شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 108 ) باب: ما يقـــــال فـي الخـطــبـــة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.
412.عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ ضِمَادًا قَدِمَ مَكَّةَ وكان مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ، وكان يَرْقِي مِنْ هذه الرِّيحِ، فَسَمِعَ سُفَهَاءَ مِنْ أَهلِ مَكَّةَ يقولون: إِنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ! فقال: لو أَنِّي رأَيْتُ هذا الرَّجُلَ، لَعَلَّ اللَّهَ يَشْفِيهِ عَلَى يَدَيَّ، قال: فَلَقِيَهُ فقال: يا مُحَمَّدُ، إِنِّي أَرْقِي مِنْ هذه الرِّيحِ، وإِنَّ اللَّهَ يَشْفِي على يَدِي مَنْ شَاءَ، فهل لك؟ فقال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فلا مُضِلَّ لهُ ، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هَادِيَ لَه، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وحدهُ لا شريك له، وأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ «قال فقال: أَعِدْ علَيَّ كلماتِكَ هولَاءِ، فأَعَادَهُنَّ عليه رَسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قال فقال: لقدْ سمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ، وقَوْلَ السَّحَرَةِ، وقَوْلَ الشُّعَرَاءِ، فما سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هؤلَاءِ، ولقد بَلَغْنَ نَاعُوسَ الْبَحْرِ، قال فقال: هاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الْإِسْلَامِ، قَال: فَبَايَعَهُ فقال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : «وعلى قَوْمِكَ، قَال: وعَلَى قَوْمِي، قَال: فَبَعَثَ رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً، فَمَرُّوا بِقَوْمِهِ، فقال صَاحِبُ السَّرِيَّةِ لِلْجَيْشِ: هَلْ أَصَبْتُمْ مِنْ هَؤُلَاءِ شَيْئًا؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوم: أَصَبْتُ مِنْهُمْ مِطْهَرَةً، فقال: رُدُّوهَا، فَإِنَّ هؤلَاء قَوْمُ ضِمَادٍ .
الشرح: قال المنذري: باب: ما يقال في الخطبة. والحديث رواه مسلم في الجمعة (2/592) باب: تخفيف الصلاة والخطبة.
قوله: «إن ضمادا قدم مكة ، وكان من أزد شنوءة» ضماد : فبكسر الضاد المعجمة، وهو ابن ثعلبة، صحابي، وشنوءة: بفتح الشين وضم النون وبعدها مد، الأزدي من قبيلة الأزد العربية.
قوله: «وكان يرقي من الريح» يرقي أي: يعالج، والمراد بالريح هنا: الجنون ومس الجن، وفي غير رواية مسلم «يرقي من الأرواح» أي: الجن، سُموا بذلك؛ لأنهم لا يُبصرهم الناس، فهم كالروح والريح.
قوله: «وإِنَّ اللَّهَ يَشْفِي على يَدِي مَنْ شَاءَ» أثبت لله سبحانه أنه هو الشافي، وعلق الشفاء بمشيئة الله، فمع الأخذ بأسباب الشفاء، يبقى الأمر لله تعالى، يشفي من يشاء، فإن الله يقول: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} الشعراء:80، وكان صلى الله عليه وسلم يدعو يقول: «اللهم رب الناس أذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقماً» متفق عليه.
وهذا الأدب مع الله -عز وجل- من قِبَل رجل لم يُسْلِم بعد ، فسبحان الله .
أما أدبه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه لم يصفه أو يضف إليه أي كلمة مما اتهمه بها سفهاء مكة من أنه شاعر أو كاهن أو مجنون، فكل ما قاله: «يا محمد، إني أرقي من هذه الريح» فلم ينطق بلفظ الجنون، مع أنه اللفظ الذي سمعه من سفهاء مكة، فلم يُعِدْ على سمعه صلى الله عليه وسلم ما قالوه حتى لا يؤذيه، ومن أدبه رضي الله عنه: أنه قال في آخر مقالته للنبي صلى الله عليه وسلم : فهل لك بأسلوب عرض، لا بأسلوب أمر أو استهزاء .
قوله: «فقال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فلا مُضِلَّ لهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هَادِيَ لَه، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وحدهُ لا شريك له، وأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُه»، هذه الخطبة التي استفتح النبي صلى الله عليه وسلم بها رده على ضمام، يقال لها: خُطبة الحاجة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يجعلها بين يدي خطبه ومواعظه، وكان يعلمها أصحابه، وهي تحوي الكثير من الفوائد، والبلاغة النبوية، وقد ابتدأت: بأصل الدين وقاعدته، وهو توحيد الله -عز وجل- ونفي الشريك عنه، واشتملت على أنواع التوحيد الأخرى، ففيها ثناء العبد على الله -تعالى- بما يستحقه، واستعانته بربه ومولاه، وفيها تفويض الأمر إلى الله، والإيمان والإقرار بأن الهداية والإضلال بيد الله -سبحانه وحده- فمنْ شاءَ الله هداه، ومنْ شاء أضله، وفيها ذكر الشهادتين، وهما مفتاح الدخول في الإسلام، ومفتاح الجنان.
وهذه الخطبة من دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي أنه أوتي جوامع الكلم، وفواتحه وخواتمه، وحسن البيان، وحلاوة المنطق، فكان يتكلم بالكلام الموجز، القليل اللفظ، الكثير المعاني؛ ولذا فإنّ ضماداً -رضي الله عنه- لما سمع خطبة الحاجة، ولم يسمع منه أكثر من ذلك، قال: «فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء، ولقد بلغن ناعوس البحرى مع أنه -رضى الله عنه- سمع الكثير من كلام أهل الشعر والبلاغة، ولكنه علم أنّ هذا الكلام الذي سمعه من النبيصلى الله عليه وسلم له طابعة الخاص، ويختلف تماما عما اعتاد عليه من الشعر وغيره، كما قال الله تعالى {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى}(النَّجم : 3 : 4).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فُضِّلتُ على الأنبياء بستٍ: أُعطيتُ جوامعَ الكلم، ونُصرتُ بالرُعب، وأُحلتْ لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً، وأرسلت إلى الخلق كافة، وخُتم بي النبيون» رواه مسلم .
وهذه الخطبة وردت من حديث جابر رضي الله عنه، وقال فيه: «إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك إذا خطب»، كما روى ذلك مسلم والنسائي وغيرهما، وقوله: «إذا خطب» يشمل الخطب كلها، بما فيها خطبة الجمعة والعيدين والاستسقاء، وقد جاء التخصيص على خطبة الجمعة كما في رواية لمسلم، كما أنها تقال عند عقد النكاح أيضاً.
فعلى الخطباء أنْ يُحيوا هذه السُنة النبوية ، فتكون أكثر خطبهم مبدوءة بخطبة الحاجة، لا كما هو منتشر، أنهم قلّ ما يخطبون بها .
وخطبة الحاجة قد أفردها الشيخ الألباني برسالة خاصة بها .
قوله: «أما بعد» فيه: استحباب قول: «أما بعد» في خطب الوعظ والجمعة والعيد وغيرها، وكذا في خطب الكتب المصنفة، وقد عقد البخاري بابا في استحبابه، وذكر فيه جملة من الأحاديث.
واختلف العلماء في أول من تكلم به، فقيل: داود عليه السلام، وقيل: يعرب بن قحطان، وقيل: قس بن ساعدة، وقال بعض المفسرين أو كثير منهم: إنه فصل الخطاب الذي أوتيه داود! والصواب: إن فصل الخطاب، هو الفصل بين الحق والباطل.
قوله: «أَعِدْ علَيَّ كلماتِكَ هولَاءِ، فأَعَادَهُنَّ عليه رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قال فقال: لقدْ سمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ، وقَوْلَ السَّحَرَةِ، وقَوْلَ الشُّعَرَاءِ، فما سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هؤلَاءِ، ولقد بلغن ناعوس البحر» قال النووي: ضبطناه بوجهين أشهرهما «ناعوس» بالنون والعين هذا هو الموجود في أكثر نسخ بلادنا، والثاني: «قاموس» بالقاف والميم، وهذا الثاني هو المشهور في روايات الحديث في غير صحيح مسلم .
وقال القاضي عياض: أكثر نسخ صحيح مسلم وقع فيها «قاعوس» بالقاف والعين. قال: ووقع عند أبي محمد بن سعيد «تاعوس» بالتاء المثناة فوق. قال: ورواه بعضهم «ناعوس» بالنون والعين، قال: وذكره أبو مسعود الدمشقي في أطراف الصحيحين، والحميدي في الجمع بين الصحيحين «قاموس» بالقاف والميم، قال بعضهم : هو الصواب .
قال أبو عبيد: قاموس البحر وسطه. وقال ابن دريد: لجته، وقال صاحب كتاب العين: قعره الأقصى، وقال الحربي: قاموس البحر قعره، وقال أبو مروان بن سراج: قاموس فاعول من قمسته إذا غمسته، فقاموس البحر لجته التي تضطرب أمواجها، ولا تستقر مياهها، وهي لفظة عربية صحيحة.
قوله: «فقال: هاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الْإِسْلَامِ، قَال: فَبَايَعَهُ فقال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «وعلى قَوْمِكَ» قَال: وعَلَى قَوْمِي» أي: على دعوتهم للإسلام.
قوله: «قال: فَبَعَثَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً، فَمَرُّوا بِقَوْمِهِ، فقال صَاحِبُ السَّرِيَّةِ لِلْجَيْشِ: هَلْ أَصَبْتُمْ مِنْ هَؤُلَاءِ شَيْئًا؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوم: أَصَبْتُ مِنْهُمْ مِطْهَرَةً، فقال رُدُّوهَا، فَإِنَّ هؤلَاء قَوْمُ ضِمَادٍ» المطهرة: بكسر الميم وفتحها، والكسر أشهر، الإناء الذي يتطهر منه.
وإنما أمر بردها لهم؛ لأنهم مسلمون .
وفي قصة إسلام ضماد -رضي الله عنه- هذه الكثير من الفوائد والعبر التي ينبغي الوقوف معها، والاستفادة منها، ومنها:
1- ظهور الحِلم النبوي، فقد عَرض ضماد على رسول الله صلى الله عليه وسلم معالجته من مرض الجنون، وهذا موقف يثير الغضب، لكن النبي صلى الله عليه وسلم استقبل ذلك بحلمٍ وصبر، فقد كان صلى الله عليه وسلم لا تستفزه الشدائد، ولا تغضبه الإساءات، فقد اتسع حلمه حتى جاوز العدل إلى الفضل، مع من أساء إليه، وجهل عليه .
وقد تضافرت الأخبار، وكثرت المواقف الدالة على اتصافه صلى الله عليه وسلم بالحلم، فكان أحلم الناس، يتجاوز عن المسيء، وينصحه ويدعوه، فيشرق قلبه بالإسلام.
2- وفيها: أن الهداية بيد الله تعالى وحده، كما قال تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}(القصص: 56)، فكم سمع من الكفار والمشركين وأهل الكتاب كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، بل من آيات القرآن الكريم، ولم يؤمنوا، بل ازدادوا ضلالة وغواية، وهذا ضماد -رضي الله عنه- لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم إلا كلمات معدودة، وليست من القرآن، بل من كلامه صلى الله عليه وسلم ، لكنه آمن بغير ترددٍ ولا تحير، وهذا يؤكد أنّ الهداية بيد الله وحده، فدعاية قريش وتشويههم للنبي صلى الله عليه وسلم ، واتهامهم له بالجنون، لم تصد ضماداً الأزدي -رضي الله عنه- عن الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم ، بل كانت سببًا في إسلامه، بل وإسلام قومه جميعا ، قال الله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ}(البقرة : 216).
فلو أراد الله تعالى هداية شخصٍ، فمن الذي سيقف دون ذلك، ولو اجتمعت قوى الأرض كلها؛ ولذا فإنّ ما يبذله أعداء الملة، وخصوم الشريعة من محاولات، وجهود وأموال وأوقات، واجتماعات وقرارات، للصدّ عن سبيل الله ودينه، ونشر الفساد والضلال في أوساط المسلمين، فإنه لن يضر من قد كتب الله له الهداية، فإنه «منْ يهدِ الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له».
ولا يعني هذا أنْ يقف الدُعاة والمصلحون موقف المتفرج! بحجة أن من يهده الله فلا مضل له، بل إنهم يجب عليهم أنْ يدعوا الناس إلى سبيل ربهم، ليلا ونهاراً، بالحكمة والموعظة والجدال بالتي هي أحسن، كما أمرهم الله سبحانه، ويأخذوا بسنة التدافع حتى يحكم الله في خلقه ما يشاء، {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }(الحج: 40).
3- وفيها : رجاحة عقل ضماد -رضي الله عنه- فقد استعرض في ذهنه في وقت قصير، قول الكهنة والسحرة والشعراء، وقارنه بكلام النبي صلى الله عليه وسلم ، فتيقن أنه كلام رسول من عند الله عز وجل، لا يشبه كلام غيره .
4- أن العرب قبل الإسلام كانت تعتقد بمسّ الجن، ويسمونه الريح، وجاء الإسلام فأقرّ هذا الاعتقاد ، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}(البقرة: 275)، وقد أنكر المعتزلة وأهل الكلام ذلك قديما! وبعض الناس في وقتنا هذا! بل وبعض المنتسبين للعلم، مس الجن للإنس! بسبب جهلهم بالنصوص الشرعية من الكتاب والسنة، أو تحريفهم لمعانيها، وهي دالة على هذا الأمر، كما أنّ الواقع المحسوس يصدّق هذا ويُؤكده.
ومس الجن للإنس له أسباب كثيرة، فقد يكون بسبب هجر المرء للقرآن والذكر، وعدم محافظته على الأذكار الشرعية التي تحفظه بإذن الله، أو بتركه للصلوات، أو بسبب كثرة الذنوب والمعاصي، وقد يكون ابتلاءً من الله عز وجل، ليرى صبر عبده وصدق توكله على الله تعالى.
وعلاج المس إنما يكون بالرقى الشرعية من الكتاب والسنة، وأهم من ذلك صدق التوكل على الله تعالى، وإخلاص الدعاء له، والاستغفار وترك المعاصي، مع الحذر من الطرائق الشركية والبدعية في العلاج، أو الذهاب إلى الكهنة والسحرة، أو حتى الجهلة ممن تصدوا للعلاج، والواقع أنهم هم يحتاجون إلى علاج .
5- وفيها: أن من العرب قبل الإسلام مَنْ كان يّرقي ويعالج من مس الجن، وربما استعانوا بالجن في ذلك، فأبطل الإسلام كل أنواع الاستعانات بالجن، وقد قال الله تعالى عنهم: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا}(الجن: 6)، أي : زادوا الكفار خوفاً وإثماً وطغياناً، ولم ينفعوهم بشيء .
6- وفيها: أن من العرب في الجاهلية، من يعتقد أن الشافي هو الله وحده، ومع الأسف الشديد، فإنّ بعض المسلمين اليوم مَن يعتقد أن بعض المخلوقين يشفي من دون الله تعالى! فهذا ضماد رغم أنه جاهلي، فإنه على الفطرة، ويقول للنبي صلى الله عليه وسلم : إنّ الله يشفي على يدي من شاء.
7- وفيها: فضل ضماد رضي الله عنه، فإنه سمع خطبة الحاجة فتأثر بها، وطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم إعادتها، ثم أسلم بسببها، بل صار داعية إلى الإسلام بعد سماعها، وأسلم قومه بدعوته لهم، وكم من المرات قد سمع الناس هذه الخطبة، وكم مرة قد قرؤوها، ولم يحصل لهم شيء مما حصل لضماد رضي الله عنه، وهي خطبة عظيمة، قد اشتملت كما ذكرنا على حمد الله تعالى، والاستعانة به، وأنه هو المعبود وحده لا شريك له، وغير ذلك من المعاني؛ فهلا إذا سمعناها بعد اليوم، وقفنا عند معانيها، واستشعرنا أثرها في حياتنا.
8- وفيها: أنه لا يستعاذ عند قراءة الآيات أثناء الخطبة، أو الكلام أو المحاضرات أو غيرها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستعذْ عند قراءة آيات آل عمران والنساء والأحزاب، كما في الروايات الأخرى لهذه الخطبة .
9- وفيها : أنه يجوز الاقتصار على هذا الجزء من الخطبة، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في قصة ضماد رضي الله عنه .
والله تعالى أعلم .
لاتوجد تعليقات