رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: فيصل العثمان 7 نوفمبر، 2022 0 تعليق

شرح كتاب فضل الإسلام – للشيخ محمد بن عبدالوهاب (15) باب: ما جاء في الخروج عن دعوى الإسلام

 

ما زال الكلام متصلا عن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «آمركم بخمس الله أمرني بهن...» كان آخر ما ذُكِر مسألة الجاهلية، وعرفنا أن الجاهلية العامة انتهت ببعثة النبي -صلى الله عليه وسلم -، ولكن بقيت مسائل من مسائل الجاهلية يُبتلى بها المسلم، والشيخ في هذا الباب يحذّر من ذلك، ويبيّن أن هذه المسائل قد تُخرِج الإنسان المسلم عن دينه أو تبعده عنه.

     ومن هذه المسائل: هذه المسألة الخامسة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: «ومن دعا بدعوى الجاهلية فإنه من جثى جهنم»، والذي بقي في هذه المسألة ما أتى به الشيخ من كلام أبي العباس -شيخ الإسلام ابن تيمية- قال: كل ما خرج عن دعوى الإسلام والقرآن من نسب أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة فهو من عزاء الجاهلية، وعزاء الجاهلية يعني دعاء الجاهلية. وعزى بمعنى انتسب، واعتزى أي انتمى، فهذا إنسان يتعزى ويفتخر وينتسب إلى جنسه، إلى بلده، إلى طريقته افتخارا وتكبرا على الناس، هذا من عزاء الجاهلية.

حمية مرفوضة

     أي أمر سوى دين الله -عزوجل-، (كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم ) هو من عزاء الجاهلية، هذه حمية مرفوضة، افتخار مرفوض، فهو يعتز بقبيلته وبأسرته وببلده لا بالإسلام. هذه من مسائل الجاهلية، المسلم يفتخر كونه مسلما، يدعو الناس إلى الإسلام، ولا يفتخر عليهم ببقعة أرض، فالله -سبحانه وتعالى- ساوى بين البقع إلا ما فضله الله كمكة والمدينة. أما سائر بلاد المسلمين كلها واحد، وكذلك لا يفتخر بجنسه لقول الله -عز وجل-: {إنما المؤمنون إخوة}. وكذلك في المذهب، لا تتعصب لمذهبك، وكان في السابق المالكي لا يقبل إلا كلام مالك، والشافعي لا يقبل إلا كلام الشافعي، وكان المالكي لا يزوج مثلا الشافعي والعكس، ولا يصلي وراءه، هذا من عزاء الجاهلية، وتعصب ذميم، فكلهم علماؤنا ولهم الاحترام والتوقير ونتعلم منهم. ونحن مسلمون نقبل ونسير وراء الدليل من كتاب الله -تعالى- وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فإذا كان الدليل عند الشافعي، فأنا شافعي، وإن كان الدليل عند أبي حنيفة -رحمه الله- فأنا حنفي، وإذا كان الدليل عند مالك، فأنا مالكي، وإذا كان الدليل عند أحمد، فأنا حنبلي؛ ليس لأنني أحب هذا الإمام أو ذاك فقط، بل لأن الدليل عنده في هذه المسألة، وبذلك أكون على الكتاب والسُّنة؛ فنحن مع الدليل الصحيح أينما كان، ندور حيث دار؛ فما أخذت بقول الإمام الشافعي إلا لأنه قول النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهكذا، فالقول هو (القرآن والسٌّنة)؛ فانتفت عنك العصبية، وانتفى عنك العزاء بالجاهلية.

أبدعوى الجاهلية؟

     ولما اختصم مهاجري وأنصاري، فقال المهاجري: يا للمهاجرين! وقال الأنصاري: يا للأنصار! قال - صلى الله عليه وسلم-: «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ دعوها فإنها منتنة». مسمى المهاجرين والأنصار مسمى شرعي، لكن إذا استخدم في غير محله من أمر غير شرعي لا يُرتضى منه.

باب: وجوب الدخول في الإسلام كله وترك ما سواه

     باب: (وجوب الدخول في الإسلام كله وترك ما سواه) وقول الله -تعالى-: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة}، يعني أن تقبل الإسلام كله، لا أن تقبل بعضه وتترك بعضه؛ فهذا لا يُقبل أبدا؛ فالإسلام كلٌّ متكامل، لا يُترك منه شيء أبدا، يقول الله -سبحانه تعالى-: {إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا}، ويقول الله -سبحانه وتعالى-: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون}؛ فالمسألة ليس بها انتقاء، بل الواجب على المسلم أن يقبل الإسلام كله، ويأخذ منه ما يستطيع، ومالا يستطيعه فهو معفو عنه، مثلا أنا أؤمن بالصيام أنه ركن من أركان الإسلام، لكنني لا أستطيع أن أصوم لظروف صحية، فأنت مُعفى من الصيام وتكفّر.

التحاكم إلى الإسلام والشريعة

     ثم قال الشيخ -رحمه الله تعالى-: وقوله -تعالى-: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا}، فالمسلم إذا خاصم فعليه أن يتحاكم إلى الإسلام والشريعة، وليس إلى العرف الفلاني وخلافه. وتحكيم شرع الله واجب على كل المسلمين، وهذا حدث في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال أحدهما للآخر: نريد أن نتحاكم إلى النبي، قال الآخر: لا، بل نتحاكم إلى فلان؛ فكشفه القرآن، كيف تكون مسلما وتريد أن تتحاكم إلى شريعة فلان وليس إلى شريعة النبي - صلى الله عليه وسلم ؟.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك