رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. محمد احمد لوح 7 أغسطس، 2017 0 تعليق

شروط التوحيد ثمانية (4) الصدق المنافي للكذب المانع من النفاق

 

إن البشارة بالجنة لأهل لا إله إلا الله قُيدت بثمانية شروط كما دل على ذلك القرآن والسنة، فلا ينتفع صاحب لا إله إلا الله بهذه الكلمة العظيمة حتى يستوفي هذه الشروط ويحققها، أما إذا أخلّ بواحد منها فلا ينتفع بمجرد النطق بها، وسنتناول في هذه السلسلة من المقالات هذه الشروط بشيء من التفصيل، واليوم مع الشرط الرابع وهو الصدق المنافي للكذب المانع من النفاق.

دليل الصدق

ودليل الصدق: قوله تعالى: {ألم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}.

     قال البغوي -رحمه الله-: «{وهم لا يفتنون} لا يبتلون في أموالهم وأنفسهم كلا لنختبرنهم ليبين المخلص من المنافق، والصادق من الكاذب إلى أن قال وقيل {وهم لا يفتنون} بالأوامر والنواهي، وذلك أن الله -تعالى- أمرهم في الابتداء بمجرد الإيمان، ثم فرض عليهم الصلاة والزكاة، وسائر الشرائع؛ فشق على بعضهم فأنزل الله هذه الآية، ثم عزاهم فقال {ولقد فتنا الذين من قبلهم} يعني الأنبياء والمؤمنين فمنهم من نشر بالمنشار، ومنهم من قتل، وابتُلي بنو إسرائيل بفرعون فكان يسومهم سوء العذاب {فليعلمن الله الذين صدقوا} في قولهم آمنا {وليعلمن الكاذبين} والله أعلم بهم قبل الاختبار، ومعنى الآية وليظهرن الصادقين من الكاذبين».

ومن أدلته أيضا ما ثبت في الصّحيحين عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه -، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من أحد يشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدًا عبده ورسوله صادقاً من قلبه إلاّ حرّمه الله على النّار».

والصدق من أفضل المقامات وأرفعها؛ ولهذا وصف الله كلامه به فقال -تعالى-: {اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً} النساء 87.

     وقال -تعالى-: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً} النساء 122. وسمى القرآن صدقا فقال: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ} الزمر 32.

ووصف به أنبياءه فقال: {وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً} مريم 50 ووصف به خواص المؤمنين فقال -تعالى-: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} الأحزاب 23.

وذكر أن أهل الصدق هم أهل التقوى فقال: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} البقرة 177.

وذكر جزاء أهل الصدق فقال: {قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} المائدة 119.

وقال -تعالى-: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ والصادقات...إلى قوله: أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} الأحزاب 35.

الصحبة الصالحة المؤمنة

وأمر باتخاذهم صحبة فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} التوبة 119.

وذكر صفاتهم فقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} الحجرات 15.

     وحقيقة هذا الشرط أن يقولَ العبدُ هذه الكلمة صادقاً من قلبه, والصّدق أن يواطئ القلبُ اللّسانَ؛ ولذا قال اللهُ -تعالى- في ذمِّ المنافقين: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُون}؛ فوصفهم -سبحانه- بالكذب, لأنَّ ما قالوه بألسنتهم لم يكن موجودًا في قلوبهم.

كما في قوله -تعالى-: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ} المائدة41.

ومن تمام معرفة فضل الصدق أن نعلم قبح ضده وهو الكذب والنفاق:

قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِين - َيُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ - فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}.

     هذا إخبار من الله -جل وعلا- عما درج عليه المنافقون من إظهار الإيمان بألسنتهم وإضمار الكفر في قلوبهم مخادعة لله -زعموا- والمؤمنين كي يغتروا بهم ويركنوا إليهم، والنتيجة العكسية لهذه المراوغة هي خداعهم أنفسهم واستدراجهم ولكنهم لا يشعرون بذلك لفرط جهلهم وخبث طويتهم.

 

مقياس الصدق

      ونظير ما قصه الله عن المنافقين قول -تعالى- في سورة النساء {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً - مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً}.

أيها المسلمون، على العاقل أن يعرض نفسه على هذه الآية وما شابهها ليعرف مدى صدقه:

1. أين نحن من مطابقة القول لما في القلب في معاملاتنا مع القريب والبعيد؟

2. أين نحن من ذلك في تقدير المسؤولية والخوف من تبعاتها وإعطائها حقها؟

3. أين نحن من ذلك في القيام إلى الصلاة بنشاط وحيوية من مواطن الكسل؟

4. أين نحن من ذلك في ذكر الله بإخلاص وحب وفقه؟

5. أين نحن من ذلك في الثبات على المبادئ دون تذبذب أو تردد؟

6. أين المرأة المسلمة من ذلك في حجابها وقرارها في بيتها؟

7. أين نحن وأين نحن أيها الإخوة المسلمون؟

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} الأنفال 70.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك