاص و«عودة» المسيح يجب أن يفعل كل ما في وسعه لحل هذه المشكلة.

       وهذا المفهوم ليس مقصوراً على أطراف المجتمع المتدين، بل هو منتشر بين صفوف الحركة الدينية – الصهيونية الوسطية، ويتبعها أيضاً العديد ممن في مؤسسات الدولة.

       ويعد المستوطنون الراديكاليون أن اندلاع حرب بين العالم الإسلامي ودولة (إسرائيل) يشعلها إلحاق أضرار بالمسجدين، هو مرحلة نحو حدوث حرب بين يأجوج ومأجوج، الحرب الهائلة المُنتظَرة، والتي ستسبق «الخلاص» وتُسرِّعه، إنهم يحلمون بتقريب ذلك الحدث بأية وسيلة، حتى يؤدي مجيء المسيح، ابن داوود، بالتسريع في إقامة مملكة إسرائيل؛ لذا فإن تواجد المستوطنين في حي المسجد الأقصى في البلدة القديمة يشكل خطراً كبيراً على الأمن العام.

مصادر قوة المستوطنين

وبعنوان «مصادر قوة المستوطنين وسلطتهم» كتب أدناه:

       إن نشاط المستوطنين في شرقي المدينة ليس من نوع نشاط «الأنصار»، تقوم به مجموعة كوادر مثالية توجد على هامش مؤسسة الدولة. المستوطنون هم ذراع الحكومة الإسرائيلية الطولى يقومون بالأعمال القذرة التي لا تستطيع الدولة نفسها القيام بها، إنهم مرتبطون بمركز الحكومة اللوجيستي، وتغذيهم أمواله، ويعملون بوحي منه، كما أنهم يخضعون لسلطته.

       وتحتفظ منظمات المستوطنين بنظام صلات معقد مع كيانات الدولة ذات الصلة، وقد وضعوا في سلطة الطبيعة والمتنزهات الوطنية المدعو (إفياتار كوهين)، مدير منطقي، وهو نفسه مستوطن سابق في سلوان؛، وقد أخذوا يحولون، بمساعدته، مساحات شاسعة من الأراضي إلى متنزهات وطنية، وذلك من أجل تعزيز سيطرتهم على الأرض. وفي سلطة الآثار استطاعوا الحصول من شوكا دورفمان (Shuka Dorfman) – الذي هو جنرال سابق من الطينة ذاتها – على إذن فريد للقيام بحفريات أثرية في مواقع حساسة، وبهذه الطريقة استطاعوا الحصول على قطع من أراض غاية في الأهمية، وراحوا في الوقت ذاته يعيدون كتابة التاريخ.

       وتموِّل وزارة الإسكان حراسة وأمن جميع البيوت التي سيطر عليها المستوطنون، ويقوم حارس أملاك الغائبين في وزارة العدل والحارس العام في وزارة الخزينة بتسليم ممتلكات إليهم دون طرحها في مناقصة، وحتى الشرطة الإسرائيلية توفر لهما دعماً علنياً وخفياً، الأمر الذي اكتسب حافزا إضافياً مع انتخاب الوزير (إتسحاق أهارونوفيتز) (Yitzhak Aharonowitz)، الذي ينتمي إلى حزب ليبرمان اليميني.

       ويظهر دعم الشرطة بسهولة خلال كل حملة تُشن على بيت عربي، كما أنه يظهر أيضا في المحاكم عند النظر في الاستئناف الخاص بإخلاء (بيت يهوناتان) (Beit Yehonatan) في سلوان، ادعى المستوطنون هناك، في دفاعهم، أنه لم تكن لديهم أية فكرة بأن البناء عمل غير شرعي؛ لأن موظفين كباراً في وزارة الإسكان وفي الشرطة الإسرائيلية قدموا لهم المساعدة في عملية البناء، وساعدوهم في الحصول على العمارة.

       إن النظام البلدي يؤيد المستوطنين وهو في خدمتهم إلى حد لا نهاية له تقريباً، فرئيس بلدية القدس مدين لهم بانتخابه الذي تحقق بتصويت القطاع الديني الوطني لصالحه بشكل هائل، وأكثر من ذلك تنبع التبعية من صلاتهم الوثيقة بالحكومة، والتأييد المطلق لهم من وزير الداخلية (إيلي يشاي) (Eli Yishal)، المسؤول عن السلطات المحلية، وبالتالي عيَّن رئيس البلدية (ياكير سيجيف) (Yakir Segev) مسؤولاً عن القدس الشرقية وحلقة الصلة مع منظمات المستوطنين.

       وليس ثمة ما يثير الدهشة في أن المسؤولين في البلدية الذين يدركون أن جميع الأبواب مفتوحة أمام المستوطنين، يوفرون للمستوطنين خدمات علنية وسرية، حتى إن بعضهم لا يطلب موافقة المراتب السياسية العليا – المسؤول السابق عن الإشراف على البناء في البلدية كان في السابق عضواً في الحركة التي تطالب بتحويل إسرائيل إلى مملكة يهودية، ولديه دوافع قوية لمساعدة المستوطنين.

       وكشفت عريضة تقدمت بها في تشرين الأول (أكتوبر)) 2009 جمعية أرض أميم (Ir Amim Association)  (مدينة الشعوب) بالاشتراك مع بيبي علالو (Pepe Alalo)، الذي هو نائب رئيس البلدية عن كتلة ميريتس، عن الطريقة التي يدخل بها المستوطنون إلى أنظمة العمل المهني في البلدية، وطالبت العريضة بإلغاء الخطة الرئيسة رقم 11555 التي أعدتها البلدية لمنطقة سلوان.

       وتكشف سجلات البلدية أن مستوطنين من جمعية إلعاد قد ساهموا بنشاط في اجتماعات البلدية التي عالجت موضوع تخطيط المنطقة، وقاموا بدفع التكاليف مباشرة إلى المهندس المعماري الذي صمَّم المنطقة. وللخطة الرئيسة التي تم إعدادها عدة مزايا بالنسبة للمستوطنين، وتتجاهل أيضاً احتياجات السكان الفلسطينيين. لقد تصرفت البلدية بشكل غير سليم عندما تبنت الخطة الرئيسة، وقد تبنتها دون أن تكون قد حصلت على تخويل رسمي لذلك، وسمحت أيضاً لجمعية إلعاد بأن تتقدم ببرنامج البناء وفقاً للمخطط الذي كانت الجمعية شريكا في إعداده وتمويله.

 

 

أملاك تم الحصول عليها من عائلات فلسطينية:

يستولي المستوطنون على أملاك العرب في القدس الشرقية باستخدام وسائل عدة، منها:

       أملاك يكون أحد أعضاء العائلة التي تملكها متورطاً في قضايا إجرامية، ويكون لديه الاستعداد لبيع كل شيء يقدر عليه من أجل الكسب المالي، وهؤلاء الناس يكونون فريسة سهلة وبالإمكان إغراؤهم ببساطة نسبية، وفيما يلي ثلاثة أمثلة على ذلك:

       بيت دانون (Danon House) الواقع في شارع باب السلسلة اشترته عطرات كوهانيم من تاجر مخدرات كان في الوقت ذاته مخبراً لدى الشرطة، وقد قام مجرمون آخرون بكشف سره وطبيعة أعماله، فأرغم على الفرار خوفاً من انتقام شركائه السابقين. شرجاي، (1995).

       بيت الجولاني تم الاستيلاء عليه بعد أن قام أحد أبناء العائلة الذي كان مدمن مخدرات وله باع في النشاط الإجرامي ببيع منزل العائلة المكون من طابقين دون أن يكون لديه توكيل بذلك، وباع أيضاً أربع وحدات سكنية أخرى، على الرغم من أنها كانت مسجلة بأسماء إخوته الأربعة.

 

 

أدا أوشبيز – Ada Ushpiz, 2004)
بيت عائلة دانا (Dana Family) تم بيعه أيضاً إلى مستوطنين بعد أن تورط أحد أبناء العائلة في قتل قروي آخر، وترك المنزل هرباً من الثأر.

       قطعة أرض تعود لمحمد مرقة الذي أصبح مديناً بمبالغ طائلة، تم بيعها كذلك، وقام المستوطنون ببناء عمارة من سبعة طوابق على قطعة الأرض ودون ترخيص.

       أملاك سيُنَفَّذ خلال فترة قصيرة أمر صادر بهدمها، ويواجه المالكون الخيار إما أن يبيعوا بيتهم إلى المستوطنين ويحصلوا، على الأقل، على شيء من أموالهم، أو أن يخسروا كل شيء. في حالات مشابهة يمكن الافتراض أن مفتشي البلدية يبلغون جمعيات المستوطنين بأخبار البيوت التي على وشك أن يجري هدمها، فترسل تلك الجمعيات سماسرة «واجهة» عربا يُنهون الصفقة نيابة عن المستوطنين. إنا نعرف عن واحد من هؤلاء المفتشين، وهو المسؤول عن منطقة سلوان وله علاقات وثيقة مع المستوطنين وبعض المصادر في البلدية. لقد كان ماتي دان (Matti Dan)، وهو أحد قادة حركة الاستيطان، الأداة في وقف النية لنقل هذا المفتش إلى منطقة أخرى.

       أملاك العائلات التي تتورط في الديون وتضطر إلى بيعها لتسديد ما عليها من ديون، وكانت تلك هي الظاهرة السائدة خلال السنوات القليلة الماضية، وبالأخص منذ اندلاع الانتفاضة الثانية وتباطؤ الاقتصاد، فَقَدَ العديد من العمال العرب في قطاعات البناء والفندقة والخدمات أعمالهم، وبالمثل عندما خفَّت السياحة وتراجعت التجارة بسبب الوضع الأمني تضررت بشكل كبير معيشة العديد من العائلات في القدس الشرقية. ويتحدث نداف شرجاي (Nadav Shragai) عن أحد سكان البلدة القديمة الذي كان في حاجة إلى عملية جراحية كبيرة في القلب في الولايات المتحدة الأمريكية، فقامت عطرات كوهانيم بتغطية نفقات سفره وإقامته وكذلك نفقات العملية الجراحية، مقابل بيته في الحي الإسلامي. شرجاي (1995).

       أملاك تؤخذ عنوة وبالقوة، فقد اضطرت بعض العائلات الفلسطينية في بعض الحالات إلى ترك بيوتها لأن حياتها أصبحت لا تُحتمل، وأُرغِمت في العام 1982 العائلات التي كانت تعيش في ساحة مدرسة حي عُلام الدينية (Hayei Olam Yeshiva) في شارع الخالدية على التخلي عن بيوتها، بعد أن عانت من المضايقات المستمرة. وبعد رحيلها استولى رجال المدرسة الدينية على البيوت، وما زالوا فيها حتى يومنا هذا.

       ممتلكات تم الحصول عليها بتعاون الحكومة، حيث يتسلم المستوطنون عند أية فرصة أبنية من مجموعة من مؤسسات تابعة للدولة، وكانت وزارة الدفاع هي إحدى المصادر القريبة جداً من المستوطنين، وتقوم بتسليمهم البنايات التي تُصادر لأسباب أمنية، وعلى سبيل المثال، قامت قوات الأمن بوضع يدها على منزل عائلة الشهابي وإغلاقه بالشمع الأحمر بعد العام 1967م، عندما اشترك أحد أبناء العائلة بنشاط إرهابي (مقاومة الاحتلال) واستولى المستوطنون بعد ذلك على المنزل وما زالوا فيه حتى يومنا هذا، أي بعد مُضي أربعين سنة، وأظهرت الأدلة فيما بعد أن الإذن بالدخول إلى المنزل جاء من مكتب وزير الدفاع في حينه أرييل شارون، وسلَّمَت وزارة الدفاع منزلين آخرين للمستوطنين، هما منزل عائلة ميلاح (Mialah)، ومنزل عائلة الطاحاري (El Tahari)، ويقعان في شارع الواد – تمت مصادرتهما في 1969م بموجب أمر أصدره قائد المنطقة الوسطى المدعو رحافام زئيفي (Rehavam Zeevi) (الذي تنشط ابنته في صفوف عطرات كوهانيم) واتُخِذ الإجراء بعد اغتيال شخص كان يُصلي بالقرب من المنزلين، رغم عدم العثور على أية صلة على الإطلاق بين جريمة القتل وهاتين العائلتين.

       وختم المؤلف كتابه بالآتي: إن وجود المستوطنات اليهودية في القدس الشرقية هو حالة كلاسيكية من حالات الكولونيالية، وقد يكون هذا القول مجرد تأكيد على أمر واضح، ومع ذلك فإن من الضروري التأكيد عليه، ولا سيما في وجود أعداد متزايدة من الناس على الصعيد الدولي توافق على الوجود اليهودي في القدس الشرقية، وكأنه أمر طبيعي، أو يجب أن يكون كذلك.

       ويُمثل المستوطنون اليهود في القدس الشرقية نموذجاً كلاسيكياً للكولونياليين، والكولونيالية بمعناها التقليدي هي زرع سكان مدنيين غرباء في وسط أرض محتلة. وتظل الحقيقة، وفق القانون الدولي، أن القدس الشرقية هي أرض محتلة، وتنبع من ذلك حقيقة أن حكم إسرائيل للمدينة هو أمر مخالف للقانون.

       وفي هذه الحالة، ومن أجل ضمان السيطرة على الأرض يبدو نموذج الكولونيالية ويتضح من تشجيع الدولة لمواطنيها على أن يصبحوا مستوطنين في الأرض. وهكذا، فإن استعمار القدس الشرقية لا يختلف عن العمليات المشابهة التي جرت في أفريقيا وآسيا وحتى في الأمريكتين. ولكن، وخلافاً لأنواع نماذج الكولونيالية الأخرى، فإن الحافز على استعمار القدس الشرقية لا يقوم على الاقتصاد أو الدوافع الإمبراطورية، بل هو الأيديولوجية والدين، ولكن عواقب الاستعمار لا تختلف بالنسبة لسكان المدينة المحليين الأصليين؛ لذا، رغم كون الحالة هي حالة فريدة، فإن الوجود اليهودي في القدس الشرقية، يُشكِّل حالة كولونيالية كلاسيكية.

       إن الاستنتاجات التي توصل إليها هذا البحث عن المستوطنات اليهودية في القدس الشرقية سيوضح مدى التأثير السيكولوجي لذلك على السكان الفلسطينيين ككل، والقضية التي ستظل مفتوحة من وصف هذا الوضع هي مدى نجاح المستوطنات في تغيير الطابع المتناسق للمناطق. وفي رأينا فإن المستوطنات أخذت تنجح في تعكير المجال الإقليمي، وسيتم بالتأكيد تغيير مفهوم المجال وطابعه، ففي سلوان حققت إسرائيل جمهوراً حاسماً من المستوطنين، والتغييرات الواضحة التي تمت من خلال هيمنة السكان اليهود، قد تم قبولها، على ما يبدو، حتى من المؤسسات الفلسطينية.

       وبعد أربعة عقود من «إعادة توحيد» المدينة بالقوة على يد القوات الإسرائيلية المسلحة، لا تزال المدينة مقسمة، كما كانت في الماضي. والعوائق السيكولوجية والاجتماعية.

       والاقتصادية ما زالت أعلى من الأسوار التي قسَّمَت المدينة قبل 1967 إلى الجزء الغربي والجزء الشرقي. لقد أصبح الإسرائيليون والفلسطينيون خلال هذه الفترة، مواطنين في عالمين منفصلين عن بعضهما، وغير قابلين للتصالح، هوة تفصل بينهما، إنهم يقيمون في المجال الأرضي ذاته، ولكنه يبدو أنهم يقيمون في كوكبين منفصلين؛ تيار من الكراهية يجري في عروقهم، لقد فشل مشروع الضم الإسرائيلي فشلاً ذريعاً، ويجب ألا يثير ذلك دهشة، بما أن إسرائيل لم تنوِ على الإطلاق دمج الجزء الفلسطيني من المدينة دمجاً كاملاً.

       كانت تتوق للحصول على الأرض، ولكن دون سكانها، وإعادة التلاقي اليهودي مع «البلدة القديمة» ولََّّد شغفاً بالأرض نفسها مقروناً بشعور بالخوف من العنصر البشري الموجود عليها. ومن ناحية وجدت إسرائيل أن هذه المواقع ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتاريخ اليهودي، ولكن من الناحية الأخرى، كان هناك أيضاً وجود سكان عرب. وهذا الواقع لم ينسجم مع صورة المدينة التي سبق أن كونها الناس في مخيلتهم. فاتبعت الحكومة، التي واجهت هذا الانفصام، سياسة حضرية تهدف إلى «أسرلة» مثابرة للجزء الشرقي من المدينة، مقرونة بتخفيض الوجود الفلسطيني فيها إلى الحد الأدنى.

       وأنهى الكاتب ذلك الفصل بقوله: إن قصة القدس، خلال السنوات الأربعين الأخيرة، يمكن أن يُطلق عليها «أربعون عاماً من التمييز».، ويضيف: «ولهذا السبب فإن القدس هي أكثر من كونها مدينة، إنها برميل بارود قابل للانفجار خلال لحظات».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك