رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: محمد النجار 5 يناير، 2017 0 تعليق

شبهات وردود – الإسـلام وطـوفان الإلحـاد (10) – (الداروينية) أصل واه للإلحاد

عرفنا في المقال السابق كيف تلقف الملاحدة قانون الجاذبية وعَدُّوه، واحداً من أهم الأسس التي تدعم معتقدهم الفاسد، حتى قال قائلهم: إن القوانين الفيزيائية لا سيما قانون الجاذبية كافية وحدها لإخراج الكون من العدم إلى الوجود، وفي الوقت الذي كان فيه (نيوتن) يؤكد على إيمانه الشديد بالله، كان الملحدون يُعدون قانون الجاذبية الذي أصَّل هو له، دليلاً على استغناء العالم عن الله!.

     ثم جاءت بعد ذلك نظرية التطور التي أصل لها كلٌّ من البريطاني (تشارلز روبرت دارون Charles Darwin Robert)، ومواطنه (ألفرد راسل والاس Alfred Russel Wallace)، ثم نظرية النسبية التي أصل لها الألماني (ألبرت أينشتاين Albert Einstein)، في بدايات القرن العشرين، فصار بهذه الثلاثة للوهم الإلحادي ما يتكئ عليه من الناحية العلمية، وإذا كان الإيمان الصريح لنيوتن بوجود خالق مدبر يحرج الملاحدة، فإن عدم وجود ذلك الإيمان الصريح عند (دارون) يعد من أهم ما يزيدهم عناداً على عنادهم، وهم على عادتهم يلصقون فرية الإلحاد بالعلماء، سواء أكانوا كذلك أم لا، يحاولون بذلك دعم ضلالهم، وتسويغه.

التطور لا ينفي الإيمان

     في كتابه عقائد المفكرين، يقول عباس محمود العقاد: «أما (دارون) فلم يزعم قط أن ثبوت التطور ينفي وجود الله، ولم يقل قط إن التطور يفسر خلق الحياة، وغاية ما ذهب إليه أن التطور يفسر تعدد الأنواع الحيوانية والنباتية، وفي ختام كتابه عن أصل الأنواع يقول: إن الأنواع ترجع في أصولها إلى بضعة أنواع تفرعت على جرثومة الحياة التي أنشأها الخلاق».

     ويقول العقاد أيضاً: ولما سئل (دارون) عن عقيدته الدينية قال في خطاب إلى (مستر فوردايس) (Fordyce) صاحب كتاب ملامح من الشكوكية: إن آرائي الخاصة مسألة لا خطر لها ولا تعني أحدًا غيري، ولكنك سألتني، فأسمح لنفسي أن أقول إنني متردد، ولكنني في أقصى خطرات هذا التردد لم أكن قط ملحدًا بالمعنى الذي يفهم فيه الإلحاد على أنه إنكار لوجود لله، وأحسب أن وصف اللاإدري يصدق علي في أكثر الأوقات — لا في جميعها —كلما تقدمت بي الأيام».

أسباب انتكاسة دارون

     حين نقرأ كلام العقاد، نلمح في تقريره لعقيدة (دارون) تساهلاً يجعله يفرق بين اللاإدري والملحد المنكر لوجود الخالق، وحقيقة الأمر أن الفرق بينهما ليس كبيراً، فكل منهما، بعيد عن دائرة الإيمان، ولكن يبدو أن الذي حدا بدارون وأمثاله من اللاإدريين، إلى الوقوف عند نقطة الشك، دون أن يرتقوا منها إلى الإيمان سببان:

- الأول: الثقة العمياء في قدرة العقل البشري، على الوصول إلى حقيقة الحياة، وسر الكون، من خلال العلم المادي وحده مجرداً عن أي معونة خارجية، من هداية الرسالة والوحي.

- الثاني: تحريف ما اطلعوا عليه من الأديان، وتناقضها فيما بينها، وعدم وقوفهم على الدين الحق من بين آلاف الأديان التي يزعم كل معتنق لها أنها الحق، فأفقدهم ذلك الثقة في إمكان الوصول إلى الحقيقة، ولاسيما وأن طبيعة الإله في العقيدة التي ينتمون إليها وهي النصرانية، غير متفق عليها بينهم، كما أنها تفتقر إلى العقلانية.

     إن هذا يظهر جلياً في رسالة  (دارون) إلى الطالب الألماني الذي سأله، هل يتفق مذهب التطور والإيمان بوجود الله؟ فأوصى أحد أعوانه أن يكتب له ما مفهومه: إنهما يتفقان ولكن الناس يختلفون في فهم المقصود بالإله. فعاد الطالب وكتب له يطلب التفصيل، فكتب له بنفسه في هذه المرة: إنه لا يرى دليلاً على الوحي!، وإن الإيمان بالبعث متروك لكل من يشاء أن يتخذ له فيه معتقداً بين المحتملات المتضاربة!.

أرض الإلحاد الخصبة

     إن علماء الفيزياء والطبيعيين الغربيين الذين مر بنا دفاعهم عن الإلحاد في المقالات السابقة، إنما وقعوا في الإلحاد، بسبب فساد الديانات التي يعرفونها، وعدم كفاية الأدلة التي تنبثق منها، نظراً لما شابها من تحريف، وقد كان (دارون) في بادئ أمره مسيحياً، ودرس علم اللاهوت الطبيعي، ولكنه عاد من دراسته ناقداً لتاريخ الإنجيل، ومتسائلاً لِمَ لَمْ تكن كل الأديان صالحة سواء بسواء؟!، وكانت له ابنة اسمها (آني)، ماتت في العاشرة من عمرها فأثر ذلك عليه تأثيراً كبيراً، فتوقف عن الذهاب إلى الكنيسة. فإذاً هناك عاملان أديا بالرجل إلى الإلحاد، تاريخ ديني مشكوك في ثبوته علمياً، وحالة نفسية سببتها وفاة ابنته، مع عدم قدرته على فهم وظيفة الألم والابتلاء في مقادير الله.

جناية الدارونية على البشرية

     يقول هارون يحيى في كتابه: (خديعة التطور): «لقد انطلق دارون في نظريته من مقدمة منطقية أساسية هي: أنه يعتمد تطور الكائنات الحية على الصراع من أجل البقاء، ويفوز القوي في الصراع، في حين يُحكم على الضعيف بالهزيمة والنسيان، والإنسان حيوان تطور بفعل الصراع من أجل البقاء، ووفقاً لهذا فقد انتصرت الأجناس الموهوبة (الأوربيون) في الصراع، أما الأجناس الإفريقية أو الأسيوية فقد تخلفت عن الركب أثناء الصراع». لقد دفعت البشرية في القرن العشرين ثمناً باهظاً نتيجة لانتشار هذه الأفكار الزائفة التي دفعت الأفراد إلى القسوة والوحشية، فقد تغذت العنصرية في القرن التاسع عشر على أفكار  (دارون)، وغرق العالم في القرن العشرين في بحار من الدماء ولا يزال بسبب صراع البقاء للأقوى الذي أسس له.

(الدارونية) غذاء الإلحاد المفضل

     لقد تغذى الإلحاد بكل أنواعه (الشيوعية، العلمانية، النازية، الفاشية، اللادينية، اللاأدرية .. الخ) على تلك الأفكار الساذجة التي تقول بأن الإنسان هو الحيوان الكامل، وأن الفرق بين الإنسان والحيوان، إنما هو فرق في الدرجة وليس في النوع، فليس هناك جوهر إنساني متميز (الروح)، الذي يوجد فحسب: “فكرة اجتماعية وتاريخية محددة عن الإنسان، والتاريخ الاقتصادي والاجتماعي وحده هو التاريخ الذي يوجد على الحقيقة».

(الدارونية) في مهب الريح

     لقد انطلق (دارون) في نظريته من فرضية أن أصل الحياة في جميع الأجناس والكائنات الحية يكمن في فكرة التكيف مع البيئة، وعلى ذلك فلا تكون الكائنات الحية قد خلقت بطريقة منفصلة، وإنما انحدرت كلها من أصل واحد مشترك، واختلفت بعضها عن بعض نتيجة للظروف الطبيعية (النشوء والارتقاء)، وقد عَدَّ دارون الإنسان ممثل أكثر نتاج متطور لهذه الآلية. كونه تطور عن قرد. وتعد هذه النظرية ساقطة من الناحية العلمية. يقول عن ذلك هارون يحيى، في كتابه (خديعة التطور): «دارون كان يدرك جيداً أن نظريته تعاني مشكلات كثيرة، ويأتي على رأس هذه المشكلات، تعقيد أعضاء الأحياء الذي لا يمكن أن يفسر عن طريق الصدفة، مثل العين، وغرائز الأحياء.. وبينما كانت أصداء كتاب (دارون) مدوية، اكتشف عالم نبات نمساوي اسمه (غريغور مندل) قوانين الوراثة، وفي فترة لاحقة اكتشُف تركيب الجينات والكرموزومات، ثم تم اكتشاف تركيب جزئ DNA الذي يحتوي على المعلومات الوراثية، وهو ما يدل على التعقيد المدهش للحياة، وبطلان آليات التطور التي اقترحها دارون».

التطور بين الإسلام والإلحاد

     إنه برغم سقوط الفرضية التي تقول بأن الكائنات الحية كلها ذات أصول مشتركة، وأن الاختلاف بينها نشأ بفعل الطبيعة، استجابة لقوة الرغبة في البقاء!، إلا أنه لا يزال الملحدون يتشبثون بهذا، لأنه يدعم قولهم بأن الحياة على الأرض قد تطورت بطريقة اعتيادية من مواد بناء غير حية موجودة سابقاً تحت تأثير قوانين الطبيعة، والصراع، والبقاء للأصلح.

     ولكن لو فرضنا جدلاً بأن النظرية الداروينية صحيحة، فهل هي تدل على أن الأصل المشترك الذي حصل من خلاله التنوع وجد بغير موجد؟، أو خلق نفسه بنفسه؟، إن (دارون) نفسه لم يقل ذلك، ومن ثم فإن تشبث الملاحدة بنظرية التطور بوصفها واحدة من النظريات التي تفسر أصل الحياة، لا مسوغ له؛ فالنظرية تتحدث عن نشوء الأنواع من أصول مشتركة، وارتقائها بفعل عوامل بيئية، والملاحدة يتحدثون عن نشوء الأصول بغير منشئ وارتقائها بغير إرادة خارجية!.

     وإن الله -تعالى- أخبرنا بأن الخلق في تطور، لكن ليس على الطريقة الداروينية، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} سورة العنكبوت آية: 14، أي كان عمره 950 عاماً، وإن أطوال البشر لم تكن هي ما عليه الآن في أول الأمر، جاء في الصحيحين عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا ... فَلَمْ يَزَلِ الخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآنَ»، ومن ثم فإن القول بالتطور لا يرفضه الإسلام، لكن الإسلام يرفض القول بغير علم، وافتراض أوهام لا أصل لها، فهناك حلقات مفقودة في نظرية دارون لم يستطع أحد أن يثبتها؛ لأنها من الدجل والخزعبلات التي روج لها باسم العلم، مثل تطور القرد إلى إنسان.

     وإن التلفيق يبلغ أقصى مداه حين يظن أن تشابه أو تماثل عناصر الخلق بين أكثر من جنس من أجناس الكائنات، يعني أنها خلقت نفسها بنفسها، فإن الله -تعالى- أخبرنا بأن جميع الكائنات قد خلقها -سبحانه- من الماء، فهذا هو الأصل المشترك، لكنه أخبرنا أيضاً بأنه هو من فعل ذلك، فقال جل جلاله: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}(الأنبياء:30).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك