رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: محمد النجار 5 ديسمبر، 2016 0 تعليق

شبهات وردود الإسـلام وطـوفان الإلحـاد (7) التربية الإيمانية الخطأ والإلحاد

إن وسائل المعرفة في عصرنا الحالي تعددت، وأصبحت تلك الوسائل وقنواتها المختلفة من الكثرة؛ ما يصعب معه إحصاؤها، وبعض هذه الوسائل والقنوات ولاسيما الإنترنت والفضائيات، اتخذت من الإساءة للدين الإسلامي والطعن في ثوابته، ومقدساته، هدفاً لها؛ مما جعل بعض الشباب تحت وطأة الهجوم الضاغط عرضة للشك، أو العجز عن الرد في أحسن الأحوال؛ فتزلزلت عقائد بعضهم، التي هي من الأساس هشة، وهوى دينهم الذي لم يكن راسخاً ولا مبنياً على أسس ثابتة من صحيح الدين، واليوم نستكمل ما بدأناه في هذا الموضوع فنقول:

     يعد من أهم أسباب الإلحاد التربية الإيمانية الخطأ عند بعض الناس، والمقصود بطبيعة الحال، تلك التربية الإيمانية التي تكون مبنية على أسس غير سليمة؛ فالتربية الصوفية مثلاً، أساس هش يقوم عليه دين المتصوف، وهو لذلك عرضة للوقوع في الشبهات، والخلط بين مظاهر الكفر والإيمان؛ فلذلك لا يعد المتصوف بمنأى عن الوقوع في الإلحاد؛ لأن الباطل لا يؤدي إلا إلى الضلال؛ فما الفرق بين من يقول: إن العالم يقع تحت سيطرة الأقطاب السبعة، وهم أموات!! وبين من يقول: إن الله خلق الخلق ثم تركهم ليفعلوا ما يريدون دون تدخل منه، إنها أوجه متعددة لحقيقة إلحادية واحدة، كذلك فإن التربية الإيمانية التي تعتمد على الأديان الباطلة، أو المحرفة، هي أيضاً أساس هش، فإن العديد من الذين ألحدوا، ولاسيما في الغرب، كانوا يستهدفون التخلص من الكنيسة ودينها وتناقض كتبها، فاختاروا الإلحاد  حلاً لمشكلتهم؛ لأنهم لم يستطيعوا التفريق بين العقيدة الإيمانية القائمة على أسس صحيحة، وبين العقيدة الزائفة، القائمة على التلفيق والتحريف، والتناقض، ومن هنا فإن التربية الإيمانية القائمة على التصورات والمفاهيم والعقائد الباطلة لا يمكن أن تمثل حصناً مانعاً من وصول الإلحاد إلى عقول الأجيال ونفوسهم، يؤكد ذلك المعنى ما جاء في كتاب: (الله يتجلى في عصر العلم)، لنخبة من العلماء الأمريكيين؛ حيث يقول الكيميائي الأمريكي (وولتر أوسكار لندبرغ)، WALTER OSCAR LUNDBERG «المعتقدات الفاسدة هي التي تجعل الناس منذ الطفولة يعتقدون بإله على صورة إنسان، وعندما تنمو العقول بعد ذلك، وتتدرب على استخدام الطريقة العلمية فإن تلك الصورة التي تعلموها منذ الصغر لا يمكن أن تنسجم مع أسلوبهم في التفكير، أو مع منطق مقبول، وأخيراً عندما تخيب جميع المحاولات في التوفيق بين تلك الأفكار الدينية القديمة، وبين مقتضيات المنطق والتفكير العلمي، نجد هؤلاء المفكرين يتخلصون من الصراع بنبذ فكرة الله كلية، ومن ثم فلا يحبون العودة إلى التفكير في هذه الموضوعات التي تدور حول وجود الله».

ضعف التربية الإيمانية

     في كتابه عن الإلحاد يقول الشيخ: محمد الخضر حسين، المتوفى سنة 1958م: «لم يعد من السهل في هذه الأيام تربية النشء على الإسلام الحق دون تلوث هذا النشء ولو شيئاً يسيرًا بران هذه المدنية المخلوط فيها الحق والباطل؛ فالمدارس والأصحاب والأقارب الذين لا يملكون تصوراً واضحاً للإسلام،  قد يساعدون على الانحراف، بل قد يعمدون إلى فعل الشر لمتعة زائلة من متع الدنيا أو فكرة يرونها حقاً وهي باطلة، أو أنهم يتقصدون الشرور وصناعة الباطل للإضرار بالنشء، وهؤلاء مجتمعون يفرحون بما عندهم لوقت قصير ثم ما يلبثون أن يَجرُّوا ويلاتِ وعذابَ ما اعتقدوا لزمن طويل، فينشأ على ضوئها جيل مكون من الملاحدة يتنكر لشرع الله ويضاده».

     وهو يقول ذلك في زمانه من أكثر من خمسين عاماً، فكيف به لو أدرك زماننا، ورأى ما هبت به رياح الشرق والغرب عن طريق الإنترنت ووسائل التواصل، والإعلام، والمحاولات المستمرة لاقتلاع الثوابت، وتبديل القيم، وإحلال الثقافة المستوردة التي لا صلة لنا بها، التي لا شيء مشترك يجمع بيننا وبينها، مكان ثقافتنا الإيمانية الراشدة؟!

     وإن من أهم مداخل الإلحاد التي هي من أهم مظاهر ضعف التربية الإيمانية، أن ينشأ الشخص في بيت خال من آداب الإسلام، ومبادئه، وهداياته، فلا يرى فيمن يقوم على أمر تربيته من نحو والد أو والدة أو أخ، استقامة، ولا يتلقى عنه ما يطبعه على حب الدين، ويجعله على بصيرة من حكمته، فأقل شبهة تمس ناصية هذا الناشئ  تنحدر به إلى هاوية الضلال.

     وفي السياق نفسه حين يكون الآباء والأمهات والمربون في غفلة عن أبنائهم، ومن يقع تحت ولايتهم من الشباب والشابات، فيختلط هؤلاء ببعض ذوي النفوس القوية المؤثرة من زملائهم، أو جيرانهم، أو يستمعون إليهم، ويقرؤون لهم  عن طريق وسائل الإعلام والاتصال، فتأخذهم براعتهم في تزيين الباطل وتزييف الحقيقة، والإضلال، عند ذلك ستسوء عقيدتهم، وتنحرف ديانتهم، ويصيبهم الشك، الموصل للإلحاد.

     ولذا فإن قوة التربية الإيمانية، لا تكون بمجرد المتابعة للنشء، الكبار منهم أو الصغار، إنما بالقرب منهم، والاختلاط بهم، والانخراط معهم في شؤونهم، على نية المصادقة، والتحبب، لا المراقبة، والتشكك. فعند ذلك يمكن لنا أن نحول دون انتشار الخطر، قبل وقوعه. ثم التنشئة على فهم الدين عقيدة وأخلاقاً وسلوكاً، وفق منهج الوسطية والاعتدال، بما يحقق رسوخ الإيمان في نفوس النشء. وإن هذا في حد ذاته هو الأهم؛ لأنه سيصبح في وقت من الأوقات هو المناعة الحقيقية، والحصن الحصين لأبنائنا في وجه طوفان الإلحاد.

رد الفعل العكسي للتدين

     إن من أسباب الإلحاد عند بعضهم أن يكون لهم رد فعل نفسي عكسي رافض للبيئة الدينية التي عاشوا فيها على مستوى الأسرة والمجتمع، يؤكد ذلك صالح بن عثمان سندي في كتابه عن الإلحاد وسبل مواجهته، فيقول: «هم في الغالب نشؤوا في بيئة تحرص على الدين، ولكنها تفقد فنون التربية، فتجبر أبناءها ولا تقنعهم، وتتشدد في الالتزام بالفرائض دون تنمية جانب المراقبة لله ومراتب الإحسان، وهي كما يقال مجتمعات أبوية متسلطة، لا تقبل الخطأ من أبنائها، وتحملهم فوق طاقاتهم، فتجد الناشئ في مثل هذه المجتمعات يتحين متى يشب عن الطوق ويستغني عنها، لينفلت منها، ويعود ذاماً لها وناقماً عليها، ويصبح هذا هو دوره الأكبر في الحياة».

     إن هذا الكلام يعني أن الإسراف في الحرص على بلوغ المستوى المثالي في التدين لدى النشء، قد يؤدي إلى نتيجة عكسية؛ لأن الله -تعالى- خلقنا متفاوتين، في القدرات، والطاقات، وفي النواحي النفسية والجسدية والعقلية، ومن ثم فإن الالتزام الذي يشمل كل الدين بواجباته ومندوباته ومحرماته ومكروهاته، قد لا يسع كل الناس الالتزام به، لضعف في النفس، أو العلم، أو الإيمان، وذلك قد يكون في مرحلة عمرية ما، ثم يتصاعد المستوى الإيمان للمسلم إلى ما يقارب الكمال، كلما تقدم في العمر. فإذاً ليس من الحكمة أن يُطلب كمال الالتزام من كل الناس. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال: «إن هذا الدين يسر، ولن يشاد هذا الدينَ أحد إلا غلبه، فسددوا، وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدُّلْجة» رواه البخاري وأحمد. فالمبالغة في الحرص على التزام الأبناء قد تكون سبباً في تنفيرهم من الدين، حين لا يكون هذا الحرص مصحوباً بالحكمة، والموعظة الحسنة، والكلمة الطيبة، والترغيب، والتفهيم، والترهيب، والتذكير، والتغافل في بعض الأحيان.

التطرف الديني سبب في الإلحاد

     فمما أكد عليه بعض الباحثين في شؤون الإلحاد، أن سبب نمو هذه الظاهرة وانتشارها تشجيع دول الغرب للإلحاد ونشرهم له بكل الوسائل وتوفير كل الدعم له، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، بدعوى مواجهة الجماعات الدينية المتطرفة والإرهابية، يقول الدكتور خالد كبير علال: «إن الدول الغربية شجعت الإلحاد، بالأموال، والإعلام وحث المعاهد، والجماعات الإلحادية، والعلمانية على عقد الندوات وإنجاز الأفلام والأشرطة وتأليف الكتب، للدعوة إلى الإلحاد، ومواجهة الأديان عامة، والإسلام خاصة».

     إن هذا قد يبدو متعارضاً مع ما زعمه بعضهم من أن تلك الأحداث كانت سبباً في تعرف الإنسان الغربي على الإسلام، من خلال شراء الكتب التي تعرض الإسلام وتعرف به، إنهما قولان متوازيان، ولا تعارض بينهما إن صحا، فإن الذين أقبلوا على شراء الكتب لمعرفة الإسلام، هم الجماهير، بينما الذين قرروا محاربة التدين بالإلحاد، هم الحكومات، وفي كل الأحوال فإنه ليس من المؤكد أن كل من قرأ عن الإسلام اعتنقه، أو أحبه، أو سالمه، بينما المؤكد أن شراسة المواجهة الرسمية من دول الغرب للإسلام زادت حدتها بعد تلك الأحداث.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك