رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: محمد النجار 14 نوفمبر، 2016 0 تعليق

شبهات وردود – الإسلام وطوفان الإلحاد (4) دور الدولة والعلماء في دحر الإلحاد

إذا عرفنا أن الإلحاد هو حلقة في سلسلة يقصد منها الحرب على الإسلام، من أجل تقويضه والقضاء عليه، فعلينا أيضاً أن نعد لهذه الحرب عدتها.

فوزارات الأوقاف مثلاً وهي معنية بإعداد الدورات التدريبية للأئمة والخطباء والجمهور في قراءة كتب السنة وشرح كتب العقيدة، إلا أنها معنية بدرجة أشد بإعداد الدورات للوقاية والتدريب على مواجهة الإلحاد والتصدي له. 

وكذلك وزارات التربية هي أيضاً معنية، بالتحذير من الإلحاد في صلب كتب الدين، وبيان الأدلة الكونية على وجود الله، وكذلك عقد المحاضرات لطلابها في المرحلة الثانوية، والجامعية، للتوعية بمخاطر الإلحاد، والإجابة عن التساؤلات، وتدريب مدرسي الدين، والشريعة، على الإجابة عن أسئلة الإلحاد. 

     وإذا كان في مقدمة من يقع على عاتقهم التصدي للإلحاد العلماء، فإنه ليس علماء الدين وحدهم، إنما جميع العلماء في شتى التخصصات، ومن شتى التيارات والمذاهب معنيون بالاجتماع على كلمة سواء، لدحر الإلحاد، ثم إن ذلك لا يكون فقط بعمل الموسوعات، وكتابة المؤلفات، ولكن أيضاً بإقامة المحاضرات المشتركة بين علماء الدين وعلماء الطبيعة والفلك والطب وغير ذلك لربط القلوب بالله.

     ثم لا يكفي الخطاب الموجه عبر الشاشات، بل لابد من الحوار، مع أساطين الإلحاد، ولابد من مناظرتهم، أينما كانوا، وفضح عوار نظرتهم السوداوية للحياة، وقلوبهم المريضة، الجاحدة، وفكرهم المتعسف في تفسير الكون، وفهم الحياة، والفهم عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

الاستعداد العقلي والنفسي للإلحاد

     من أهم الأسباب الشخصية للإلحاد، أن يكون لدى الإنسان قابلية نفسية وعقلية لذلك، فمن الناحية العقلية، نجد أن الملحد إنما يبدأ إلحاده عادة بالشك في المسلمات، وربما سوغ لنفسه ذلك بأنه طالب للحقيقة وباحث عنها، لكن الواقع أنه ليس كل شاك باحث عن الحق، وأن الكثير من المشككين إنما ينطلقون في شكهم من عقلية الرفض وشهوة التمرد على السائد، والرغبة في هدم الثابت، نعم بعض الشك يكون معه هدف نحو اليقين، ورغبة في الخروج من الحيرة، ولكن بعضه أيضاً هو من النوع السفسطائي، الذي لا هدف له سوى المكابرة والمعاندة والرفض.

وهناك نوع ثالث وهو الشك المرضي الذي يقال له الاضطراب الضلالي، فهو حالة نفسية تحتاج إلى مساعدة طبية، ومن أعراضه الميل إلى الإلحاد، وطرح الأسئلة العقائدية العبثية التي لا نهاية لها، والاعتقادات المبنية على الأوهام.

والحقيقة أن السبب الكامن في نفسية الملحد وراء إلحاده يمكن أن يكون واحداً من أسباب شتى أهمها:

     ذهنية الرفض للإيمان رغبة في التحلل من الالتزامات الدينية المترتبة عليه؛ فمهما يظهر له من البراهين، ويثبت لديه من الحجج، فإنها غير كافية، وربما استدل بذات البراهين الساطعة على وجود الخالق المدبر، على أنه غير موجود! فحين يجد نظاما محكماً في الكون يقول: هذه حتمية وقوانين صارمة تحكم الكون، ولا يحتاج الكون إلى إله ليسيره، وهذا الكلام يقوله الملاحدة المعاصرون من أمثال الإنجليزي (ستيفن هوكينغ)، (Stephen Hawking)، الذي يعد أحد أكبر علماء الفيزياء في العصر الحديث، وكان من المفترض أن يستدل بالنظام المحكم للكون وسيره وفق قوانين ثابتة على أن وراء هذا الإبداع خالق عظيم قادر، ولكن ما حدث هو العكس تماماً، فقد ظن أن قوانين الطبيعة تفعل الحوادث الناتجة عنها بذاتها حال توافر مستلزمات الظاهرة وشروطها، أي أن القوانين تفعل فعلها بالطبع، ولا تحتاج إلى من يسيرها.

     فحين يستدل المؤمنون بالنظام الحاصل في الكون على وجود المنظم له، يقول الملحد لا، بل النظام دليل على استغناء الكون عن خالق؛ فما أشبه هذا برجل دخل مصنعاً للنسيج تعمل جميع الآلات فيه عن طريق غرفة تحكم عن بعد، فلما وجد كل شيء في ساحة المصنع يتم بانتظام، وآلية محددة، ولم يجد حوله غير الآلات، قال إن هذا مصنع لا مالك له!، ولا أحد يسيره!، إن وجود قانون يعني وجود مقنن، ووجود نظام يعني وجود منظم، ووجود خلق محكم، يعني وجود خالق مدبر. هذا هو ما يقتضيه المنطق السليم ويرتضيه العقل المستقيم، لكن ذهنية الرفض التي يمكن أن تتضافر في تكوينها عوامل عدة لدى الملحد تجعله يقلب الحقائق، ويرفض الاعتراف بالحق.

     وحين نناقش مدعياً لذلك الإفك، فإننا يجب أن نطالبه بدليل على ما يقول؛ لأن ما يقوله من أن سير الكون بانتظام يعني عدم حاجته إلى إله، هو مجرد ادعاء لا دليل عليه، وإن مقتضى هذا الهراء، أن العشوائية هي دليل وجود المدبر، ونسي عالم الفيزياء الكبير أن الله -تعالى- كما خلق في كونه ما يسير وفق نظام محكم، وقانون ثابت، فإنه خلق أشياء أخرى كثيرة متعددة ومتجددة، غير متشابهة ولا منتظمة في سلك اعتيادي دائم، فلو نظر في الفوارق الطبيعية التي بينه وبين أبيه وإخوته، بصمة الأصبع، وبصمة العين، وبصمة الصوت، والعلل والأمراض، والعاهات، لعلم أن القانون الثابت التي تجري به الأفلاك في السماء هو جانب واحد من جوانب عدة من إبداع الله الخالق -سبحانه- وقد أخبر الله في القرآن عن كل ذلك، فلفت إلى النظر في ذلك القانون الثابت الذي تسير به الأفلاك في السماء فقال: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} سورة الرحمن، آية: 5، وقال: { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)} سورة يس، من آية 38: 40. ففي حين أنه يخبرنا سبحانه في القرآن بأن الأفلاك السماوية تسير وفق حسابات محددة، وتقدير ثابت، يخبرنا أيضاً أن الاضطراب إذا حصل في شيء من ذلك فإنه سيكون بتقدير منه سبحانه، لكن لسبب، وهو قيام الساعة فيقول: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5)} سورة الانفطار من آية1 :5. فهل يطلب ستيفن هوكينغ ومن لف لفه من الملحدين حصول الاضطراب في الأفلاك ليستدلوا به على الله! وهل سيأمنون على أنفسهم إذا حصل ذلك من عقوبة الله.

     الضغوط النفسية الناشئة عن الابتلاءات: فبعض الملحدين من الشباب خاصة إنما يعبر بإلحاده عن صدمة نفسية أوجرح قلبي عميق أصابه جراء تعرضه لموقف شديد، من مثل: موت الأم، أو الأب، أو مرض الزوجة بمرض خطير، أو الولد، أو فقد الوظيفة، أو تعرضه لحادث سير فقد معه أطرافه، أو نحو ذلك، يقول: دعوت الله كثيراً فلم يستجب لي! ويقول: لو كان الله موجوداً لما كان معي بهذه القسوة! إن الإله يجب أن يكون رحيماً، ونحو ذلك.

     وحين نناقش من كان هذا حاله، فإنه في الغالب يرفض النقاش، ويشعرك بأن الأمر لديه محسوم، ولا يجب الكلام فيه، إنها حالة عارضة غالباً، لكنها خطيرة؛ لأن صاحبها لا يأمن أن تأتيه منيته وهو على ذلك، فيموت كافراً، ولذلك وجب من باب الحرص عليه أن تبين له الحقيقة، وهي أن أقدار الله، بعضها يقع لسبب راجع إلى الإنسان نفسه، بتفريط منه، أو لسبب راجع إلى غيره، باعتداء أو إهمال، أو جهل، فكثير من الأمراض التي كانت تسبب الوفيات في الماضي في كثير من البلاد هي الآن أمراض عادية، وبعضها حوصر باللقاحات الواقية، لكنها لا تزال تشكل خطراً على حياة ناس آخرين في أماكن أخرى، هذا يعني أن الجهل البشري، في وقت من الأوقات أو في مكان ما، يمكن أن يكون سبباً في حصول البلاء. وحين يسير شخص في الطريق فيصدمه آخر بسيارته فيقعده على كرسي متحرك، فإن هذا من أقدار الله التي وقعت بسبب رعونة الإنسان، والفيضانات التي تجتاح المدن فتدمر المنازل، وتشرد الآلاف من البشر، هي من أقدار الله التي سببها ضعف الهمة في توفير أسباب الحماية من هذه الابتلاءات.

     وهذا يعني أن الإنسان يتحمل في كثير من الأحيان جزءاً من المسؤولية عن وقوع البلاء، لكن الإنسان هنا لا يعني شخصاً محددا دائماً، إنما الإنسان في المطلق، والأهم عندنا هو أنه في الوقت الذي يقع فيه ابتلاء لا يد للإنسان في جلبه، ولا قدرة له على دفعه، كانت لغيره يد فيه أو لم تكن، فإن الله -تعالى- شرع للمبتلى عند ذلك عبادة سلبية تفوق في الأجر كل العبادات العملية التي يمكن أن يتقرب بها إلى الله -تعالى- وهي عبادة الصبر قال في القرآن: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}، يعني الجنة في العالم الآخر، فإذاً رد فعل الإنسان حيال ما يقع به من بلاء يحدده مدى فهمه لدوره في الحياة وسبب وجوده فيها، فحين يعلم أن كل ما يقع له من خير أو شر إنما هو اختبار إيمان، له ما بعده؛ فما يقع على الأرض ليس هو كل شيء، عند ذلك يدرك أنه لا نجاة إلا بالجلد والصبر، ولكن حين يتيه في ذاته، ويتقوقع على محدودية الأنا التي لا ترى لها وظيفة عند الخالق، يصبح موقعه من الكون شبيهاً بموقع الطفل الذي لا ينفك يلعب ويلهو ويغضب، إنْ قَوَّمه أبوه ليذاكر أو ليستيقظ باكراً في الشتاء ليذهب إلى المدرسة. إنه يعد ذلك كله من التعذيب الذي لا مسوغ له!!. 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك