رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: محمد النجار 12 ديسمبر، 2016 0 تعليق

شبهات وردود – الإسـلام وطـوفان الإلحـاد (8)- الإلحاد بديل الإرهاب

إن وسائل المعرفة في عصرنا الحالي تعددت، وأصبحت وقنواتها المختلفة من الكثرة ما يصعب معه إحصاؤها، وبعض هذه الوسائل والقنوات ولاسيما الإنترنت والفضائيات اتخذت من الإساءة للدين الإسلامي والطعن على ثوابته، ومقدساته، هدفاً لها؛ مما جعل بعض الشباب تحت وطأة الهجوم الضاغط عرضة للشك، أو العجز عن الرد في أحسن الأحوال، فتزلزلت عقائد بعضهم، التي هي من الأساس هشة، وهوى دينهم الذي لم يكن راسخاً ولا مبنياً على أسس ثابتة من صحيح الدين، واستكمالا لما بدأناه في الحديث عن الإلحاد نقول:

     من أهم ما يروج به الملاحدة للإلحاد، بين المتشككين والمرتابين، قولهم: إن الملحد إنسان مسالم لا يؤذي أحداً، وأنه لا يمثل خطراً على أحد، وقد سبق في المقال السابق بيان كيف أن الملحدين اتخذوا من أحداث العنف التي حدثت في أمريكا وغيرها، التي قام بها أو نسبت لبعض شباب المسلمين ذريعة لتركيز الهجوم على الإسلام، وإعلان التحالف مع ديانات أخرى ضده، فهم على ذلك ينشرون الإلحاد بحجة أنه لا يمثل ما يمثله الإرهاب من خطر على العالم؛ فالملحد وفق دعايتهم إنسان خلوق، مهذب، لا يفجر نفسه؛ لأنه حريص على حياته التي لا يملك غيرها، وهي عنده كل شيء!؛ ويحاول الملحد العربي (ر. ع) في مقالة له أن يبرهن على أن الإلحاد مصدر الأخلاق وليس الإسلام!! فيقول: «الأخلاق هي تصرفات غيرية لا تنفع فاعلها وغالباً ما تضره، يفعلها الإنسان لذاتها دون توقع منفعة مباشرة تعود عليه منها، وليس خوفاً من عواقب إذا امتنع عن القيام بها»، وبناء على هذا التعريف فإنه ينعى على الإسلام أن مصدر الأخلاق فيه هو الخوف من النار والطمع في الجنة، بينما في الإلحاد يكون منبع الأخلاق هو ذات الملحد!!.

سطحية نظر الملحد إلى الأخلاق

     إن الملحدين حين يتحدثون عن الأخلاق ويقولون بأنهم يخافون القيام بالجرائم؛ لأنهم يخافون أن يسجنوا أو أن يخسروا حياتهم!، فإنهم عند ذلك ينسون أو يتناسون أن هذا الخوف إنما هو من عقوبة القانون، ليس لرادع ذاتي عن القيام بالفعل نفسه؛ فالرادع ليس هو الخوف من السجن أو الإعدام أو نحو ذلك؛ لأن الحقيقة أن الإنسان بدون الإيمان لا يتورع عن القيام بالجريمة بعيداً عن أعين الناس، وعن مراقبة القانون، لكن المؤمن هو وحده الذي لديه تلك الرقابة وذلك الرادع؛ مما يحجزه عن ارتكاب الجريمة، كما يمنعه من التمادي فيها، إذا  ضعفت نفسه بفعلها، ويمنعه أيضاً من العودة إليها إذا فعلها ولم يتم اكتشافه في الواقع، وهذا فارق شاسع، بين أخلاق المؤمن وأخلاق الملحد.

القيم الأخلاقية لا تخضع للتجربة

 فحين يقول الملحد بأنه بعقله المجرد يستطيع الاستدلال على القيم الأخلاقية!! يأتي السؤال: هل القيم الأخلاقية قيم يمكن الاستدلال عليها عقليا، أو تجريبيا، أو بأي طريقة مادية؟

- والجواب: لا؛ لأن القيم المادية للملحد إنما تنبع من مصلحته، لا من ذات الفعل؛ من حيث حسنه وقبحه، في الحقيقة؛ لذلك فإن الملحد لا يستطيع الاستدلال على القيم الأخلاقية؛ لأن عقيدته تجعله يغلب مصالحه وشهواته، ورغباته، على أي شيء آخر، فمصلحته، وإشباعه لحاجاته ورغباته التي لا بديل عن إشباعها في الدنيا، تحتل عنده مرتبة الصدارة، وأولية سابقة على كل شيء؛ لأنه بحسب اعتقاده لا يعيش إلا مرة واحدة، وبالتالي فمعيار الأخلاق لديه هو مدى رغبته وحاجته، لا كون الفعل في ذاته حسناً أو قبيحاً، وبالتالي فإنه لن يكون لديه ذلك الرادع الذاتي الذي يدعيه؛ لأنه سيكون دائماً في صراع بين تغليبه لمصلحته، ومصلحة الآخرين، ولا يوجد مسوغ لديه، ولا حافز من دين ولا غيره، يجعله يغلب مصلحة الآخرين، في الوقت الذي يستطيع فيه تحقيق مصلحته المحرمة أو إشباع حاجته المجرمة، في الخفاء، دون أن يعلم به أحد من الناس.

     الوازع الديني ليس ترهيبا وترغيباً فحسب؛ ففي الإسلام لا يقتصر الأمر على مجرد الترهيب من العقوبة والترغيب في الثواب، إنما هناك شيء ثالث لا يقل أهمية عنهما، وفي ضوء الثلاثة تتكون أخلاق المسلم، وتتحدد علاقته بالمحرمات، وهذا الشيء الثالث هو التنفير من المعاصي ذاتها وتبغيض المؤمنين فيها، وتحبيبهم في الطاعات ذاتها وتقريبها إلى نفوسهم، انظر إلى هذا المثال الرائع لتنمية الوازع الديني لدى الشاب الذي جاء يسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يأذن له في الزنا، كيف قرب إلى نفسه الحكم الشرعي بتحريمه؛ فحببه في العفاف وكره إليه الزنا، فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم  فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه، مه، فقال: «ادنه، فدنا منه قريبا»، قال: فجلس قال: «أتحبه لأمك؟» قال: لا، والله، جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لأمهاتهم»، قال: «أفتحبه لابنتك؟» قال: لا والله يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لبناتهم»، قال: «أفتحبه لأختك؟» قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لأخواتهم»، قال: «أفتحبه لعمتك؟»، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لعماتهم»، قال: «أفتحبه لخالتك؟»، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لخالاتهم»، قال: فوضع يده عليه وقال: «اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه، وحصن فرجه»، قال: فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. (رواه أحمد).

     والقرآن يعتمد في تنمية الوازع الديني لدى المسلم على مسألة حب الإيمان وأعماله وبغض الكفر والفسوق والعصيان، بنفس قوة اعتماده على المسألة الغيبية (الجنة والنار)، لذلك قال الله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}(الحجرات، آية: 7).

الملحدون إرهابيون

     ليس صحيحاً أن الملحد شخص خلوق، لا يؤذي أحداً؛ فها هو ذا الملحد سام هاريس، عالم الأعصاب الأمريكي، يدعو في كتابه (نهاية الإيمان)، في الصفحة 29، إلى الهجوم النووي (الاستباقي) على أي نظام إسلامي، فقط لمجرد أنه يمتلك أسلحة نووية  !! «يبدو أن الأمر الوحيد الذي سيضمن بقاءنا هو ضربة نووية استباقية من جهتنا، ولا داعي لذكر أن هذه تبدو جريمة لا يمكن تصورها؛ إذ إنها ستقتل عشرات الملايين من المدنيين الأبرياء في يوم واحد، ولكن يبدو أنه التصرف الوحيد المتاح لنا، معطين للإسلاميين ما يؤمنون به».

الإلحاد مفسد للأخلاق

     حيث لا توجد لدى الملحد مرجعية أخلاقية تحدد له سلوكه، سوى خوفه من المجتمع، والعقوبة القانونية؛ ولأن ذلك غير كاف لتنشئة إنسان صالح، ولا لحماية الفضيلة، تجد أن الإلحاد قد حول عديداً من الملاحدة إلى طغاة وقتلة مجرمين عبر التاريخ، منهم الملحد ماوتسي تونغ، الذي قتل في الصين نحو 50 مليون إنساناً، وكان يقول: «المقابر الجماعية توفر سماداً جيداً للأرض»، والنازي الملحد (أدوليف هتلر)، الذي صرح في إحدى المرات قائلاً:  «لا نريد إلهاً آخر غير ألمانيا نفسها، ومن الضروري أن نتحلى بإيمان وأمل وحب يتصفون بالتعصب لألمانيا ولصالح ألمانيا». وكان يعتمد على نظرية دارون عندما قام بمحاولة تحسين النسل؛ فلذلك قام بإعدام المعاقين والمرضى النفسيين، والأقليات، والأقزام، كل ذلك حتى ينقي المجتمع الألماني من العاهات والعيوب الجسدية، والملحد جوزيف ستالين الذي بلغ عدد من تسبب في قتلهم 40 مليون إنسان. إنه الإلحاد الذي يخرج الإنسان عن فطرته، ويحوله إلى شبه إنسان يحيا كما تحيا الحيوانات، بل هم أضل، فلا شيء لديهم سوى المصلحة والمنفعة والدنيا وحسب.

الوقاحة أسلوب الملحدين

      يلجأ الملحدون الجدد في تمرير أفكارهم عبر الهجوم العنيف على ثوابت الدين ومقدساته؛ فلذلك لا ينفك ملحد عند إثارته لشبهة من العيب، والقدح، والسباب، والاستهزاء. وهو أسلوب يدل بالضرورة على الخواء الفكري، وهشاشة الحجة، ولكنه يدل في الوقت ذاته على انعدام الأخلاق، والملحدون العرب عبر وسائل بث سمومهم يفعلون ذلك كثيراً في طعنهم على القرآن والسنة والنبي صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين، وهم في ذلك يقلدون أساتذتهم الغربيين الذين يتخذون من السخرية اللاذعة وسيلة للدعوة للإلحاد.

الملحد متهتك أو وقور منافق

     الملحد إما متهتك مصرح بتهتكه، أو منحل أخلاقياً ولكن في السر، فمن أبرز الأمثلة على الملحدين المتهتكين، الملحدة الأمريكية مادلين موري مؤسسة منظمة الملاحدة الأمريكيين التي نادت بالحرية الجنسية، وقالت: «دعونا نصير كالأبقار»!، والملحد (ريتشرد دوكينز) مؤلف كتاب (وهم الإله)، الذي لا يرى بأساً بالخيانة الزوجية ولا عمل قوم لوط، والملحد سام هريس صاحب كتاب (نهاية الإيمان) الذي قال: «لا يوجد شيء طبيعي أكثر من الاغتصاب».

     إن هؤلاء ملحدون متهتكون، انحرف بهم الإلحاد عن الطبيعة الإنسانية؛ فصاروا يشتاقون إلى حياة الأبقار، أما على الجانب الآخر فهناك فليسوف الإلحاد الألماني الشهير (آرثر شوبنهور) الذي كان يقول: الوجود يقتصر على المادة والمادة فقط، وقد أقام فلسفته على التشاؤم وأن الحياة ما هي إلا شرور وأحزان ومآس؛ ولذلك كان يدعو إلى الانتحار حتى تختفي الآلام!!، فالموت لا يسبب ألماً ولكن فكرة الموت، وكان يقول: المرأة إنسان ناقص أشبه بالطفل، أو هي وسط بين الطفل والرجل، هكذا كان يقول، ولكن الحقيقة أن حياته كانت على النقيض من ذلك تماماً، فبينما كان يدعو إلى التزهد، كان يعيش حياة الترف والتنعم، ويعشق الفتيات؛ ففي ألمانيا كانت له عشيقة تدعى (كارولين ياجمن)، وفي إيطاليا كانت له عشيقة تدعى (تريزا)، وحين بلغ السبعين من عمره عشق فتاة ثالثة تدعى (إليزابيث نيه)، الأمر الذي حدى بالباحث (د.رمسيس عوض) أن يقول: «من الخطل أن نظن أن (شوبنهور) كان يضع تعاليمه موضع التنفيذ». ولكن الحقيقة أن نفسية الملحد لا يمكن أن تنزع به إلى الفضيلة، والعفة، والأخلاق الفاضلة، ما لم يكن هناك رادع خارجي، من المجتمع، والقانون، وأما حين ينعدم ذلك الرادع فإن الإلحاد يعني ألا أخلاق.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك