رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: فيصل العثمان 25 أكتوبر، 2022 0 تعليق

شرح كتاب فضل الإسلام للشيخ محمد بن عبدالوهاب (13) تابع باب: ما جاء في الخروج عن دعوى الإسلام

 

كتاب فضل الإسلام من أَقْيَم كتب الشيخ محمد بن عبدالوهاب؛ لذلك اعتنى به العلماء شرحًا وتعليقا، وهو كتاب فيه حث على التمسك بالإسلام ظاهرًا وباطنًا، وفيه التحذير من البدع وبيان خطرها على الأمَّة والمجتمع والأسرة وعلى الفرد، وفيه بيان لرسالة السلف، وأن السلف يحملون منهجًا ورسالةً، فهذا الكتاب يظهر بعضها.

     يذكر فيه الشيخ أمورا هي من نواقض الإسلام، لكن لا يتنبه لها كثير من المسلمين، فيقعون في مثل هذه الأمور؛ مما قد يخرجه ذلك عن دينه، عن مسماه المسلم أو يبعده عنه، ولذلك يحذر الشيخ المسلمين ألا يقعوا في مثل تلك الأمور.

     حديث الحارث الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «آمركم بخمس الله أمرني بهن، السمع والطاعة، والجهاد، والهجرة، والجماعة، فإنه من خالف الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يرجع، ومن دعا بدعوى الجاهلية فإنه من جُثى جهنم؛ فقال رجل: يا رسول الله، وإن صلى وصام؟! قال: وإن صلى وصام؛ فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين والمؤمنين»، هذا الحديث رواه الإمام أحمد والترمذي وقال حسن صحيح.

السمع والطاعة والجهاد

     ذكرنا في المرة السابقة أمرين: السمع والطاعة، والجهاد، واليوم نُكمل الحديث، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (والهجرة)، الهجرة أمر مهم، أمر الله -سبحانه وتعالى- ونبيه -صلى الله عليه وسلم - المسلم إذا كان في أرض كفر أن يهاجر إلى أرض الإسلام. والهجرة مأخوذة من الهجر، والهجر في اللغة الترك، قال الله -سبحانه وتعالى-: {والرجز فاهجر} يعني الأصنام فاترك، هذا المعنى اللغوي، أما معنى الهجرة في المصطلح الشرعي: هي الانتقال من دار الكفر إلى بلد الإسلام فرارا بالدين؛ فالمسلم إذا كان بدار كفر فليجتهد ألا يبقى فيها؛ لأنه قد يتأثر بأمور تحدث من الكفار فيتأثر إسلامه ودينه وإيمانه، أو يتجبر عليه هذا الكافر فيمنعه من عبادته لله، فهو بين التأثر والمنع؛ لذلك إذا كان في مثل هذه الحال وجب عليه الهجرة؛ لأن أهم شيء عند الإنسان دينه، يقول الله -سبحانه وتعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}. هذه الآية تخاطب هذا الذي كان في أرض الكفر وهو مسلم وقادر على الهجرة ولم يهاجر؛ فقال الله -سبحانه وتعالى-: {فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.

استثناء المستضعفين

     والآية استثنت المستضعفين، إذا كان الإنسان لا يستطيع، مثل أن يكون كبيرا في السن، أو مريضا، فهذا معذور، كما قالت الآية: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99) وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}. يوسع الله عليه؛ لأنه هاجر في سبيل الله. ثم إنه لما هاجر ولم يصل إلى دار هجرته فقد وقع أجره على الله كأنه هاجر.

الهجرة أنواع

     والهجرة أنواع، فليست فقط الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان والإسلام، بل قال أهل العلم قد تكون هناك هجرة واجبة من دار بدعة إلى دار سنة؛ فلو عاش إنسان في وسط أقوام من أهل البدع سيتأثر بهم، حتى وإن كانوا أصحابك؛ فإنك إن لم تُؤثّر فيهم أثّروا فيك. فإنك إن لم تكن تدعوهم إلى الخير وتعلمهم السُّنة وتُناصحهم، فاتركهم واهجرهم.

     وهناك نوع آخر من الهجرة، كما قال الله -تعالى-: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ}. قال أهل العلم: هناك هجرة مما سوى الله. فتجد إنسان يهجر أي شيء يشغله عن الله. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «المهاجر من هجر ما نهى الله عنه»، ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «والجماعة، فإنه من خالف الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يرجع، ومن دعا بدعوى الجاهلية فإنه من جثى جهنم».

معنى الجماعة

     ومعنى الجماعة، هي أن تلزم جماعة المسلمين ولا تشذ عنهم. قال الإمام البربهاري - رضي الله عنه -: من السُّنة لزوم الجماعة. ولزوم الجماعة أي عدم الخروج عليها أو عنها، ولا تختلف عليها، والمراد بالجماعة هنا جماعة الحق. جماعة الإمام الذي له الغلبة والشوكة والبيعة. قال الإمام الخطابي في كتابه (العزلة): الفُرقة فُرقتان، فُرقة الآراء والأديان. أن تكوّن حزبا أو جماعة وتقول أنا جماعة المسلمين، فهذه فُرقة في الآراء وفي المنهج والفكر. وتكون بذلك خارجيا؛ فليس الخروج بالسيف فقط، بل في الرأي والقول والجماعة. فلزوم جماعة المسلمين مع الإمام المعروف المُبايع الذي على الحق، هذا هو اللزوم الذي يريده الشيخ هنا؛ فمن خالف إمامه في ذلك وقع في الخروج، والخروج ليس فقط في السيف، بل مبدأ الخروج في السيف اللسان والكلام والرأي، كأن ينصح الإمام على الملأ ويَنْقُد، ويجرح بالكلام، نقول: مناصحة الأئمة مشروعة بشروط؛ فهل تعرف شروطها؟ قبل أن تناصح الإمام أو من وضعه الإمام كوزير أو غيره. فإن حُكم من أتى به الإمام كحكم الإمام في عدم مناصحته على الملأ، ونقده، وإضاعة هيبته. هذا كله من الخروج وعدم ملازمة الجماعة. يقول الإمام الخطابي: الفُرقة فُرقتان، فُرقة الآراء والأديان، وفرُقة الأشخاص والأبدان، وهو السيف والخروج. وهذا كله لا يصلح.

مناصحة الأئمة

     ومناصحة الأئمة لابد أن تكون من العلماء الذين عندهم علم، وليس الجُهّال حتى وإن كان مثقفًا أو من يسمي نفسه بناشط سياسي؛ فهؤلاء ليسوا عندهم من العلم الشرعي ومن الضوابط ما يناصحون به. ثم لا تناصحه على الملأ حتى لا تُضيع هيبته؛ فهذا ليس منهج أهل السُّنة والجماعة، وليست هذه طريقة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا الصحابة.

الدعوى بدعوى الجاهلية

     ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: «ومن دعا بدعوى الجاهلية فإنه من جثى جهنم، فقال رجل: يا رسول الله، وإن صلى وصام؟! قال: وإن صلى وصام».

     إذًا فالخامسة، أن يكون هذا الإنسان المسلم يدعو بدعوى الجاهلية، وهذا يحدث كثيرًا، فالواجب على المسلم أن يتبرأ من أمور الجاهلية، والجاهلية هي ما كان عليه الناس قبل بعثة النبي. وأمور الجاهلية كثيرة عدّها الشيخ محمد بن عبدالوهاب في كتابه (مسائل الجاهلية) أكثر من مئة. يظن بعض الناس أنها انتهت. الجاهلية العامة انتهت، لكن تبقى منها جزيئات. فيجب على كل إنسان على أن يتبرأ من أمور الجاهلية ويحرص على ألا يقع في شيء منها. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهم. الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة على الميت». هذه بعض أمور الجاهلية ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم -، لابد أن تجد بعض المسلمين من يقع فيها، فاحرص ألا تكون منهم.

     كذلك التعصب والعصبية لسوى الإسلام، يتعصب لأسرته، يتعصب لشيخه، يتعصب لحزبه، لجماعته، لقبيلته، لمذهبه، هذا من الجاهلية. وفي إحدى الغزوات تشاجر أنصاري ومهاجري، فقال الأنصاري: يا للأنصار. وقال المهاجري: يا للمهاجرين. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم، دعوها فإنها منتنة».

صور الجاهلية

     وصور الجاهلية كثيرة، يقول الله -سبحانه وتعالى-: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلَيَّةِ الأولَى}. انظر إلى نساء المسلمين الآن، أليس فيهن من عندها جاهلية في هذه المسألة؟ بلى، تجد المرأة تتبرج وتخرج، وهذا لا يجوز.

     ويقول الله -سبحانه وتعالى- :{يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ}. الاعتقادات الباطلة في الله -عز وجل-، أو تأويل الصفات والأسماء. هذا ظن سيء بالله -عز وجل.

{أفحكم الجاهلية يبغون} وهذا من العجب، أن تترك حكم الله -عز وجل- (الإسلام الصحيح) وتذهب إلى خصلة من خصال الجاهلية!

     يقول النبي - صلى الله لعيه وسلم -: «ومن دعا بدعوى الجاهلية فإنه من جثى جهنم» يعني سيُصفّد ويُكبّل في جهنم والعياذ بالله؛ لأنها كبيرة من الكبائر. {ونذر الظالمين فيها جثيا} يجثو على ركبهم إما كفرًا وإما معصية. عنده خصلة من خصال الجاهلية لم يتب منها.

قال: (وإن صلى وصام! قال: وإن صلى وصام).

     فننتبه إلى هذه الأمور الخمسة في هذا الحديث العظيم، فإنها أمور خمسة أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - بها، ونهانا عن ضدها.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك