رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: فيصل العثمان 6 فبراير، 2023 0 تعليق

شرح كتاب فضل الإسلام للشيخ محمد بن عبدالوهاب (23) تابع باب: قوله -تعالى-: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّي

هذا الباب يركز على أن الإنسان خلقه الله -سبحانه وتعالى- على الفطرة السليمة، وأن هذه الفطرة هي الإسلام والتوحيد والإيمان بالله -عز وجل-، ومن الأحاديث التي أتى بها الإمام -رحمه الله- في هذا الباب حديث أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تُنتج البهيمةُ بهيمةً جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء، حتى تكونوا أنتم تجدعونها؟»، ثم قرأ أبو هريرة - رضي الله عنه - «فطرة الله التي فطر الناس عليها». هذا الحديث متفق عليه، يبين فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن كل مولود يولد على الفطرة، أي أن الله -تعالى- فطر هذا المولود على التوحيد، وعلى الإيمان بالله -عز وجل-. فالفطرة هي دين الإسلام.

     فالأصل أن الإنسان مسلم مفطور على الإسلام وإخلاص العبادة لله -عزوجل-، لكن يتغير بأثر البيئة المحيطة؛ لذلك قال النبي -عليه السلام-: فأبواه يهودانه أي يجعلانه يهوديا، أو ينصرانه فيصبح نصرانيا، أو يمجسانه فيصبح مجوسيا، وإلا فالأصل أنه على التوحيد، كالأرض الخصبة مهيأة للخير، لكن إذا تغيرت بالملوحة والأمطار المالحة أو المياه غير الصالحة تلفت وأصبحت لا تصلح للخير، ثم ضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - مثالا يبين فيه ما يريد قال: «كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء» أي كما تولد هذه البهيمة جمعاء -يعني صالحة سليمة ليس فيها عيب- هل تحسون فيها من جدعاء -أي قطع- حتى تكونوا أنتم تجدعونها، يأتي صاحب البهيمة يقطع هنا أو يغير هنا، وإلا فهي تولد سليمة، ثم قرأ أبو هريرة -بعد أن ذكر حديث النبي- قوله -تعالى-: {فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها}.

المولود على الفطرة السليمة

     فهذا الحديث فيه أن المولود على الفطرة السليمة حتى يأتي المربي فيُغَيّر، وكذلك المخالط؛ لذلك حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من جليس السوء كما في حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك -أي يعطيك-، وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد ريحا طيبة منه، والجليس السوء كنافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة». فالجليس الصالح في كل أحواله تجد منه خيرا، وهذا شأن أهل الخير إذا جالستهم، فالإنسان يحرص على البيئة السليمة حتى تُنبت هذه الفطرة السليمة ما أراد الله -سبحانه وتعالى- لها من الخير، وإن كانت البيئة سيئة فهذه الفطرة السليمة تطمس وتشوه.

وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني

     ثم ذكر الإمام -رحمه الله تعالى- قال: وعن حذيفة - رضي الله عنه - -أي حذيفة بن اليمان- وهذا الصحابي له ميزتان أحدهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبره بأسماء المنافقين، والثانية سنعرفها من هذا الحديث، يقول حذيفة - رضي الله عنه -: كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، فقلت: وهل بعد هذا الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: قوم يستنون بغير سنتي ويهتدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، فتنة عمياء ودعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله، صفهم لنا، فقال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام، قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك» أخرجه البخاري ومسلم إلا «فتنة عمياء» ليست عند البخاري ومسلم، إنما هي في رواية الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-. هذا حديث عظيم وفوائده كثيرة، نتعلم منه كيف نتصرف في أمور الفتن؟ وكيف نعرف أهل الفتن؟ وكيف نرد عليهم؟.

الميزة الثانية للصحابي حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه 

     وفي هذا الحديث تتجلى الميزة الثانية للصحابي حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - أنه كان يسأل النبي عن الشر كما كان يسأل الناس النبي عن الخير؛ مخافة أن يدركه هذا الشر، فكان الناس يسألون النبي عن الصلاة والصيام والتوحيد وإفراد الله بالعبادة، أما حذيفة ففضلا عن ذلك كان يسأل عن الشر ليستعد له؛ فالإنسان مأمور أن يسأل عن الشر كما يسأل عن الخير.

تعلم الشر لتحذره

     وهذا الحديث فيه دليل على أننا مأمورون ألا نقتصر على تعلم الخير فقط، إنما نتعلم الشر أيضا لنَحْذر من هذا الشر ونُحَذِّر الناس، فتصور معي إنسانا تعلم توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية والأسماء والصفات والصلاة والصيام، وكان عنده شرك! وهذا نراه في كثير من الناس لم يتعلموا أن هذا الفعل أو القول فيه أمر شركي، وهذا أمر خطير. فكما نتعلم الخير نتعلم الشر، نتعلم الشُبَه ونعرف كيف نتقي هذه الشُبه كي لا نقع فيها، وهنا حذيفة - رضي الله عنه - يسأل النبي ليتعلم، وفيه أن طالب العلم إذا استحى لا يتعلم، فلابد من لسان سؤول حتى يتعلم. يقول حذيفة: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، يشير إلى أمرهم قبل أن يسلموا من قتل ونهب وفواحش وعبادة الأصنام؛ فجاءنا الله بهذا الخير، أي الإسلام فإنه خير كله، سواء فيما يتعلق بالعبادة أم الأخلاق أم المعاملات.

فهل بعد هذا الخير من شر؟

     ثم يسأل: فهل بعد هذا الخير من شر؟ فلم ينهره النبي عن هذا السؤال، إنما أجابه: نعم، فقال حذيفة: وهل بعد هذا الشر من خير؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: نعم وفيه دخن، وهذا فيه إشارة إلى أن الخير الثاني ليس كالخير الأول، الخير الأول خير القرون قرن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قرن التابعين. كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «خير الناس قرني»، أما الخير الثاني فهو خير فيه دخن -أي معكر مغطى نوره- قال حذيفة: وما دخنه يا رسول الله؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: «قوم يستنون بغير سنتي ويهتدون بغير هديي»؛ فهم قوم عندهم من أعمال الخير، لكن لديهم أعمال أخرى باطلة. فالمسلم إذا استن بغير سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - واهتدى بغير هديه فهذا عمله فيه دخن، وهذا لا يتأتى إلا بفهم صحابته.

تعرف منهم وتنكر

     (تعرف منهم وتنكر) أي أعرف أعمالهم الصالحة من صلاة وزكاة وصوم وغيرها. وأنكر الأمور المختلطة من أقوال وأفعال وأفكار؛ وذلك لأنه لم يستن بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتجده متعصبا لمذهبه. وفي الحديث عند مسلم يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فمن أنكر برئ ومن كره فقد سَلِم». إذا رأيت شخصا يقوم بأعمال مخالفة تنكر عليه، وإذا لم تستطع أن تنكر عليه فاكره في قلبك كي تسلم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك