رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة - الفرقان: أحمد عبد الرحمن 19 أكتوبر، 2010 0 تعليق

شخصية فاروق حسني المثيرة للجدل وسجله القمعي للمثقفين أسهما في إسقاطه

 

لم تشكل خسارة مصر لمنصب مدير عام اليونسكو وفشل مرشحها المثير للجدل فاروق حسني وزير الثقافة المصري أمام البلغارية إيرينا بوكوفا مفاجأة لأي من المراقبين المهتمين بأوضاع هذه المنظمة؛ فالحملة المصرية لإدارة المعركة الانتخابية شابتها أخطاء متعددة، بدءًا من اختيار المرشح نفسه والاعتماد والتركيز على الحصول على دعم البلدان العربية، دون بذل جهود مكثفة لتأمين أصوات البلدان الأفريقية التي تتمتع بعضوية المجلس التنفيذي لليونسكو، وهي الأصوات التي خسرت مصر أكثر من نصفها بسبب التخبط والعشوائية.

ولعل الخطأ الأبرز في هذه المعركة الإصرار على ترشيح وزير الثقافة فاروق حسني لهذا المنصب؛ كونه شخصية مثيرة للجدل لسجله غير المشرف على الصعيدين الثقافي والسياسي لدولة بحجم مصر، فحسني معروف عنه قيامه بأنشطة رقابية على المثقفين والسياسيين المصريين المعارضين لنظام أنور السادات في حقبة السبعينيات من القرن الماضي، ناهيك عن أن سجله الثقافي خلال مدة وجوده في الوزارة لم يقنع أحدًا لدرجة أن يتم اختياره في منصب همه الأول الحفاظ على الثقافة والتراث العالمي.

ولم يكتف وزير الثقافة المصري بإثارة الجدل على الصعيد الثقافي والأمني، بل أشعل منذ مدة حملة شديدة وغير مسوغة عندما هاجم الحجاب والمحجبات معتبرًا أن الحجاب لا يتجاوز كونه تقليدًا شخصيًا ولا يوجد له أصل في الشريعة الإسلامية - حسب زعمه هو - الأمر الذي أشعل ضجة كبيرة في مصر حتى داخل الحزب الوطني الحاكم المعروف بنزعته العلمانية؛ حيث هاجم نواب حكوميون موقف الوزير وطالبوه بالاستقالة، فضلا عن الضجة التي أشعلها النواب «الإسلاميون» في البرلمان المصري ضد حسني.

طابع انتهازي

ومن الأخطاء المتعددة التي ارتكبها حسني خلال حملة اليونسكو إيجاد حملته طابعًا انتهازيًا براجماتيًا؛ فالحملة التي شنت على الوزير المصري لم تتعامل معها مصر الرسمية بشيء من الحكمة ولاسيما من جهة سجل الوزير فيما يتعلق بالتطبيع مع «إسرائيل» وتهديده بإحراق الكتب «الإسرائيلية».

وقد اتخذت الحملة طابعًا براجماتيًا كما سبق أن أوضحنا وحاول الوزير وجوقته الرسمية التنصل من هذه التصريحات والتأكيد على أنها كانت ثمرة انفعال وقتي وردًا على استفزازات نائب إخواني أراد استدراج الوزير لفخ معين.

تحركات مثيرة

ولم يكتف حسني بذلك، بل تبنى عددًا من التحركات للتقرب من الدولة العبرية بدءًا من استضافة موسيقار صهيوني في دار الأوبرا، وثانيًا بالإعلان عن قيام المركز القومي للترجمة بترجمة كتب لمؤلفين «إسرائيليين» والبدء في ترميم شامل ومكثف للآثار اليهودية في مصر ووصل الأمر مداه بتقديم اعتذار رسمي عن التهديدات بإحراق الكتب «الإسرائيلية» حال وجودها في المكتبات الرسمية من خلال مقال في جريدة (اللومند) الفرنسية.

ورغم الأخطاء المتعددة التي ارتكبها فاروق حسني وعرابو حملته الانتخابية إلا أن فشله في الحصول على دعم شعبي مصري وعربي وإسلامي لحملته، وعدم حدوث توافق حول شخصيته من جانب عدد من الوفود العربية والأفريقية لدرجة أن البعض اعتبر أن حسني لا يمثل الثقافة العربية والإسلامية بقدر تمثيله للثقافة الفرنسية.

تحفظ مصري

وكثفت واشنطن من ضغوطها على عديد من المرشحين للانسحاب من المعركة في الجولة الأخيرة وعلى رأسهم المرشحة النمساوية (بنيتا فيريرو فالدنر) مرشحة الإكوادور؛ لضمان تحقيق المرشحة البلغارية أصواتًا تتفوق على المرشح المصري وهو ما حدث بالفعل.

بل إن أنباء عديدة ترددت في الصحف الأوروبية مفادها أن القاهرة قد أبلغت رسميًا من أكثر من جهة أوروبية بضرورة سحب المرشح فاروق حسني واستبداله بأي مرشح آخر، إلا أن القاهرة رفضت هذا الأمر رغم أن فرنسا دولة المقر اقترحت عليها ترشيح كل من إسماعيل سراج الدين ومصطفى الفقي وزاهي حواس والدكتور علي الدين هلال، إلا أنها تمسكت بترشيح حسني دون واضح.

سيطرة صهيونية

ولعل الدرس الأبرز من هذه المعركة أن سقوط المرشح المصري قد أكد مدى هيمنة «إسرائيل» والدولة العبرية على المنظمات الدولية ومنع وصول أي شخص سواء أكان أوروبيًا أو عربيًا أم مسلمًا لمنصب دولي إذا سجل في سيرته الذاتية أي مواقف مناهضة للدولة العبرية، في ظل ارتباط المرشح المصري بدور في منع إلقاء القبض على عدد من الفلسطينيين في حادثة (اكيلي لاورو) التي لقي أمريكي قعيد مصرعه فيها، وهي الحادثة التي نشرت وسائل إعلام عربية وغربية اعتزاز فاروق حسني بدوره فيها قبل ساعات من حسم المعركة.

وكذلك أظهرت الحملة الشرسة على اليونسكو كذب وادعاءات الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية في احترام الآخر خصوصًا لو كان مسلمًا وعربيًا، وهو ما حاول الرئيس الأمريكي باراك أوباما توصيله للعالم الإسلامي من خلال خطاباته في إسطنبول والقاهرة وتعهده بفتح صفحة جديدة بين واشنطن والعالم الإسلامي، وهي التعهدات التي سقطت في أول اختبار في معركة اليونسكو حيث استخدمت واشنطن سيف المعز وذهبه لإسقاط المرشح المصري.

شخصية الوزير

ويرى الدكتور سعيد اللاوندي الكاتب الصحفي بالأهرام أن شخصية وزير الثقافة المصري المثيرة للجدل وتسببه في إشعال الحرائق الثقافية والدينية في مصر، التي كان آخرها أزمة الحجاب وإحراق الكتب «الإسرائيلية»، أدت دورًا في تشكيل التحالف الغربي المضاد لفاروق حسني في معركة اليونسكو.

وتابع د. اللاوندي إلى أن المعركة لم تكن موجهة بشكل مباشر ضد العرب والمسلمين بقدر ما كانت موجهة ضد شخص المرشح المصري، لدرجة أن العديد من الدول العربية عرضت على مصر سحب مرشحها واستبداله، إلا أن القاهرة رفضت الأمر جملة وتفصيلا، مشددا على أن الحملة المصرية لمعركة اليونسكو شابتها أخطاء شديدة حيث راهنت القاهرة بشدة على الدول الغربية؛ مما أفقدها عددا من الأصوات العربية والأفريقية التي كانت مضمونة لترجيح كفة مرشحها.

فيما يقول الدكتور عبد الحليم عويس المؤرخ الإسلامي: رغم تحفظي الشديد على شخص فاروق حسني إلا أنني أرى الغرب لم يصل للدرجة التي تجعله يسمح بوصول عربي أو مسلم - حتى لو كان ذلك ظاهريًا - لمثل هذا المنصب في وقت تشتد المعركة على عروبة وإسلامية القدس، فالغرب لا يؤمن بحوار الحضارات والثقافات، وما زالت تحكمه نظرة عنصرية تجاه المسلمين.

وأشار عويس إلى أن المرشح المصري لم يكن لائقًا بالمرة لمثل هذا المنصب؛ فهو لم يقدم شيئًا للتراث الثقافي الإنساني حتى يكون مؤهلاً لمثل هذا المنصب، فضلاً عن توليه سدة الوزارة في مصر لمدة 23 عامًا، ودوره الرقابي القمعي ضد المسؤولين المصريين، وانتمائه لأحد أنظمة العالم الثالث، كل ذلك قد جعله غير مؤهل لاعتلاء مثل هذا المنصب.

غير أن د. عويس عدّ خسارة حسني للمنصب لا تشكل ضررًا للعالم الإسلامي، ولم يكن فوزه كذلك يشكل انتصارًا لنا؛ فهو لم يمثل يومًا الثقافة المصرية أو العربية حتى نقيم مأتمًا على سقوطه، مشيرا إلى أن المعركة أثبتت أن مثل هذه المنظمات الدولية تبقى أسيرة الصهيونية العالمية، ولا يصل لها إلا من حاز الرضا الصهيوني والغربي.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك