رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: فيصل العثمان 28 سبتمبر، 2022 0 تعليق

شرح كتاب فضل الإسلام للشيخ محمد بن عبدالوهاب (11) باب: وجوب الاستغناء بمتابعة النبي – صلى الله عليه

شرح كتاب فضل الإسلام للشيخ محمد بن عبدالوهاب (11) باب: وجوب الاستغناء بمتابعة النبي - صلى الله عليه وسلم- عن كل ما سواه

 

قال: باب وجوب الاستغناء بمتابعة الكتاب عن كل ما سواه. ولو تأملنا الموضوع لما وجدنا فرقا بين الترجمتين؛ لأن الذي يتابع النبي -صلى الله عليه وسلم - هو في الحقيقة متابع للكتاب. وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه»؛ فسنة النبي وحي كما أن القرآن وحي.

     فالكتاب والسنة كافيان للناس ولا حاجة لغيرهما، أما الذي يستغني عن الكتاب والسنة بشيء آخر لا يُفلح، أو مع الكتاب والسنة من المناهج الأخرى الباطلة لا يُفلح، والذي يأخذ بالكتاب والسنة على فهم السلف يستغني عما سواهما. وهذا مصداق لقول الله -عز وجل-: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ}.

{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}

     الإمام -رحمه الله تعالى- عندما ترجم لهذه الترجمة قال: وقول الله -تعالى-: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}. والكتاب في الآية هنا الكتاب والسنة. وقول الله -عز وجل-: {تبيانا لكل شيء}، أي أن الله -سبحانه وتعالى- بيّن في هذا الكتاب وفي هذه السُّنة الدين الذي يريده من خلقه، ويرضاه من عبده. وإفراد الله بالعبادة، إما عبادات عملية أو عبادات قلبية. كل هذه عبادات يُفرد بها الله -عز وجل-، وهذه هي القضية الأصل التي بُعث بها الأنبياء والرسل، هذا ما بيّنه الله وبيّنته السنة حق بيان، وكذلك بيّن في الكتاب والسنة كل دين لا يقبله من خلقه، وهو الشرك بالله -عز وجل.

{هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}

     قال: {هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}؛ فالذي يأخذ بالكتاب والسنة فإنهما له هدى ورحمة. الهداية والتوفيق والدلالة، والذي يتمسك بالكتاب والسنة لاشك أنه على الصراط المستقيم المؤدي إلى رحمة الله -عز وجل- وهي الجنة. أما الذي يتنكب هذا الكتاب وهذه السُّنة فهما عليه حجة.

     ثم قال -رحمه الله تعالى-: روى النسائي وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أنه رأى في يد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ورقة من التوراة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «أَمُتَهَوِّكون يا ابن الخطاب؟! لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لو كان موسى حيا واتبعتموه وتركتموني ضللتم» وفي رواية «لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي» فقال عمر: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا.

أمتهوكون يا ابن الخطاب؟

في يوم من الأيام رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في يد عمر ورقة يقرأ منها، فعلم أنها من التوراة؛ فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: أمتهوكون يا ابن الخطاب؟! أي أمتحيرون في ديننا؟ أفي ريب نحن من ديننا؟ فهذا الأمر استنكره النبي - صلى الله عليه وسلم - على عمر، أنه طلب الحق من غير الكتاب والسنة.

يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته في هذا الحديث: «لو كان موسى حيا واتبعتموه -مع أنه رسول من أولي العزم من الرسل- لضللتم» سبحان الله! يضلون وهم يتبعون نبيا! نعم؛ لأن فترة موسى انتهت، وعندما جاءت شريعة النبي - صلى الله عليه وسلم - نسخت كل الشرائع. صحيح أن كل الأنبياء والرسل على دين واحد من حيث العقيدة وإفراد الله بالعبادة ونبذ الشرك، لكن الشرائع نُسخت بشريعة النبي - صلى الله عليه وسلم -. فالذي يريد شرعا غير شرع النبي وإن كان من شرائع الرسل السابقين لا يُقبل منه.

رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - عامة

     لذلك فرسالة كل رسول خاصة، ورسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - عامة. قال -سبحانه وتعالى-: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}. فرسالته - صلى الله عليه وسلم - تعم الثقلين.

     لو قُدّر أن هذه الشرائع لم تُحرّف، نقول هي منسوخة. فالمسلم عنده الكتاب والسُّنة بفهم السلف لا يحتاج إلى غيرهما، وهذا الأمر لا يكون بهواك ولا باستحسانك؛ فأنت تدور كما أمر الله -سبحانه وتعالى-، وعلى حكم الله -عز وجل-، والله -سبحانه وتعالى- هو الذي بعث الأنبياء من قبل، وبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - من بعدهم خاتما لهم، وشريعته ناسخة لشرائعهم. {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}.

     بعد أن سمع عمر - رضي الله عنه - ما قال النبي لم يجادل ولم يناقش، قال مباشرة: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا؛ فإذا أتاك الناصح بالدليل الصحيح، اقبل منه ولا تجادل، مادام الذي استدرك عليك أمرا أو نصحك بنصيحة عنده الدليل الصحيح؛ فأسرع بالمبادرة بالقبول، وسلفك في ذلك عمر - رضي الله عنه -. أما الذي يتريث ويتلكأ ولا يقبل بالحق قد ينطبق عليه قول الله -عز وجل-: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}.

     فيجب على المسلم أنه إذا جاءه الناصح باستدراك أو تعديل على قول أو فعل مني أن أُحسِن الإنصات وأُحسن الاستماع، لعل الحق يكون عنده، ودائما أتهم نفسي، وأحسن الظن بإخواني؛ لأنه لا أحد عنده الحق كاملا، فكلنا يصيب ويخطئ. وهذا خلق قليل عند الناس، والذي عنده هذا الخلق فهذا دليل على علمه وحكمته وفهمه؛ فهو يستمع إلى النصيحة ولا يجزع منها، حتى لو كانت ممن هو أقل مني علمًا أو أصغر مني سنًا، فالحق غايتي.

مراد المصنف من الاستدلال بهذا الحديث

     مراد المصنف من الاستدلال بهذا الحديث أنه إذا كانت هذه التوراة وهذا الإنجيل يُستغنى عنهما بما فيهما من التحريف والتبديل، ويحرم النظر فيهما للإنسان العامي الذي لا يدرك الأمور على الوجه الصحيح؛ لأنه قد يقع، ويجوز ذلك لأهل العلم إذا كان هناك غرض شرعي أن ينظر في هذا الأمر حتى يستطيع أن يرد على الشُّبَه ويبيّن. أما نحن العوام البسطاء قليلو العلم فلا يحسن بنا ذلك أبدا، عندنا غُنْية بالكتاب والسنة، لا نحتاج إلى غيرهما. وما ينطبق على التوراة والإنجيل ينطبق على كتب أهل الضلال المبثوثة الآن بين الناس، فلا أقرأ كل شيء ولا أسمع كل شيء. يكفيني كتب أهل الحق والعلماء الربانيين، ألزمها وأقرأ فيها.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك