رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة - الفرقان: أحمد عبد الرحمن 18 يونيو، 2012 0 تعليق

شلالات الدماء في الحولة والحفة واللاذقية تقود سوريا إلى النفق المظلم- المجازر الطائفية.. الملاذ الأخير للنظام البعثي للبقاء في السلطة

 

يخطئ حكام سوريا كثيرًا إذا اعتقدوا أن سلاح المجازر الذي لجؤوا إليه طوال الشهور الماضية سيفت في عضد الشعب السوري وينهي الاختبار الصعب الذي يعانيه النظام منذ اندلاع التمرد على حكمه وانتشار الثورة وفي جميع المدن السورية حتى وصلت إلى حلب ودمشق وهي التي كان النظام يستخدم حالة الهدوء فيها لتسويق نفسه عالميًا خصوصًا أمام حلفائه في مقدمتهم روسيا والصين، غير أن تطورات الأحداث جعلت النظام يراهن على أن سلاسل المجازر كما حدث في الحولة والحفة والقبير هي السبيل الوحيد لردع الثورة ومنعها من التصاعد في حلب ودمشق.

عصيان وتمرد

       ويسود أجهزة النظام حاليًا اعتقاد جازم باقتراب الثورة من العاصمة دمشق في ظل المعارك التي اشتعلت في كافة الأحياء ولجوء النظام إلى الطائرات لوقف التمرد، وهو تطور يصعد من الضغوط على النظام خصوصًا أن العاصمة شهدت بوادر عصيان في الفترة الأخيرة منها الإضراب الذي انخرط فيه آلاف التجار احتجاجًا على مجزرة الحولة، ناهيك عن أن مدينة حلب تقترب من رفع راية التمرد بشكل تام ضد النظام ليضاف ذلك إلى تصاعد الأصوات إن كانت بشكل مكتوم داخل الطائفة العلوية من ضرورة النأي بنفسها عن مجازر النظام حتى لا تسدد وحدها فاتورة السقوط الحتمي للنظام، وهو ما ظهر في انخفاض وتيرة المظاهرات المؤيدة له التي كان يستخدمها النظام لتحسين صورته أمام العالم ومواجهة محاولات عزله، رغم ما يتردد من أن جناحًا ضيقًا داخل العلويين ينتقدون ما يعدونه تساهل الأسد وقواته مع الثوار.

       وتقدم هذه التطورات تفسيرًا للجوء النظام السوري لسلاح المجازر، فهو يدرك أنه يحارب في معركته الأخيرة ولم يعد أمامه إلا المجازر لكسر إرادة الثوار وتوصيل رسالة إرهاب لأهالي دمشق وحلب من أن وضعهم لن يكون أفضل من أهالي حمص ودرعا واللاذقية في حالة انضمامهم للثورة؛ اقتناعًا من جانب الأسد بأن اشتعال الثورة في دمشق - وهي الورقة الأخيرة بيده - ستكتب شهادة وفاته وتقود على مضض منه إلى أقبية المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي برفقة العصابة الداعمة له.

تطهير عرقي

       ويسعى الأسد من وراء المجازر التي امتدت من الحولة إلى الحفة والقبير لتقوية موقفه، فهو يدرك أنه يخوض المعركة وجيشه وحدهما دون أي دعم شعبي ولاسيما أن تأييد الأقلية العلوية خصوصًا في دمشق وحلب لم يعد قويًا وملموسًا، بل إن تيارًا واسعًا داخل الطائفة يتخوف بشدة من دفع فاتورة سقوط النظام ومواجهة مصير السنة نفسه في بغداد بعد سقوط النظام البائد إذا مورست ضدهم عملية تطهير عرقي شاملة في معظم أحياء العاصمة وتفشي القتل على الهوية بشكل أدى في النهاية لإخلائها من الوجود السني، وهو ما يخشى العلويون تكراره حال دعمهم كطائفة لمجازر الأسد ومذابحه ضد الطوائف السورية.

 إخفاقات متتالية

       ولتجاوز هذه العقبة عملت هذه العصابة الطائفية بقوة على جر العلويين إلى حرب مذهبية تأتي على الأخضر واليابس وبذل الجهود لتأمين دعمهم للنظام بشكل أكثر قوة وشراسة؛ تكريسًا لمبدأ أن الدفاع عن النظام هو دفاع عن الطائفة، وهو خطاب قد لا يحقق نتائج جيدة لسدنة النظام إذ إن هناك شبه توافق في أوساط الطائفة يفضل النأي بها عن جرائم النظام حتى لا تسدد وحدها فاتورة سقوطه ولاسيما بعد أن ضاقت الدوائر عليه وبدت عزلته أكثر وضوحًا في ظل المطالبات المستمرة بطرد سفرائه من العواصم الإقليمية والدولية وإخفاق حملته الإعلامية في تحسين صورته عالميًا وتصاعد الضغوط الغربية على موسكو وبكين للتخلي عن الأسد رغم أن كافة التسريبات الواردة من موسكو تشير لاستحالة ذلك باعتبار أن النظام هو آخر موطئ لموسكو في المنطقة.

تشدد روسي

       ويفصل الدكتور أحمد رياض غنام مؤسس تجمع «أحرار الشام» هذا الأمر بالقول: إن موسكو لا يمكن أن تتخلى أبدًا عن حليفها السوري فهي تدرك أن سقوطه حاليا يعني ببساطة انهيار نفوذها في المنطقة وخسارتها أسطولها البحري للمنفذ البحري الوحيد في المياه الدافئة بعد سقوط النظام الليبي، ومن ثم فهناك استحالة في تغير موقف موسكو في المستقبل المنظور على الأقل.

       وتابع أن موسكو وللتخفيف من حدة الضغوط الأمريكية المتصاعدة ضدها لجأت إلى تبني مواقف شديدة التعقيد للتخلي عن الأسد منها الحفاظ على القاعدة الجوية في تَدمُر والبحرية في طرطوس وعدم امتداد مشروع الدرع الصاروخية شرقًا بالقرب من أراضيها وهي مطالب سترفضها واشنطن بشدة مما سيجعل موسكو تدعم النظام بأقصى درجة.

       ويرى أن الشعب السوري سيدفع وحده ثمن هذه الصراعات الدولية على النفوذ بين واشنطن وموسكو وبين الصراعات المذهبية بين تركيا وإيران، فالأخيرة رغبت في الحفاظ على النظام حتى لو جاء ذلك بتفتيت سوريا وإنشاء دولة «الساحل» بحيث تحتفظ العائلة الأسدية بالحكم ومعها ارتباط جغرافي مع مناطق نفوذ حزب اللات في لبنان ليستمر تنفيذ مخطط الهلال الصفوي.

احتواء الملل

       ولا يخفى على أحد في هذه الأجواء المتوترة أن لجوء الأسد لإستراتيجية المجازر قد جاء أيضًا لصرف الأنظار داخل جيشه عن حالة الإرهاق والتململ التي بدأت تصيبه نتيجة اتساع جبهة القتال وتصاعد هجمات الجيش السوري الحر ضد وحداته ولاسيما في حمص ودرعا واللاذقية بشكل يضاعف من احتمالات وقوع تمرد، ومن ثم لزم القيام بعمل يرفع معنويات جنود وضباطه الجيش الذين قد لا يستطيعون استكمال المعركة حتى النهاية انطلاقا من قناعة أن دروس التاريخ لا تشير أبد لانتصار جيش على الشعب، فأعتى النظم الديكتاتورية لم تستطع البقاء متى نفضت شعوبها غبار الذل والمهانة واستنكفت عن حياة القطيع، وهو أمر بدا يتسرب لنفوس الكثير من رموز النظام ووحدات الجيش وإن كان بوتيرة قليلة قد تتصاعد حدتها في الأسابيع المقبلة.

الورقة الأخيرة

       وقد دفعت هذه المواقف لنظام الأسد للرهان على الورقة الأخيرة المتمثلة في الحرب الأهلية أو الطائفية بوصفها ملاذاً أخيراً له لتأمين استمراره في السلطة والخروج من الأزمة بدويلة «الساحل» والبعد عن الوقوع في أسرى محاكم لاهاي، فربما تقدمه الحرب الطائفية بديلاً وحيداً لضمان عدم وقوع سوريا في أيدي قوى راديكالية قد تؤثر بالسلب على الأوضاع في جبهة الجولان وتعبث بالأوضاع في الأردن وربما تعيد صياغة علاقات مع حزب العمل الكردستاني بشكل يقض مضاجع تركيا وهي حسابات ما زال الأسد يراهن عليها مع قضايا أخرى للبقاء في سدة السلطة خصوصًا أن خيار دولة الساحل أمر قد يحظى بدعم موسكو وبكين وطهران وبلدان عديدة في جنوب أمريكا اللاتينية ووسطها.

 طرف ثالث

       ولتحقيق هذا الملاذ الأخير لجأ الأسد لاستراتيجية ثلاثية الأبعاد تتمثل في المجازر والحرب الطائفية والتطهير العرقي كأوراق بيد النظام لإطالة أمد بقائه في السلطة مستفيدا من استمرار الدعم الروسي -الصيني ومعه حالة التردد الشديدة من المجتمع الدولي حيال التعاطي مع الوضع بمجمله، فهناك حالة من الاضطراب وعدم وضوح الرؤية لدى المجتمع الدولي في الرد على مجازر الأسد خصوصا من جهة خروج تصريحات من جانب المبعوث العربي والأممي كوفي عنان تشير إلى أن حجم المجازر الواقعة في سوريا والتفجيرات المتزامنة هناك يؤكد وجود طرف ثالث وتكرر المعنى نفسه على لسان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ناهيك عن مطالبات أخرى تطالب بإجراء تحقيق دولي في هذه المجازر لمعرفة هوية المتورط فيها.

لعبة الوقت

       ومن المؤكد أن مثل هذه الدعوات لإجراء تحقيق دولي حول الطرف المسؤول عن المجازر ستحظى بالترحيب لدي نظام الأسد، فتشكيل لجنة دولية والاتفاق على هوية أعضائها وصلاحياته وتحديد مساراتها يتيح له مزيدًا من الوقت للولوغ في دماء السوريين غير عابئ هو وعصابته بأن مثل هذه المجازر تفتح الباب لسقوط أي نظام باعتبارها تفقده شرعيته وتقوده في النهاية إما إلى مصير القذافي أو أن يعاني آلام السجن المؤبد كما هو حال مبارك في مصر خصوصًا أن جزار إدلب يعاني حاليًا ما عانته هذه الأنظمة قبل فترة قصيرة من سقوطها.

       وقد كثفت محاولات المعارضة لتوحيد مواقفها ورؤيتها للمستقبل السوري واستقرارها في النهاية على تولي الناشط السياسي الكردي عبد الباسط سيدا رئاسة المجلس الوطني خلفا لبرهان غليون، الضغوط على العصابة العلوية؛ حيث قدمت مع الاجتماع الأخير في تركيا رسالة على توحد ألوان الطيف السياسي والعرقي السوري ضد الأسد وعصابة الـ 99 الداعمة له في ظل انضواء عدد من الخلايا الكردية داخل المجلس الوطني السوري وإمكانية توظيف ذلك لرفع أسهم المعارضة ونجاحها في تسويق نفسها كبديل مستقر للنظام بعد أن حال تشتتها في السابق دون تأمين الدعم الدولي لها.

بداية النهاية

       وبدوره يرى الدكتور وحيد عبد المجيد نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية أن مجمل تطورات المشهد السوري تؤشر إلى أن اللحظة الفارقة قد بدأت تقترب من النظام الأسدي خصوصًا أن دماء الشهداء ومن النساء والأطفال التي تورط الأسد وعناصر من حزب اللات وعناصر من جيش الصدر وفيلق القدس الإيراني  في إزهاقها خلال المجازر لن تفت في عضد السوريين بل ستشكل وقودًا لثورتهم لإسقاط النظام الطائفي.

       ونبه إلى أن المجتمع الدولي لن يستمر صامتًا أمام هذه المجازر وسيبحث عن تسوية للأزمة السورية قد تستجب جزئيًا لآمال وطموحات الشعب السوري وتضع في اعتبارها مخاوف بلدان الجوار من تداعيات سقوط النظام وحدوث فراغ سياسي على استقرارها.

لم يستبعد أن يكون السيناريو اليمني من خلال الإطاحة بالأسد والدائرة المقربة منه هو السبيل للخروج من الأزمة بإسقاط رأس النظام وضمان البنية التحتية له لضمان استمرار نفس النهج في التعاطي مع الملفات الحاسمة وفي مقدمتها الصراع العربي الإسرائيلي والأوضاع في لبنان دون أي تغيير وتسويق هذا الأمر باعتبار أن خروج الأسد وزمرته من الساحة انتصار للثوار ونهاية مقبولة للمأساة السورية.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك