رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. محمد احمد لوح 30 يوليو، 2017 0 تعليق

شروط التوحيد ثمانية (3) الإخلاص المنافي للشرك

 

 

إن البشارة بالجنة لأهل لا إله إلا الله قُيدت بثمانية شروط, كما دل على ذلك القرآن والسنة، فلا ينتفع صاحب لا إله إلا الله بهذه الكلمة العظيمة حتى يستوفي هذه الشروط ويحققها، أما إذا أخلّ بواحد منها فلا ينتفع بمجرد النطق بها, وسنتناول في هذه السلسلة من المقالات هذه الشروط بشيء من التفصيل، واليوم مع الشرط الثالث وهو: الإخلاص المنافي للشرك.

 

الإخلاص المنافي للشرك

ودليل الإخلاص: -قوله تعالى-: {ألا لله الدين الخالص}.

وقوله -سبحانه وتعالى-; {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء}.

ومن السنَّة: الحديث الثابت في الصحيح عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه». وسيأتي تفصيل ذلك.

     و«الإخلاص» في اللغة: التصفية. وفي الشرع: تخليص العبادة وتصفيتها من شائبة الشرك والرياء والابتداع. قال ابن كثير ر-حمه الله-: «فاعبد الله وحده لا شريك له، وادع الخلق إلى ذلك، وأعلمهم أنه لا تصلح العبادة إلا له وحده، وأنه ليس له شريك ولا عديل ولا نديد؛ ولهذا قال -تعالى-: {ألا لله الدين الخالص} أي لا يقبل من العمل إلا ما أخلص فيه العامل لله وحده لا شريك له». أ.هـ.

     وقال السعدي -رحمه الله-: «هذا تقرير للأمر بالإخلاص، وبيان أنه -تعالى- كما أنه له الكمال كله وله التفضل على عباده من جميع الوجوه فكذلك له الدين الخالص الصافي من جميع الشوائب؛ فهو الدين الذي ارتضاه لنفسه وارتضاه لصفوة خلقه وأمرهم به»..

     ويزيد ما ذكره هذان الإمامان في معنى الآية توضيحاً وتأكيداً ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: قال الله تعالى: {أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه}.

و عن قوله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء}.

     قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: {وما أمروا} في سائر الشرائع {إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} أي قاصدين بجميع عباداتهم، الظاهرة والباطنة وجه الله وطلب الزلفى لديه. {حنفاء} أي معرضين مائلين عن سائر الأديان، المخالفة لدين التوحيد؛ {وذلك} أن التوحيد والإخلاص في الدين هما {دين القيمة} أي الدين المستقيم، الموصل إلى جنات النعيم وما سواه فطرق موصلة إلى الجحيم».أهـ

     و في صحيح البخاري عن أبي هريرة أنه قال: قلت: يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «لقد ظننت – يا أبا هريرة – ألا يسألني عن هذا الحديث أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه».

     وفي الصحيحين عن عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الأَنْصَارِ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِي وَأَنَا أُصَلِّي لِقَوْمِي فَإِذَا كَانَتْ الأَمْطَارُ سَالَ الْوَادِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِيَ مَسْجِدَهُمْ فَأُصَلِّيَ بِهِمْ وَوَدِدْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ تَأْتِينِي فَتُصَلِّيَ فِي بَيْتِي فَأَتَّخِذَهُ مُصَلًّى قَالَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ عِتْبَانُ فَغَدَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ فَاسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - فَأَذِنْتُ لَهُ فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ ثُمَّ قَالَ أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ قَالَ فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْ الْبَيْتِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - فَكَبَّرَ فَقُمْنَا فَصَفَّنَا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ قَالَ وَحَبَسْنَاهُ عَلَى خَزِيرَةٍ صَنَعْنَاهَا لَهُ قَالَ فَآبَ فِي الْبَيْتِ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ ذَوُو عَدَدٍ فَاجْتَمَعُوا فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخَيْشِنِ أَوِ ابْنُ الدُّخْشُنِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ مُنَافِقٌ لا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - لا تَقُلْ ذَلِكَ أَلا تَرَاهُ قَدْ قَالَ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّا نَرَى وَجْهَهُ وَنَصِيحَتَهُ إِلَى الْمُنَافِقِينَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ.

التحريم نوعان:

1. تحريم دخول وهذا في حق من مات على التوحيد غير مرتكب للكبائر ولا مصر على الصغائر.

2. تحريم خلود وهذا في حق عصاة الموحدين كما دلت عليه أحاديث الشفاعة المتواترة في أهل الكبائر. واعلموا -رحمني الله وإياكم- أن التحريم في هذا الحديث وما في معناه ليس على إطلاقه بل مقيد.

     قال الشيخ سليمان بن عبد الله -رحمه الله- في شرحه على هذا الحديث: «لا إله إلا الله سبب لدخول الجنة والنجاة من النار ومقتض لذلك ولكن المقتضى لا يعمل عمله إلا باستجماع شروطه وانتفاء موانعه؛ فقد يتخلف عنه مقتضاه لفوات شرط من شروطه أو لوجود مانع؛ ولهذا قيل للحسن إن ناساً يقولون: «من قال لا إله إلا الله دخل الجنة»، فقال من قال: «لا إله إلا الله فأدى حقها وفرضها دخل الجنة».

وقال وهب بن منبة: لمن سأله: أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ قال: «بلى ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح».

مما يقدح في الإخلاص

ومما يقدح في الإخلاص طلب الدنيا بعمل الآخرة، عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله: «بشّر هذه الأمة بالسناء والدين والرفعة والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب».

     ثم لننظر بعد ذلك كيف يفسد غياب الإخلاص أعمالا عظيمة كالجهاد والصدقات وحفظ القرآن وتلاوته، فتُردُّ على أصحابها، ويفتضح أمرهم أمام الخلق أجمعين، وتبلى سرائرهم أمام من لا تنطلي عليه المظاهر الزائفة، ولا يقبل من الأعمال ما كان صاحبه كاذبا فيه مظهرا غير ما يبطن، عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - حدثه فقال: «إن الله -تبارك وتعالى- إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمة جاثية، فأول من يدعو به رجل جمع القرآن، ورجل يُقتل في سبيل الله، ورجل كثير المال، فيقول الله للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟! قال: بلى يا رب، قال: فماذا عَمِلتَ فيما عَلِمتَ؟ قال: كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار، فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يقال: إن فلانا قارئ، فقد قيل ذاك، ويؤتى بصاحب المال فيقول الله له: ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟! قال: بلى يا رب، قال: فماذا عملت فيما آتيتك؟ قال: كنت أصل الرحم وأتصدق، فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله -تعالى-: بل أردت أن يقال: فلان جواد، فقد قيل ذاك، ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله فيقول الله له: في ماذا قتلت؟ فيقول: أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت، فيقول الله -تعالى- له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يقال: فلان جريء، فقد قيل ذاك»، يقول أبو هريرة: ثم ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم - على ركبتي فقال: «يا أبا هريرة، أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة». وللحديث بقية إن شاء الله.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك