رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: فيصل العثمان 14 ديسمبر، 2022 0 تعليق

شرح كتاب فضل الإسلام للشيخ محمد بن عبدالوهاب (16) باب: ما جاء في أن البدعة أشد من الكبائر

 

المبتدع عاص لله -عز وجل-، ومرتكب الكبيرة عاص لله -عز وجل-، والمعاصي منها الكبير ومنها الصغير، فكل عاصٍ لله -عز وجل-، والشيخ هنا يريد أن يبيّن قضية مهمة، وأنّ البدعة من أعظم المعاصي، بل أعظم من الكبائر، ورغم أن مرتكب الكبيرة على أمر خطير، ومع ذلك فإن المبتدع أعظم خطرا من مرتكب الكبيرة.

     البدعة لغة: هي الشيء المحدث على غير مثال سابق، كما في قوله -تعالى-: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}، أي أن الله -جل وعلا- خلق السموات والأرض وأوجدهما من عدم. والخلق نوعان: خلق من أمور موجودة، أما المبدع هو الذي أوجد الشيء من العدم وهذا ليس إلا لله -عز وجل.

     البدعة اصطلاحا: هي إحداث شيء في الدين ليس له أصل لا من كتاب ولا من سنة، والعبادات توقيفية، فلو أتى شخص وصلى بهيئة جديدة دون دليل، فهذه الصلاة لا تعد قربة إلى الله، بل هي بدعة، ودين الله -عز وجل- كامل، أكمله الله -عز وجل- ومنّ على عباده بذلك، قال -تعالى-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}.

لسان حال المبتدع

     فلسان حال المبتدع يقول: إنَّ الدين ناقص؛ بدليل أنه يفعل شيئا لم يأمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا فعله الصحابة. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»؛ فمن أحدث شيئا في دين الله -عز وجل- فهو مردود عليه، لا يُقبل منه، مهما بذلت من جهد ومال. ولا يُغني عنك حُسن نيتك؛ فبعض من يقعون في البدع نياتهم حسنة، لكن هذا لا يسوّغ البدعة. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار». المُحْدَث في الدين شر وليس بخير، وكل البدع محرمة وهي شر حتى لو كان أصحابها حسني النية. ولفظ كل هنا يفيد العموم والشمول فلا يستثنى بدعة. وقال - صلى الله عليه وسلم -: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ».

حقيقة مهمة

     وهناك حقيقة، أنّ من أحدث بدعة في دين الله -عز وجل- فهو بذلك أزاح السُّنة؛ إذ ما جاءت بدعة إلا وأزاحت سُنّة؛ لأن البدعة والسُّنة متضادتان في دين الله -عز وجل-؛ فالمبتدع لا يُحب السُّنة، وإذا ذُكّر بها ضاق صدره. قال الإمام البربهاري في كتابه (شرح السُّنة): واعلم أن الناس لم يبتدعوا بدعة قط حتى تركوا من السُّنة مثلها؛ فلا تجتمع سُنّة وبدعة في إنسان.

أهل السُنَّة ومحاربة البدع

     وعلماء أهل السُّنة والجماعة اهتموا بمحاربة البدع، وهي من أصول أهل السُّنة والجماعة؛ لذلك أقول: أيها السلفي، إذا رأيت من نفسك ضعفا في هذا الباب، فهذا نقص في سلفيتك؛ لأن محاربة البدع أصل أصيل من منهج أهل السُّنة والجماعة، وقد ألّف العلماء في هذا الباب الكتب منها: (اقتضاء الصراط المستقيم) لشيخ الإسلام ابن تيمية، و(الاعتصام) للإمام الشاطبي، و(البدع والنهي عنها) لمحمد بن وضاح.

من مخاطر البدع

     ومن مخاطر البدع أنها تهمل وهي صغيرة؛ فتكبر وتتأصل في المجتمع وحياة الناس. يقول الإمام البربهاري: واحذر صغار المحدثات من الأمور!؛ فإن صغار البدع تعود حتى تصير كبارا. فأنت لا ترى إنسانا على مذهب أو على فِرقة أو طائفة وهي تحت مظلة الإسلام إلا أنها طائفة من طوائف أهل الباطل التي ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما قال: «وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي». أما باقي الفِرَق فكلها فِرَق بدعية، وهذه الفِرَق ما بدأت كبيرة وعظيمة، لكنها تنامت وكبرت حتى تأصلت وأصبحت فِرقة، ويقال لهم فرقة إسلامية كالمعتزلة والأشاعرة والمتصوفة وغيرهم.

     والجماعات كذلك، انظر إلى الجماعات في الشارع الآن، هل هذه الجماعات على كتاب الله وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم ؟ انظر إلى أدبياتها وإلى تأليفاتها حتى تعرف أنما هي فِرَق وجماعات بدعية، تقترب وتبتعد بحسب قربها وبعدها عن منهج الله -عز وجل- من كتاب الله وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - على فهم السلف؛ فلا يُتساهل مع البدعة أبدا.

البدعة أشد من الكبائر

     الكبائر هي الذنوب الكبيرة، والذنوب على قسمين: قسم كبير وهي الكبائر، وتُعرف الكبائر بعلامات؛ فإذا أوجب الله -سبحانه وتعالى- للفعل حدا من الحدود فاعلم أن هذا الفعل من الكبائر {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ} هذا حد السرقة، إذًا السرقة كبيرة من الكبائر، كذلك الزنا، والربا، والقتل {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ}، إذا رأيت عملا يتوعد على صاحبه بالنار، فاعلم أن هذا الفعل كبيرة. وهناك علامة أخرى وهي غضب الله على من فعل كذا، أو يلعنه الله -سبحانه وتعالى- أو رسوله {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} إذًا قذف المحصنات كبيرة من الكبائر، وهو من الموبقات. أو يتبرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - ممن فعل كذا فهذه كبيرة.

علامات الكبائر

كل هذه علامات ومؤشرات تدل على أن هذا الفعل كبيرة من الكبائر. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح-: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ولم يعرف حق كبيرنا». ويقول -عليه الصلاة والسلام-: «وليس منا مَن غشنا». إذًا فهذا من الكبائر، وإذا وجدت الفعل ليس فيه من هذه المؤشرات فاعلم أنه صغيرة من الصغائر.

البدعة أشد من الكبائر

     ويريد الشيخ أن يبيّن من هذا الباب أن البدعة أشد من الكبائر، فانظر إلى حجم قبح الكبيرة، وكيف أن الله يتوعد صاحبها بالنار ويغضب عليه، ويتبرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - منه؛ فالمبتدع شأنه أعظم وأشر وأخطر عند الله -عز وجل- من فاعل الكبيرة؛ ذلك أن صاحب البدعة يظن أنها من الدين، بعكس صاحب الكبيرة أو الذنب عموما؛ فصاحب الذنب معترف بجرمه وخطئه، وهذا يمكن علاجه. أما المبتدع فلا يعترف بخطئه ولا يقبل منك النصح، ويظن أنه على دين الله -عز وجل-، فهذا جهله مركب ويصعب علاجه.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك