رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: فيصل العثمان 30 يناير، 2023 0 تعليق

شرح كتاب فضل الإسلام – للشيخ محمد بن عبدالوهاب (22) باب: فطرة الإسلام

 

 

على الإنسان أن يحرص على تعلم دين الله عز وجل حتى يكون على المنهج الحق وعلى الدين الصحيح من التوحيد لأن نواقض الإسلام كثيرة فيها الظاهر وفيها الغامض

 

يُكمل الشيخ الأحاديث في هذا الباب حتى يؤكد قضية مهمة وهي الإخلاص في العبادة والاتباع للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فيذكر حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى المقبرةَ، فقالَ: السَّلامُ عليكُم دارَ قومٍ مؤمنينَ، وإنَّا إن شاءَ اللَّهُ -تعالى- بِكُم لاحِقون، ثمَّ قالَ: لودِدنا أنَّا قد رأَينا إخوانَنا، قالوا: يا رسولَ اللَّهِ أولَسنا إخوانَكَ؟ قالَ: أنتُمْ أصحابي، وإخواني الَّذينَ يأتونَ من بَعدي، وأَنا فرطُكُم على الحوضِ، قالوا: يا رسولَ اللَّهِ كيفَ تعرِفُ من لم يأتِ من أمَّتِكَ؟ قالَ: أرأيتُمْ لو أنَّ رجلًا لَهُ خيلٌ غرٌّ محجَّلةٌ بينَ ظَهْراني خيلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ، ألم يَكُن يعرفُها؟ قالوا: بلَى، قالَ: فإنَّهم يأتونَ يومَ القيامةِ غرًّا محجَّلينَ، من أثرِ الوضوء، قالَ: أَنا فرطُكُم على الحوضِ، ثمَّ قالَ: ليُذادنَّ رجالٌ عن حوضي، كما يذادُ البعيرُ الضَّالُّ، فأُناديهم: ألا هلمُّوا فيقالُ: إنَّهم قد بدَّلوا بعدَكَ، ولم يزالوا يرجعونَ على أعقابِهِم، فأقولُ: ألا سُحقًا، سُحقًا. أخرجه الامام مسلم. الصحابة يعرفون أنهم إخوان في الله فيسألون ألسنا إخوانك يا رسول الله؟! قال: أنتم أصحابي، لكم مقام الصحبة، لكني أتكلم عن مقام الأخُوّة.

أمة النبي - صلى الله عليه وسلم

     إذًا فأمة النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم الصحابة ومنهم الإخوة، الصحابي -كما قال أهل العلم- هو من لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - وآمن به ومات على ذلك، وهذا مقام عظيم، عرف حال النبي قبل البعثة، وعرف صدقه وسمعه، وعاش معه وآمن به وجاهد معه، لذلك يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «خير الناس قرني» الخيرية بالإيمان والاتباع والتمسك بالمنهج الصحيح والتحمُّل في سبيل الله -عز وجل-، فيسأل الصحابة: ومن هم يا رسول الله؟ وكيف تعرفهم؟ فضرب لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - مثالا قال: «أرأيت لو أن رجلا له خيل فيه ميزة -وهي في غرته بياض، وفي رجله تحجيل- في وسط خيل دُهم بُهم» -دُهم جمع أدهم وهو الأسود- يعني خيل سوداء، وبُهم فسرها بعضهم أيضا بالسواد فتكون تأكيدا، أو قالوا: الأبهم هو اللون الذي ليس فيه لون آخر، فإذا كان الرجل عنده خيل محجلة وفيها غرة بيضاء في وسط هذا الخيل الأسود ألا يعرف خيله؟! كذلك أمتي سيأتون يوم القيامة غرٌا محجلين من الوضوء، لأن هذا المسلم كان دائما حريصًا على الوضوء لأداء الصلوات، وهذا فيه فضل الوضوء لمن أحسن الوضوء وكان وضوؤه على السُّنة.

وأنا فرطهم على الحوض

      ثم يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وأنا فرطهم على الحوض، ألا ليُذادن رجال عن حوضي» أي وأنا أسقي الناس أرى أناسا يذادون ويمنعون كما يُذاد البعير الضال فأناديهم، فلو أن إنسانا عنده إبل يسقيهم، فيأتي إبل ضال يريد أن يشرب معهم فيطرده. كذلك هؤلاء كالبعير الضال يُدفعون عن حوض النبي - صلى الله عليه وسلم .

     فيقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ألا هلم! فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك» فهؤلاء غيروا وبدلوا وما كانوا على التوحيد. كانوا على الشرك، على البدع، على الخرافات. فيقول النبي: (سحقا سحقا) أي بعدًا بعدًا.

بين الصحبة والأخوة

     وهذا الحديث فيه أن هناك قوما يُحجزون مع أن أسماءهم أسماء المسلمين، لكنه يُحجز؛ لأنه غيّر وبدّل وابتدع، وهذا فيه تحذير من البدعة، وفيه تحذير من التغيير والإحداث في دين الله -عز وجل-، وفي البخاري يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «بينا أنا قائم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم -أي خرج ملك- فقال: هلُمّ، فقلت: أين؟ قال: إلى النار، قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرة. ثم إلى زمرة -والزمرة هي الجماعة القليلة من الناس.

المرتد والظالم والمحدث في الدين.

     وهذا الحديث فيه أن المرتد والظالم والمحدث في دين الله من البدع كل هؤلاء ينطبق عليهم هذا الحديث، ولذلك الإنسان يحرص أن يتعلم دين الله -عزوجل- حتى يكون على المنهج الحق، وعلى الدين الصحيح من التوحيد، توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، وهذا لا يأتي إلا بالتعلم، لأن نواقض الإسلام كثيرة فيها الظاهر وفيها الغامض.

     وأسباب الردة كثيرة، فإذا كان الإنسان جاهلا فلا يُعذر بهذا الجهل؛ لأنك كنت في مجتمع مسلم، والدروس والشيوخ موجودون لكنك كنت مهملا، أهملت نفسك ولم تتعلم دين الله، فكنت على منهج باطل أو أتاك الناصح فلم تقبل النصيحة.

الحث على تعلم الدين الصحيح

     فهذا الحديث فيه الحث على تعلم الدين الصحيح والثبات على هذا الدين، والدعاء أن يثبّته الله على المنهج الصحيح، يقول الله -سبحانه وتعالى-: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}. الردة سبب من أسباب المنع من حوض النبي - صلى الله عليه وسلم -، لذلك على الإنسان أن يتعلم دينه كما يحرص أن يتعلم الطب والهندسة وغيرها من علوم الدنيا، وقد يعيش معظم حياته على منهج باطل ثم يحجز بعد ذلك عن حوض النبي - صلى الله عليه وسلم .

{وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ}

     ثم قال -رحمه الله-: ولهما أي (البخاري ومسلم) - رضي الله عنهما- من حديث ابن عباس فأقول -أي النبي -[- ما قال العبد الصالح: {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، والمقصود هنا بالعبد الصالح عيسى بن مريم -عليه السلام- قالها لم وجد قومه بدلوا وغيروا، ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنا سأقول كما قال أخي عيسى عندما أرى هؤلاء القوم من أمتي يُحجزون ويُمنعون من الشرب؛ لأنهم بدّلوا وغيّروا في دين الله -عز وجل-، أحدثوا الفرق الباطلة وأدخلوا الخرافات، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة».

تبليغ الأنبياء للتوحيد

     يقول الله -عز وجل-: مخاطبا عيسى بن مريم {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ}، وقومه من النصارى سيشهدون على ذلك توبيخًا لهم كما قال أهل العلم، فيجيب عيسى -عليه السلام - {قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}. دعوتهم إلى الإسلام وإلى توحيد الله -عزوجل-، هذا ما أمرتني به وواجبي التبليغ بالتوحيد كباقي الأنبياء.

     ثم قال: {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ} ما دمت أنا حي وبينهم فأنا أشهد عليهم، فلما توفيتني كنت أنت المراقب الذي تحفظ أعمالهم وتشهدها وتعلمها، وأنت على كل شيء شهيد علما وسمعا وبصرا، فأنت الذي يُجازي العباد كل بحسب عمله إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.

     {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، المتمرد من هؤلاء الذي أتاه الحق فردّه يستحق العذاب، وإن تغفر لهم فغفران العزيز القادر لا غفران العاجز، تغفر له لأنه قدّم أسباب المغفرة، استغفر ربه وعاد فهذا يقتضي الحكمة منك أت تغفر له، يقول أهل العلم:إن هذه الآية وهذا الحديث وجه التطابق بينهما أن الأنبياء والرسل لا يعلمون من أحوال أممهم إلا ما شهدوه، أما بعد أن ماتوا لا يعلمون شيئا من أحوال أممهم، فالنبي يقول هؤلاء أصحابي، لكن يُخبره المَلَك أنك لا تعلم ما أحدثوا من بعدك؛ ورد في هذه الأحاديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أصحابي، وفي رواية قال أُصيحابي على سبيل التقليل.

 

 

الحذر من التبديل والتغيير والابتداع

     هذه الأحاديث تُحذرنا من التبديل والتغيير والابتداع في دين الله -عز وجل-، وتحثنا على الثبات على التوحيد وعلى المنهج الصحيح كتاب الله وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - على فهم السلف وتحقيق منهج الاتباع للنبي-  صلى الله عليه وسلم - حق الاتباع، هذا الذي ينجو، وهذا الذي يشرب من حوض النبي-  صلى الله عليه وسلم .

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك