رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: فيصل العثمان 1 نوفمبر، 2022 0 تعليق

شرح كتاب فضل الإسلام – للشيخ محمد بن عبدالوهاب (14) باب: ما جاء في الخروج عن دعوى الإسلام

 

هناك أمور قد يفعلها أو يقولها أو يعتقدها المسلم، تخرجه أو تبعده عن مسمى الإسلام وهو جاهل بها، فمثلا إذا أراد أن يدعو، دعا غير الله، يستغيث بغير الله -عز وجل-، يطوف على الأضرحة. هذا يظن أنه على الإسلام وهو يقوم بأفعال شركية تناقض الإسلام؛ فالإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك.

      فالشيخ في هذا الباب يحذّر من هذه الأسماء والشعارات والجماعات والطرق أو الأحزاب، قد يتعصب لها الإنسان المسلم مثلا قد تكون سببا في خروجه عن الإسلام، أو ابتعاده عن هذا الاسم أنه مسلم؛ فلابد أن يتعلم الإنسان هذه الأمور حتى لا يقع فيها، وسيذكر لنا من الآيات والأحاديث ما يبيّن بعضًا من هذه الأمور.

هو سماكم المسلمين من قبل

      قال: باب ما جاء في الخروج عن دعوى الإسلام وقوله -تعالى-: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}. الله -سبحانه وتعالى- سماكم المسلمين في الكتب السابقة، أصحاب موسى مسلمون، أصحاب عيسى مسلمون. قال: {وفي هذا} أي في هذا القرآن أيضا سمانا مسلمين، فحافظ على هذا الاسم، بألا تقول قولًا أو تفعل فعلًا أو تعتقد اعتقادًا يخرجك عن مسمى الإسلام. فهذا الباب غاية في الأهمية.

آمركم بخمس الله أمرني بهن

      ثم ذكر حديث الحارث الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «آمركم بخمس الله أمرني بهن، السمع والطاعة، والجهاد، والهجرة، والجماعة؛ فإنه من خالف الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يرجع. ومن دعا بدعوى الجاهلية فإنه من جثي جهنم. فقال رجل: يا رسول الله، وإن صلى وصام؟! قال: وإن صلى وصام؛ فادعو بدعوى الله الذي سماكم المسلمين والمؤمنين». والحديث صحيح.

     هذا الحديث يأمرنا فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمور خمس أمره الله بهن، أولها: قال: السمع والطاعة، يعني لولاة الأمور، وهذا الأمر من أصول أهل السُّنة والجماعة المبنية على الكتاب والسُّنة. قال -تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن تأمّر عليكم عبد» وفي رواية «عبد مجدّع الأطراف» أي ليس له يدين ولا رجلين بل يُحمل، لكن له الغلبة وعنده قوة، فيجب طاعته، وهذا من أصول أهل السُّنة والجماعة. والذي يخرج على الأئمة من المسلمين يكون من الضالين، ومن الخوارج، وهذه من الأمور التي تُخرج المسلم عن مسمى الإسلام، والسمع والطاعة لولي أمر المسلمين، لا يستقيم الأمر إلا به؛ فلا وحدة إلا بطاعة الأمير. فلابد من السمع والطاعة بالمعروف، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».

أمر يجهله كثير من الناس

      انتبه إلى أمر يجهله كثير من الناس، ويتعمد كثير من الناس تجاهله، وهو أنهم إذا رأوا من ولي الأمر معصية ليست بكفر، أخذوا هذا مسوغا للخروج عليه. وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»، ليس مسوغا لجهلنا، بل لا يُطاع في هذه الجزئية أو في هذه المعصية، لكن لا زالت له الطاعة في باقي الأمور؛ لأنه عنده صلاح في هذه الأمور.

      فالذي يخرج على إمامه يطاله الوعيد الشديد، عندما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فإنه من خالف الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه» شذّ عن الجماعة بهذا القول، وبهذا الرأي، وبهذه المعاندة لإمامه شذّ وخلع هذه البيعة من عنقه، فأصبح شاذا فيطاله هذا الوعيد الشديد. إذًا طاعة ولاة الأمور بالمعروف هذا مما يحفظ على الإنسان إسلامه.

الأمر الثاني الذي أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم

      قال - صلى الله عليه وسلم -: «والجهاد» الأمر الثاني الذي أمر به، والجهاد في سبيل الله إنما هو لإعلاء كلمة الله، ولإعلاء دين الله -عز وجل-. نحن مأمورون بدعوة الناس إلى هذا الدين، فإن قبلوا به فالحمد لله، وإن لم يقبلوا به فعليهم الجهاد. وقال أهل العلم في مسألة الجهاد: الجهاد مشروع لغيره لا لذاته؛ فهو من باب الوسائل لا المقاصد، والكثيرون يفهمون هذا الأصل خطأ. فهو يريد أن يخرج ويجاهد ليصبح شهيدا بلا ضوابط؛ فإذا سألته من تريد أن تجاهد؟ وهل عندك قوة؟ هل عندك إيمان صحيح؟ لا يستطيع أن يجيب؛ لأنه ليس عنده علم؛ فالجهاد عنده مقصد. نقول: لا، الجهاد لا يقصد لذاته وهو من باب الوسائل لا المقاصد والغايات، بدليل أنه يسقط بالجزية. يقول الله -سبحانه وتعالى-: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}؛ فلو كان الجهاد مقصدا بذاته ما سقط بالجزية، فندعوه أولا للإسلام، فإن أبى، نعرض عليه أن يدفع الجزية، فإن رضي بالجزية انتهى الأمر ولا نقاتل؛ لذلك يقول الله -سبحانه وتعالى-: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ} يقول الشيخ ابن السعدي في تفسيره: ليس المقصود بالجهاد سفك دماء الكفار ونهب أموالهم، ولكن المقصود به أن يكون الدين لله -تعالى.

شروط الجهاد

       ولنعلم أن للجهاد شروطا إذا لم تتوافر فلا نصر، منها: الإيمان بالله أصل التوحيد والاعتقاد. فلو أن جيشا يريد أن يجاهد، فتنظر في عقيدته وتوحيده ومنهجه، فإن وجدت خللا عظيما، فلا تجاهد مع هذا الجيش؛ لأنه لا يعد جهادا. يقول الله -سبحانه وتعالى-: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}. فلابد من العبادة الصحيحة، والعقيدة الصحيحة.

      ومما يُذكر في التاريخ أنهم لما كانوا يجاهدون التتر عندما أغاروا على الإسلام والمسلمين، كان أهل العلم إذا أرادوا أن يدخلوا في الجيش، ينظرون على أي عقيدة هو؟ فإذا رأوا أن الجيش فيه استغاثة بغير الله وفيه شركيات، لا يدخلون في الجيش.

      الشرط الآخر من شروط الجهاد: القوة المادية، فالقدرة أصل في تكاليف الإسلام. فأنت تقوم للصلاة، فإن اعتراك عارض ولا تستطيع القيام، قيل لك صل جالسًا، وكذلك فإن كنت لا تستطيع أن تقاتل هذه الجيوش الجرارة بأسلحتها الفتاكة، فلا تقاتل وتهلك من معك وأنت ليس معك قوة. يقول الله -سبحانه وتعالى-: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}. فلو كانت العقيدة السليمة وحدها تكفي لما قال الله -سبحانه وتعالى-: {وأعدوا} فهذا شرط مهم لابد أن يكون موجودا مع العقيدة.

      صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث نواس بن سمعان أنه قال: «يوحي الله إلى عيسى بن مريم أني أخرجت عبادا لي لا يُدان لأحد بقتالهم، فحرّز عبادي إلى الطور». أي لا تستطيع أن تقاتلهم يا عيسى بجيشك، ولم يقل له الله اذهب وقاتل، بل قال خذهم وابتعد إلى الجبل؛ لأنه لا قدرة لك على القتال. فالقدرة المادية في الجهاد مهمة.

لا يجوز الجهاد إلا بإذن الإمام

       ومن شروط الجهاد: أنه لا يجوز الجهاد إلا بإذن الإمام، فأهل السُّنة والجماعة متفقون على أن الجهاد موكول بالإمام، وأنه لابد من إذنه وتحت رايته وقيادته اتباعا لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسنة الخلفاء الراشدين، هكذا كان جهادهم؛ فلا يجوز لأحد أن يجاهد لحاله، أو يُجمّع الناس دون إذن ولي الأمر ليجاهدوا. هل أنت أعلم من هذا الإمام أو الأمير أو السلطان أو الرئيس بحقائق العدو حتى تقرر الجهاد؟ هل أنت أعلم بحقيقة الماديات وعقائد الناس؟ هل أنت أعلم بهذا من ولي الأمر؟ لا، ولا يحق لك الافتئات عليه. قال أبو جعفر الطحاوي -رحمه الله تعالى صاحب العقيدة الطحاوية-: الحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين، بَرّهم وفاجرهم. وقال الإمام أحمد -رحمه الله-: والغزو ماضٍ مع الأمراء إلى يوم القيامة، البر والفاجر، وهذا ما يقوله أهل العلم، بدليل قول الله -سبحانه وتعالى-: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}. تطيعه -أي ولي الأمر- حتى في الجهاد. ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري ومسلم-: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعصى الأمير فقد عصاني، وإنما الإمام جُنّة، يُقاتل من ورائه ويُتقى به». البخاري في صحيحه ترجم لهذا الحديث قال: باب يقاتل من وراء الإمام ويُتقى به. قال الشيخ ابن العثيمين -رحمه الله تعالى-: ولا يجوز غزو الجيش إلا بإذن الإمام مهما كان الأمر؛ لأن المخاطب بالغزو والجهاد هم ولاة الأمور وليس أفراد الناس. فالغزو بلا إذنه يعد تعديا على حدوده، ولأنه لو جاز للناس أن يغزو دون إذن الإمام لأصبحت المسألة فوضى.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك