رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. محمد احمد لوح 23 يوليو، 2017 0 تعليق

شروط التوحيد ثمانية (2)اليقين الذي ينافي الشك

 

 

إن البشارة بالجنة لأهل لا إله إلا الله قُيدت بثمانية شروط كما دل على ذلك القرآن والسنة، فلا ينتفع صاحب لا إله إلا الله بهذه الكلمة العظيمة حتى يستوفي هذه الشروط ويحققها، أما إذا أخلّ بواحد منها فلا ينتفع بمجرد النطق بها، وسنتناول في هذه السلسلة من المقالات هذه الشروط بشيء من التفصيل، واليوم مع الشرط الثاني وهو اليقين الذي ينافي الشك.

     ومعنى ذلك أن تستيقن يقينا جازما لا يداخله أي شك أو تردد بمدلول كلمة التوحيد؛ لأنها لا تقبل شكا ولا ارتيابا ولا ظنا ولا تخمينا، فحقيقة اليقين: قبول ما جاء عن الله ورسوله من الأوامر والنواهي والأخبار وقبول ما غاب عنا من أمور المعاد وتفاصيله، ومشاهد القيامة وأوصاف الجنة والنار، وقبول ما قام بالله -سبحانه- من أسمائه وصفاته وأفعاله؛ فلا يكفي أن يعرف معنى هذه الكلمة ويعتقده بل يجب أن يعتقد معنى هذه الكلمة متيقنًا من ذلك، أي يستيقن بمعناها؛ إذ لا يغني في الإيمان إلا علم اليقين، فإذا كان علم الظن لا يغنى في الإيمان شيئًا فكيف بالعلم المشوب بالشك والارتياب؟!

     فالشك والارتياب إذا طرأ على الاعتقاد بـ(لا إله إلا الله) أبطله فلا ينتفع صاحبها بها حينئذ قال الله -عز وجل-: {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (الحجرات: 15) انظركيف علق الصدق في الإيمان على قوله: {ثم لم يرتابوا} أي لم يشكوا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - لأبي هريرة في الحديث المشهور في الصحيح: «من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه فبشّره بالجنة» رواه مسلم.

وفي الحديث الصحيح أيضًا أنه -صلى الله عليه وسلم - قال: «أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله عبد بهما غير شاكٍ فيهما إلا حرمه الله على النار» رواه مسلم.

عن ابْنَ عُمَرَ قَالَ: قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتَّى يَدْعُوَ بِهَؤُلاءِ الدَّعَوَاتِ لأَصْحَابِهِ: «اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنْ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا».

عن أبي بكر مرفوعا: اسْأَلُوا اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ بَعْدَ الْيَقِينِ خَيْرًا مِنْ الْعَافِيَةِ.

     قال الحليمي -رحمه الله-: «ويقال: إن من جوامع الكلم قوله -صلى الله عليه وسلم - للذي سأله أن يعلمه ما يدعو به: سل ربك اليقين والعافية؛ وذلك أنه ليس شيء مما يعمل للآخرة يتقبل إلا باليقين، وليس شيء من أمر الدنيا يهنأ صاحبه إلا بالأمن والصحة وفراغ القلب، فجمع أمر الآخرة كله في كلمة واحدة وأمر الدنيا كله في كلمة أخرى» وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْيَقِينُ الإِيمَانُ كُلُّهُ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لا يَبْلُغُ الْعَبْدُ حَقِيقَةَ التَّقْوَى حَتَّى يَدَعَ مَا حَاكَ فِي صدْرهِ. (ذكره البخاري).

نعمة الإيمان واليقين

- أيها المسلمون: إن نعمة الإيمان واليقين لا تعدلها نعمة؛ لأن الذي من الله عليه باليقين يذوق حلاوة الإيمان ويتلذذ بالطاعة، ويأنس بذكر الله، ويبتعد عن المعصية ويكرهها، ويستغل حياته برضاء واطمئنان وسكينة وانشراح؛ لأنه قد نزل اليقين في قلبه بالرضا والاطمئنان بقضاء الله وقدره؛ فإن أصابته ضراء ومصيبة وفقر وهم صبر واحتسب وعلم أن ذلك من عند الله، وإن أصابته سراء وصحة وعافية شكر وحمد الله.

      عباد الله، المؤمن المستيقن هو الذي نظر إلى هذه الدنيا نظرة صحيحة؛ فهو يعلم أنها دار الغرور والزوال، ودار الأكدار والهموم والفراق، ودار الفتن والابتلاءات، وهي مع ذلك دار الزرع والعمل ودار الجد والكفاح والجهاد؛ لأجل الوصول إلى رضوان الله وجنته.

خصائص أهل اليقين

أيها المسلمون، لقد خص الله أهل اليقين بخصائص عظيمة:

1. هم الذين ينتفعون بالآيات والبراهين لقوله تعالى: {وَفِي الأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ} (الذاريات: 20) وقال تعالى: {قَدْ بَيَّنَّا الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (البقرة: 118) وقال تعالى: {وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (الجاثية: 4).

وقال تعالى: {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (الجاثية: 20).

2. وهم المفلحون المهتدون من بين العالمين قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (البقرة: 4-5).

3. وهم الذين يثبتهم الله بالقول الثابت: ففي حديث سؤال القبر الطويل: فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَسْأَلانِهِ مَا كَانَ يَعْبُدُ، وَمَنْ كَانَ نَبِيُّهُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَعْبُدُ اللَّهَ، قَالَ: كُنْتُ أَعْبُدُ اللَّهَ، وَالنَّبِيُّ مُحَمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم - جَاءَ بِالْبَيِّنَاتِ، فَآمَنَّا وَاتَّبَعْنَا، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ،} فَيُقَالُ لَهُ: عَلَى الْيَقِينِ حَيِيتَ، وَعَلَيْهِ مُتَّ، وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ، وَيُوَسَّعُ لَهُ فِي حُفْرَتِهِ. وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّكِّ، قَالَ: لا أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا، فَقُلْتُهُ، فَيُقَالُ لَهُ: عَلَى الشَّكِّ حَيِيتَ، وَعَلَيْهِ مُتَّ، وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ، وَيُسَلَّطُ عَلَيْهِ عَقَارِبُ وَثَعَابِينُ، لَوْ نَفَخَ أَحَدُهُمْ فِي الدُّنْيَا مَا أَنْبَتَتْ شَيْئًا».

4 -وهم أهل الإمامة في الدين إذا صبروا: قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ} (السجدة: 24).

معالم اليقين

أيها الإخوة المؤمنون، إن اليقين إذا استقر في القلب بدت آثاره في السلوك العام، ومن أبرز معالم اليقين:

1. ملازمة الاقتداء بالرسول -صلى الله عليه وسلم - لذا جاء في تفسير قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا القِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} (البقرة: 143) قال ابن عباس: «لنميز أهل اليقين من أهل الشك والريبة».

2. وباليقين يستصغر المرء الدنيا وما فيها: عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ أُحُدٍ: أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فَأَيْنَ أَنَا؟ قَالَ: فِي الْجَنَّةِ. فَأَلْقَى تَمَرَاتٍ فِي يَدِهِ ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. (متفق عليه) وفي رواية: فقال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة.

3.وباليقين يصبر المرء على أوامر الله وإن كانت صعبة على النفس؛ فتأمل قصة أم موسى وما صار إليه أمره في التابوت واليم يقربه من عدوه على حد ما حكاه -تبارك وتعالى- في قوله: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ} (القصص: 7)؛ فأمر بإخراجه من كنه، ومن ثدي أمه، إلى هول البحر وأمواجه، وأدخل قلب أمه اليقين أنه راده إليها، وجاعله من المرسلين، فأمنت عليه الغرق، فألقته في اليم ولم تفرق،، حتى أداه إلى فرعون بأمر قد قدر، فألقى عليه محبة منه ليصنعه على عينه، قد أمن عليه سطوته، ورضي له تربيته، ولولا اليقين الراسخ رسوخ الجبال الراسيات ما كانت أم لتلقي بولدها في اليم، وللحديث بقية إن شاء الله.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك