رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: حاتم محمد عبد القادر 4 أكتوبر، 2010 0 تعليق

شعارهم القادم سيظهر قريباً .. تطهير أوروبا من المسلمين هو الحل- اليمين الأوروبي (المتطرف).. الخطر الحقيقي على الإسلام


 الانتخابات التشريعية الأوروبية الأخيرة لاسيما الانتخابات السويدية قلبت الموازين وحركت المياه الراكدة، وأيقظت من جديد الحركات الشعبية المعادية للإسلام وإقامة المهاجرين بدول أوروبا، منذرة بعودة الفاشية مرة أخرى.

والناظر والمحلل لصعود نجم اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية بعدد من دول الاتحاد الأوروبي التي جرت مؤخراً يدرك أن هجرة آلاف أو ملايين الأفارقة والآسيويين والعرب إلى بلاد أوروبا وأمريكا لم تكن وليدة اليوم أو اللحظة، أو تزامنت هذه الهجرة مع نشوب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في أوروبا، وزيادة نسبة البطالة التي هي ظاهرة غالبة في جميع دول العالم.

وإنما كانت هذه المشكلات ووجود التدفقات المهاجرة للبلاد الأوروبية هي الشماعة التي علق عليها اليمين المتطرف أسباب فشل حكوماتهم في إنعاش بلادهم اقتصادياً واجتماعياً وربما سياسياً، والطريق الذي مضوا عليه في حملاتهم الانتخابية للوصول إلى البرلمان بمقاعد تمكنهم من خوض حرب جديدة ضد الإسلام في ثوب الإصلاحيين والمحافظين على هوية البلاد وحضارتها.

تساؤلات مشروعة

ويتساءل المسلمون في كل مكان: لماذا ظهر هذا الحقد الدفين للإسلام والمسلمين من قبل هذا اليمين الأوروبي؟

رغم الدعاوى التي لم تكن تهدأ ليل نهار من أن ما نتصوره هو من قبيل نظرية المؤامرة ومن أناس مسلمين يتحدثو بلسان الغرب ولم لا وهم أعوانه ووكلاؤه في دول العالم الإسلامي.

أوهمنا أنفسنا بأن هؤلاء الأوروبيين يحبون المسلمين ويحترمون الدين الإسلامي ويقدرون الحريات ولا يؤمنون بالتفرقة العنصرية من دين أو عرق أو لون أو جنس، وما بخيالنا محض افتراء وجهل ولأننا نعيش في بلاد الظلام.

وها نحن أولاء اليوم نشاهد الحملات المسعورة والمخطط لها سلفاً واستغلال ظروف تسببت فيها أيدي ساستهم الحاكمة ووصموها ظلماً بالمسلمين والمهاجرين الأجانب ... كل هذا يحدث في بلاد النور وليس في بلاد الظلام والجهل والتخلف كما يحب الغرب وأعوانه أن يصفوا بلادنا بهذه الأوصاف.

اليوم نحن نطلب الإجابة من العلماء والمطلعين على بواطن الأمور ليفسروا لنا ما حدث من حشد اليمين المتطرف نفسه أوروبا ليقود حملة جديدة ضد الإسلام والمسلمين.

اختراق تاريخي

لعل ما حدث من وصول كبير لليمين المتطرف في سبع دول أوروبية ولاسيما في السويد التي لأول مرة في تاريخها يستحوذ حزب ديموقراطي – اليميني المتطرف – على 5.7% من أصوات الناخبين ليفوز بـ 20 مقعداً في البرلمان، ليأتي هذا الفوز الكبير موازياً لفوز آخر لذات التيار اليميني المتطرف في دول (هولندا، الدنمارك، إيطاليا، النمسا، بلجيكا، بلغاريا، المجر).

وربما هذا النجاح الساحق يجيب عن السؤال الذي طرحناه سلفاً، فمثلاً في هولندا والفوز الذي حققه حزب (خيرت فيلدرز) (اليميني المتطرف) على حساب العداء للإسلام وهو ما فشلت فيه النائبة السابقة عيان هرسي علي، وهي من أصل صومالي، بعد أن أنهى فيلم (خضوع) مستقبلها السياسي لتستقر في أمريكا حالياً، إلا أن (خيرت فيلدرز) اليميني المتطرف أراد أن يستكمل ما بدأته عيان هرسي وذلك بفيلمه (فتنة) الذي يستعدي الإسلام ويشوه فيه صورة المسلمين، ليس هذا فحسب بل أسس حزباً خصص برنامجه لمعاداة الإسلام والأجانب في هولندا أسماه حزب (الحرية) وهو الذي حقق فوزاً كاسحاً في الانتخابات البلدية التي جرت في مارس الماضي، فقد نجح (خيرت فيلدرز) في زرع الخوف من الإسلام والمهاجرين في قلوب الهولنديين، باعتبار أن الإسلام يشكل خطراً على الهوية الهولندية والأوروبية عموماً.

أيضاً ولأول مرة في تاريخه يفوز الحزب الوطني البريطاني بمقعدين، حيث نسبة كبيرة من الأصوات اتجهت لساسته الذين تعهدوا بإغلاق الحدود وترحيل المهاجرين، ولو وصل الأمر لتفكيك الاتحاد الأوروبي نفسه، كما تعهد هذا الحزب بحظر القرآن الكريم طبقاً لبعض الوسائل الإعلامية البريطانية والتي تساءلت : هل الفاشية في طريقها للعودة مرة أخرى في ظل فوز أحزاب اليمين المتطرف في معظم دول الاتحاد الأوروبي؟

القوة والهوية

لم يكتف اليمين المتطرف في الدول السبعة التي ذكرناها بل حقق نتائج باهرة في ست دول أخرى هي: (بريطانيا – فرنسا – اليونان – فنلندا – رومانيا – سلوفاكيا)، وقد تراوحت النسبة بين 5٪ و10 %، الأمر الذي يؤكد أن اليمين المتطرف في أوروبا منذ ظهوره في الثمانينات بات قوة سياسية لا يستهان بها على مسرح الأحداث الأوروبية، وينجح هذا التيار في الوصول واستمالة الناخبين بدعاوى الحفاظ على الهوية، واستغلال الأزمات الاقتصادية والقضايا المتعلقة بالهوية الثقافية وبالأخص العداء للإسلام، باعتبار أن الإسلام يهدر الهوية الأوروبية، وأن الحفاظ على الهوية الأوروبية واجب مقدس على حكام أوروبا.

حلول سهلة

الشارع الأوروبي يسأل أيضاً عن العوامل والدوافع التي وقفت وراء صعود اليمين المتطرف في بلاده، وفي هذا يرى المحلل السياسي (فولفانج كايوست) المتخصص في شؤون اليمين المتطرف أن قادة التيار اليميني المتطرف يطرحون حلولاً سهلة لمشكلات اجتماعية واقتصادية معقدة مثل البطالة، وأن الحل يراه هذا التيار المتطرف في طرد الأجانب المهاجرين لأنهم يأخذون حق العمل من أبناء البلد، ويوضح (فولفانج كايوست) أن هذا التيار يستبعد أسباباً جوهرية أخرى مثل العولمة وفتح الحدود والتقدم التكنولوجي وغيرها من العوامل التي أسهمت في تفشي أزمة البطالة، كما أوضح المحلل أن عدداً من قيادات اليمين المحافظ استخدموا خطاب اليمين المتطرف في حملاتهم الانتخابية لكسب أصوات الناخبين وأعلنوا عن نيتهم المستقبلية في وقف الهجرة مثلما فعل الرئيس الفرنسي (نيكولا ساركوزي) الذي طالب بوقف الهجرة الكثيفة إلى فرنسا وتقنينها، وهو ما انتهجه زعيم حزب المحافظين البريطاني ديفيد كاميرون.

من جانب آخر يرى بعض المحللين أن من دوافع صعود اليمين المتطرف واعتباره ظاهرة، دخول الإسلام بقوة إلى أوروبا، مدللين على ما حدث في فرنسا في قضية منع الحجاب حيث رحبت به الجبهة القومية هناك، وكذلك الاعتراض على بناء المساجد في ألمانيا وهولندا.

فشل اليسار

ومن الدوافع المهمة التي يجب أن يعيها الأوروبيون ويقتنعوا بها فشل الأحزاب التقليدية (اليسارية والاشتراكية) في معالجة القضايا والأزمات الحديثة، وهو ما اعتمد عليه اليمين المتطرف في برامجه.

أما صاحب كتاب: (أيديولوجية التطرف) البروفيسور (كامل ميوري) فيرى أن نمو هذا اليمين في السنوات الأخيرة جاء بسبب زيادة الأزمات الاقتصادية وفشل السياسات الأوروبية التقليدية في تقديم حلول ممكنة، كما يرى أن زيادة أعداد المهاجرين لأوروبا وعجز الحكام عن إيجاد الوسائل القادرة على استيعاب هؤلاء وخصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وكل هذا أنعش هذه التيارات.

ادعاءات مزيفة

من العرض السابق يتضح لذي أدنى بصيرة أن صعود اليمين المتطرف في أوروبا ووصوله بهذه الصورة إلى المؤسسات التشريعية والتصميم على الوصول لسدة الحكم إنما يكشف الادعاءات الأوروبية والغربية عموماً عن الحريات ومناهضة العنصرية التي رموا بها الإسلام والمسلمين ظلماً وبهتاناً،  وهاهم أولاء اليوم يعلنون الحرب ويجهزون العدة لمن يخالفهم في العرض أو الجنس أو اللون بهدف أعظم يؤكده محللون من أوروبا ذاتها بأن الحملة الشعواء في باطنها الشيطان وهو محاربة الإسلام بشكل منظم ومن جميع دول الاتحاد الأوروبي.

تكاسلنا هو السبب

وحول ردود الأفعال وتأثير هذا الوصول على المسلمين والدول العربية بزيادة تضييق الخناق عليهم يقول أ.د/ محيي الدين عبد الحليم، أستاذ الصحافة والإعلام بجامعة الأزهر المهتم بهذه القضايا في كلمات موجزة : منتهى الخطورة أن نترك اليمين المتطرف يتفشى في أوروبا، فالسبب الرئيس في صعود هذا التيار المتطرف هو نحن المسلمون الذين أعطينا له الفرصة ؛ لأننا كسالى وليس لنا رؤية خاصة بنا توضح فلسفة الإسلام وحقيقة منهجه وتشريعه وموقفه المتسامح من الآخر.

ويضيف د. محيي عبد الحليم : هذا اليمين المتطرف له طريقتان في التعامل:

الأولى : أن تحاور معه فيقنعني أو أقنعه، ولا شك أننا سننتصر في النهاية لأن حجتنا قوية وغالبه فنقنعه.

الثانية: توظيف وسائل الإعلام الإسلامية، أو استثمار وسائل الإعلام الأجنبية بشراء مساحات أو أوقات إعلامية نشرح فيها لشعوبهم حقيقة الإسلام وتابعيه، كما نقوم بدعوة هذا اليمين بزيارة بلاد العالم الإسلامي ويرون بأنفسهم هل نحن إرهابيون؟!

أجنحة الخوف

وبحسب رؤيته يرى الكاتب المتميز بصحيفة الأهرام / محمد صابرين – المتخصص في الشؤون الخارجية، أننا أمام تيار هادر يمتد من شواطئ جنوب أوروبا مروراً بالوسط وصولاً إلى الشمال الأوروبي يرفض بشدة المهاجرين (وعلى رأسهم العرب والمسلمون)، فقد تجمعت قوى عدة لتجعل من المئذنة فزاعة أوروبا! ويضيف صابرين: فوق أجنحة الخوف وصل اليمين المتطرف إلى البرلمان السويدي منذ أيام، ويجب ألا ننسى أن زوبعة الرسوم المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام جاءت من الدنمارك، بل إن سويسرا اخترعت مسألة جوامع بلا مآذن ...!!

وأحسب أن علينا الإقرار بأننا أمام ظاهرة جامحة تكتسب أرضاً كل يوم، وبات من الضروري البحث بعقلانية عن أسباب ذلك، ويمكن القول بصراحة متناهية (في مواجهة رفض العرب والمسلمين): لم يكن هناك مفر إلا البحث عن الهوية الأصلية والتمسك بها، وهذا ما رأيناه خصوصاً مع الجيلين الثاني والثالث، فإذا كان (هاني عازر) (وهو قبطي مصري يعيش في ألمانيا) يشعر بأنه ليس منهم ويقول للألمان: أنا حفيد رمسيس وحتشبسوت، فترى بماذا يشعر سكان الضواحي الفرنسية الذين قال عنهم ساركوزي إنهم (حثالة)؟! وبماذا يشعر العرب والمسلمون الذين لا يجدون فرصة الاندماج والعمل، ولا يرى الكثير من الأوروبيين فيهم إلا مصدراً للمتاعب والجرائم والتكسب واستغلال نظام الرفاهية الاجتماعية؟! باختصار لا يراهم إلا مشكلة، ومصدر تهديد.

وصول لمصلحة المسلمين

أما الأستاذ أبو إسلام أحمد عبد الله، مدير مركز التنوير الإسلامي والخبير في شؤون الأقليات المسلمة في الخارج فله وجهة نظر مختلفة فيقول: رؤيتي معاكسة، فأي ضغوط تقع على المسلمين اليوم فهي لمصلحة المسلمين؛ لأن الإسلام واضح جداً والمسلمون لا ينشطون إلا في أطر التضييق عليهم ومحاولات إظهارهم بأخلاق الكفر، وهذه ظواهر صحية، وما كان أحد يهتم بالنقاب فوجدنا فرنسا الآن تعرف الفرق بين الحجاب والنقاب.

وقد تعلمنا في علم الدعوة: «إذا كنت أنت موضوع خصمك ومشغولا بك فأنت ربحت 50% من القضية التي تسعى إليها».

فلولا هذه الإرهاصات ما كانت ولايات كثيرة في أوروبا سمعت عن الإسلام، والحدث  الأخير أيقظ النخوة والشهامة في المسلمين العوام، والمسلمين لا يتحركوا إلا في هذه الدائرة.

ويوضح أبو إسلام أن مع السلم تبدأ الفتن، وتوحيد عدد المسلمين (خمسة ملايين مسلم) في كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا شيء له دلالة عظيمة وجميلة، وما يتردد عن أن الإسلام سيصبح الديانة الأولى في روسيا عام 2050 إنما هي رؤية راقية، وكما أن ثورة التنوير انطلقت من قلب فرنسا، فأتصور أن التحول القادم سيكون من فرنسا أيضاً ولصالح الإسلام وزيادة انتشاره.

يبقى أن نعرف أن الأقليات المسلمة في الغرب تواجه مشكلات كبيرة واضطهادات عظمى اشتد عودها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 م؛ الأمر الذي دعا الإدارة الأمريكية السابقة بزعامة بوش الابن وحلفائه من الأوروبيين لشن حربهم على ما أطلقوا عليه: «الحرب ضد الإرهاب»، التي تمثلت في حربي أفغانستان والعراق، وما تبع ذلك عدة أزمات منها الرسوم المسيئة للرسول [ التي صدرتها صحف في كل من الدانمارك والنرويج وأيدتها عدة صحف أوروبية أخرى، كذلك أزمة منع الحجاب في المدارس الفرنسية منذ عامين وعلى غرارها بلجيكا في العام الماضي ؛ لتقوم عدة دول أوروبية بسن قانون خاص بمنع الحجاب في الأماكن العامة بهذه الدول، ومن أشد هذه الدول هولندا بقيادة حزب الحرية (اليميني المتطرف) وزعيمه (خيرت فيلدرز) والذي وصلت بجاحته إلى مطالبته البرلمان الهولندي بفرض ضريبة سنوية على المسلمات المحجبات تقدر بـ 1000 يورو على أن تخصص لما أطلقوا عليه دعم حرية المرأة، ولعل آخر هذه المحطات هي حظر بناء المآذن في سويسرا الذي أيدته أحزاب اليمين المتطرف هناك ودعت لتعميمه على كافة الدول الأوروبية.

إن كل هذه «الهوجة» والحرب الشعواء ضد المسلمين من قبل اليمين المتطرف كانت بسبب تنامي الوجود الإسلامي في أوروبا، ولاسيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث استطاع المسلمون الحقيقيون  – بفضل من الله – والمقيمون في الغرب أن يوضحوا ويبينوا الإسلام على حقيقته، كما استطاعوا أن يندمجوا في المجتمعات الغربية محافظين في نفس الوقت على أصول دينهم وعقيدتهم السليمة وعاداتهم وتقاليدهم الإسلامية التي ساعدت في بث روح الطمأنينة والهداية لنور الحق والدخول في دين الإسلام؛ مما أفزع هذا اليمين المتطرف وآثار حفيظته وأظهر أحقاده على المسلمين.

إن هذا التيار نسي شيئاً مهماً هو أن المهاجرين العرب والمسلمين حين هاجروا  لم يكونوا في مهمة للدعوة إلى الإسلام، بل طلباً للعمل وبحثاً عن الرزق ولقمة العيش، ولكنها الحكمة الإلهية والإرادة الربانية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك