رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. محمد احمد لوح 10 أغسطس، 2017 0 تعليق

شروط التوحيد ثمانية (4) المحبة لكلمة التوحيد وما دلت عليه

 

إن البشارة بالجنة لأهل لا إله إلا الله قُيدت بثمانية شروط كما دل على ذلك القرآن والسنة؛ فلا ينتفع صاحب لا إله إلا الله بهذه الكلمة العظيمة حتى يستوفي هذه الشروط ويحققها، أما إذا أخلّ بواحد منها فلا ينتفع بمجرد النطق بها، وسنتناول في هذه السلسلة من المقالات هذه الشروط بشيء من التفصيل، واليوم مع الشرط الخامس والسادس المحبة لكلمة التوحيد وما دلت عليه.

ودليل المحبة: قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ} البقرة 165.

فإن هذه الآية دليل على تحريم نوع من أنواع الشرك الأكبر وهو شرك المحبة كصنيع المشركين في تسويتهم أندادهم في المحبة بالله على حد قولهم: {تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ* إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} الشعراء 98.

     ومن أدلتها قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} المائدة 54.

ما تفيده الآيات:

- أولاً: وجوب إخلاص العبادة لله.

- ثانياً: إثبات المحبة من جانب الرب ومن جانب العبد.

- ثالثاً: ثناء الله على أهل الإيمان بكمال محبتهم له.

- رابعاً: أن العاقبة الحميدة لأهل الإيمان.

- ومن السنَّة: ما ثبت في الصحيحين عن أنس -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار».

وقوله: «مما سواهما» فيه جمع ضمير الرب -سبحانه- وضمير الرسول -صلى الله عليه وسلم - وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم  ذلك على الخطيب لما قال: «ومن يعصهما فقد غوى»، وأحسن ما قيل في الجمع بين الحدثيين:

أنه ثنى الضمير هنا إيماء إلى أن المعتبر هو مجموع المركب من المحبتين لاكل واحدة، فإنها وحدها لاغية وأمر بالإفراد في حديث الخطيب إشعاراً بأن كل واحد من العصيانين مستقل باستلزام الغواية.

     وفي الصحيح عن أنس - رضي الله عنه - «أن رجلاً سأل النبي -صلى الله عليه وسلم - متى الساعة؟ فقال ما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: أنت مع من أحببت» وفي رواية للبخاري: فقلنا: ونحن كذلك؟ قال: نعم قال أنس: «ففرحنا يومئذ فرحاً شديداً.

الشرط السادس: الانقياد بحقوقها.

ودليل الانقياد: ما دلّ عليه قوله -تعالى-{وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له}.

وقوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً}.

وقوله: {وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} وقوله: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً}.

يخبر -جل وعلا- أن الإيمان الظاهر والباطن يحصل بثلاثة أمور:

- أولها: تحكيم النبي -صلى الله عليه وسلم - وهو تحكيم شخصه في حياته وتحكيم سنته بعد مماته.

- ثانيها: انتفاء الحرج من النفوس حال التحكيم وهذا يستلزم قبول الحكم مع اتساع الصدور وانشراحها له.

- ثالثها: التسليم التام لحكمه -صلى الله عليه وسلم -.

     ونظير هذه الآية في وجوب التسليم لحكم الله ورسوله قوله -تعالى-: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} في هذه الآية أمر برد كل ما تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه إلى الله والرسول، أي إلى كتاب الله وسنَّة رسوله فإن فيهما الفصل في جميع المسائل الخلافية؛لأن أمر الله قائم على كتاب الله وسنَّة رسوله، ولا يستقيم أمر الإيمان إلا بهما.

ونظيرها أيضا قوله: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً}.

الواجب على المؤمن

     فالواجب على كل مؤمن أن يحب ما أحبه الله محبة توجب له الإتيان بما وجب عليه منه، فإن زادت المحبة حتى أتى بما ندب إليه منه كان ذلك فضلاً، وأن يكره ما كره الله -تعالى- كراهة توجب له الكف عما حرم الله عليه فإن زادت الكراهه حتى أوجبت الكف عما كرهه تنزهاً كان ذلك فضلاً.

     وقد ثبت في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» فلا يكون المؤمن مؤمناً حتى يقدم محبة الرسول على محبة جميع الخلق، ومحبة الرسول تابعة لمحبة الله -تعالى-؛ فالمحبة الصحيحة تقتضي المتابعة والموافقة في حب المحبوبات وبغض المكروهات».

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك