رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: محمد النجار 20 يناير، 2017 0 تعليق

شبهات وردود – الإسـلام وطـوفان الإلحـاد(12)الإيمان بالغيب فيصل ما بين الإســلام والإلحـاد

إن وسائل المعرفة في عصرنا الحالي تعددت، وأصبحت تلك الوسائل وقنواتها المختلفة من الكثرة ما يصعب معه إحصاؤها، وبعض هذه الوسائل والقنوات ولاسيما الانترنت والفضائيات اتخذت من الإساءة للدين الإسلامي والطعن على ثوابته، ومقدساته، هدفاً لها؛ مما جعل بعض الشباب تحت وطأة الهجوم الضاغط عرضة للشك، أو العجز عن الرد في أحسن الأحوال، فتزلزلت عقائد بعضهم، التي هي من الأساس هشة، وهوى دينهم الذي لم يكن راسخاً ولا مبنياً على أسس ثابتة من صحيح الدين، واستكمالا لما بدأناه في الحديث عن الإلحاد نقول:

     إن الحد الفاصل ما بين الإلحاد والإيمان هو القول بوجود عالم الغيب، فالإلحاد ليس مجرد إنكار لوجود الله، ولكنه إنكار لكل الغيبيات، لذلك يقول الملحد (جوليان بجيني) في حوار معه لدى مجلة الملحدين: «الإلحاد يبدو ظاهريًا ببساطةٍ  أنه نقيض الإيمان، أي الاعتقاد بعدم وجود الله أو أي آلهةٍ أخرى، لكن المسألة أعقد من ذلك بقليل، ذلك أن أغلب الذين يصفون أنفسهم بالملحدين لا يقتصر إلحادهم على عدم الإيمان بآلهة، وإنما يتسع  عدم إيمانهم ليشمل أي نوعٍ من الخوارق أو الماورائيات؛ لذا أعتقد أن  95 % من إلحاد الملحد هو في الواقع اتباعٌ للمذهب الطبيعي، ويعتقد الملحدون أنه أيًا كانت الأشياء الموجودة في الكون، فإن النوع الوحيد الممكن من هذه الموجودات هو ذلك الذي تصفه الفيزياء، وأن القُوى المؤثرة هي القُوى الفيزيائية وحسب».

الإيمان بالمحسوسات

     فالملحد لا يؤمن إلا بما هو محسوس وملموس في عالم الشهادة، ومن ثم فإنه ينكر وجود الروح، والملائكة، والجن، واليوم الآخر، والجنة والنار، ولكن المدهش أنه يؤمن بوجود الشيطان!، ويُعده أكثر المظلومين الذين يجب الدفاع عنهم. كتب الملحد (John Silver)يقول: «عزيزي إبليس كلنا معك!»، ولأنه يعرف أن إيمانه بإبليس يتناقض مع موقفه الكفري من الغيبيات، فإنه يستبق الاحتجاج عليه بذلك فيقول: إنه يتحدث عن إبليس من وجهة نظر قصصية، لا واقعية، كمن يكتب عن سندريلا وهو يعلم أنها شخصية خيالية. هو يقول ذلك، لكننا نقول له: لماذا الشيطان، لماذا يجعل الإنسان العاقل نفسه مع هالك له مصير قاتم!، والظاهر أنها منهجية الهدم، هدم العقائد، التي وطن الملحدون أنفسهم عليها؛ فهذا وأمثاله لا يطمحون من وراء تعاطفهم الشديد مع إبليس أن يوكلهم الأخير للدفاع عنه، ومن ثم إقناع الحمقى من أمثالهم بمظلوميته، إنما يطمحون للطعن في عدالة الله تعالى، حتى يصلوا في نهاية المطاف إلى القول بأنه لو كان الله موجوداً، وظالماً، فهو غير جدير بأن يعبد، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

إبليس والغيب والعدالة

     إن اختيار الملحدين لأنفسهم أن يكونوا شركاء إبليس، هدفه استدرار عاطفة كاذبة، واستدراج آثم إلى الطعن في وجود الإله، الذي يجب أن يكون عادلاً، ولكنهم يقولون إن سلوكه مع إبليس كان غير عادل، ولذلك فإنه ليس بإله، ولا ينبغي أن يُعبد، جل الله تعالى، عن ذلك يقول الملحد المذكور سابقاً: «إبليس كان الملاك الضحية الذي رفض السجود إلا لله مع أن الله أمره بذلك، و باعتبار عبادة غير الله كفر و الله وضعنا في الدنيا ليختبرنا فمن الممكن أن يكون قال لإبليس سجد اختباراً لإيمانه، وأما مقولة القرآن {إِلا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ} وقول إنه لن يسجد لأن إبليس من نار و آدم من طين فمردود عليها لأن إبليس لكونه الداهية كان سيقول لله إنه لا يسجد إلا له»، انتهى كلام الملحد، وهو كلام ساذج، سمج، يحمل في طياته شبهات ثلاث: الأولى: أن إبليس رفض السجود لآدم، لأن السجود لا يكون إلا لله، والثانية: عاقب الله إبليس دون ذنب، لأنه فهم أنه قال له اسجد لآدم ليختبر إيمانه، وعليه فيكون طرْدُه بعد ذلك من الجنة ظلمًا، والثالثة: القول بأن امتناع إبليس عن السجود كان سببه الكبر الذي بداخله، غير مقنع للملحد؛ لأن إبليس داهية، وحين سأله الله عن عدم السجود كان سيقول: لأنه لا ينبغي السجود إلا لك يا الله. وهكذا يصل المغفل وأمثاله إلى اعتقاد واحد من زعمين: الأول أن إبليس مظلوم، الثاني أن القصة برمتها غير مقنعة، ومن ثم فهي مجرد أسطورة لا حقيقة لها!.

دحر الشبهات الثلاث

     إن الأمر ليس كما يتوهم الملحدون، والشبهات الثلاث مردها إلى الجهل بالدين، والخلط بين العقيدة والشريعة، فالسجود قد يكون عقيدة حين يكون للتأليه والعبادة، وقد يكون شريعة حين يكون للتعظيم والتبجيل، فأما الأول فهو محرم في كل وقت، فلا يجوز أن يسجد أحد لغير الله سجود العبادة، وما لا يجوز في الاعتقاد لا يمكن الأمر به، لا على سبيل الاختبار، ولا غيره، وأما السجود الذي هو للتعظيم والتشريف، دون اعتقاد في المسجود له، فقد كان جائزاً في شرائع الأنبياء السابقين، وفي سورة يوسف أبرز مثال يوضح ذلك، قال تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} آية 100، وقد نسخ في الإسلام ذلك، فصار في شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يجوز السجود لغير الله لا عن اعتقاد ولا لمجرد التعظيم. فإذاً أمر الله الملائكة ومعهم إبليس بالسجود لآدم، لم يكن سجود اعتقاد ولكنه سجود تعظيم وتشريف وهو كان مباحاً في غير الشريعة الأخيرة، شريعة محمد؛ ولذلك سجدت الملائكة لأن المشرع -سبحانه وتعالى- الذي بيده التحليل والتحريم أمر بذلك، فإذا أمر بشيء فهو واجب، ولو كان قبل ذلك محرماً، فإنه يتحول على الفور بمجرد الأمر من دائرة الحرمة إلى دائرة الوجوب، فكيف به وهو فعل مباح أصلاً!، هكذا إذًا سقطت المقدمة الباطلة التي بنى الملحد عليها استنتاجه السمج، وهي شبهة أن إبليس لم يسجد لأن السجود لا يكون إلا لله، وأما الشبهة القائلة بأن إبليس داهية وكان سيسوغ عدم سجوده بأنه لا يسجد لغير الله، لا أنه خير من آدم، فإنه لم يعد لها محل بعد سقوط الشبهة الأولى، ومع ذلك فإنه لو قال مثل ذلك ـ لا يسجد لغير الله ـ لدل على أنه كائن هازل لا يفهم، ولا يعلم، مثل الملحدين، لكنه ليس كذلك، إنما هو كما وصفه الله: متكبر، قال سبحانه: {فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ} سورة البقرة، آية 34، فالجواب بأنه لا يسجد إلا لله لا يحمل جديداً في تعليل امتناعه، إنه يشبه الجواب عن سؤال: لماذا لا تشرب الماء في نهار رمضان، فتجيب لأني لا أشرب الماء في نهار رمضان!، فلذلك لم يُجب إبليس بجوابهم؛ لأنه ليس جواباً إنما هو تكرار للسؤال بصيغة الجواب، والفرق بين إبليس والملحدين أنه صادق مع نفسه، بينما هم في دفاعهم عنه يمارسون الكذب في أجلى صوره، وإن صدقه لم يكن في المطلق، إنما كان في إبانته  لسبب كبره فحسب، حين قال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} سورة الأعراف، آية 12، وسورة ص، آية 76، فقد كشف عن السبب الحقيقي لامتناعه وإن كان سببا غير صحيح في واقع الأمر؛ لأن الخيرية لم يحدد الله معيارها بأصل خلقة كل منهم (آدم، إبليس، الملائكة)، إنما بمقدار ما يَعلمه أي منهم، وما يُعلمه لغيره؛ هذه هي إذًا حكمة التفضيل التي غابت عن المتكبر في ثورة كبره، وأدركتها الملائكة، فإن الملائكة وإن كانت في أصل خلقتها أفضل من الطرفين، آدم، وإبليس، كونها مخلوقة من النور، لكنها سجدت بمجرد الأمر؛ لأنها فهمت عن الله، وعلمت أن الأمر يقتضي الوجوب، فإذا أمر الله فقد وجب التنفيذ، والله تعالى لم يأمر بالسجود لآدم إلا حين صار ذلك الأخير أعلم منهم، بل ومعلماً لهم: { قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ .. الآية} سورة البقرة، آية 33.  عند ذلك صدر أمر الله: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ} سورة البقرة، آية 34.      

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك