رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: محمد النجار 21 ديسمبر، 2016 0 تعليق

شبهات وردود الإسـلام وطـوفان الإلحـاد (9) الأصول الواهية للفكر الإلحادي

إن وسائل المعرفة في عصرنا الحالي تعددت، وأصبحت تلك الوسائل وقنواتها المختلفة من الكثرة ما يصعب معه إحصاؤها، وبعض هذه الوسائل والقنوات ولا سيما الانترنت والفضائيات اتخذت من الإساءة للدين الإسلامي والطعن على ثوابته، ومقدساته، هدفاً لها؛ مما جعل بعض الشباب تحت وطأة الهجوم الضاغط عرضة للشك، أو العجز عن الرد في أحسن الأحوال، فتزلزلت عقائد بعضهم، التي هي من الأساس هشة، وهوى دينهم الذي لم يكن راسخاً ولا مبنياً على أسس ثابتة من صحيح الدين، واستكمالا لما بدأناه في الحديث عن الإلحاد نقول:

     تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في ذاته: إن من أهم أسباب الإلحاد الفكرية، أن يتجاوز الإنسان حده، ويثق بعلمه وقدراته العقلية، فإذا هو يتطاول بفكره على ما لا يستطيع الإحاطة بعلمه، يبحث فيما لا قدرة له على إدراكه من ذات الله، متجاهلا كل ما أخبر الله به عن نفسه وحقيقته، ومتجاوزاً بفكره الخلق، ليقفز إلى التفكر في كنه الخالق سبحانه، وحين يحصل ذلك من أحد مهما بلغ علمه المادي فإنه لا شك سيتخبط في ضلالات الإلحاد وأوهامه التي لا تمت إلى الحقيقة بصلة، وسيقع بالضرورة في عديد من المغالطات التي لا صلة لها بالعلم؛ وذلك لأن المعايير التي يحتكم إليها الملحد في سبيل وصوله إلى الحقيقة تقوم على المشاهدة والتجربة، وهذا إنما يصلح معياراً للبحث في الطبيعة، لا للبحث عن خالق الطبيعة، إن أعظم خطأ منهجي يقع فيه الملحد، حين يدعي البحث عن الله، أن يطبق قوانين المادة على الله سبحانه، فيجعل الله، جزءاً من الطبيعة، ويجري عليه قوانينها، ثم يصل بالتالي إلى جحوده جل وعلا بدعوى أنه هو أيضاً يحتاج إلى من يخلقه؟!!

     وليس في هذا ما يدل على العقلانية أو العلمية في شيء بل هو من الحماقة؛ لأن الله -سبحانه- من أسمائه أنه الأول، فهو الخالق لكل شيء، وقبل كل شيء، وفي صحيح البخاري من حديث عمران بن حصين ، رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض». فكل ما سواه حادث كائن بعد أن لم يكن، وقد أنشأنا الله -تعالى- وسائر ما في الكون غيره، من العدم، وحد لكل مخلوق حدوداً، وعين له من الشكل والصفات ما يتميز به عن غيره، وأمره بوظيفة يقوم بها في الحياة، ودورا متميزاً في الوجود، وجعل النقص وصفاً لازماً لكل أحد من خلقه، والفناء نهاية متحتمة لجميع مخلوقاته، فعند ذلك لا ينبغي لمن ميزه الله بالعقل، والفهم، أن يحاول تجاهل قدراته المحدودة، وتجاوز إمكاناته المتواضعة، بطلب العلم المحيط بذات الإله الذي أخبرنا سلفاً بمحدودية قدرتنا مهما بلغت، فقال سبحانه: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} سورة النساء آية: 28، وقال: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} سورة طه آية: 110، ولذلك ينهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن السير في هذا السبيل؛ لأنه لا يوصل إلى شيء، إنما هو من الضلال إلى ما هو أضل، ومن التيه إلى مزيد من التيه، ولذلك جاء في الأثر: «تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله»، و«تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق فإنكم لا تقدرون قدره»، و«تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله فتهلكوا»، و«تفكروا في كل شيء ولا تفكروا في ذات الله -تعالى- فإن بين السماء السابعة إلى كرسيه سبعة آلاف نور وهو فوق ذلك». «رويت بأسانيد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، حسنها العلماء بمجموعها».

     خلق السموات والأرض يدعو للتواضع: في حوار مترجم أجري مع أحد الملاحدة المشهورين في أمريكا، وهو عالم الفيزياء الفلكية، deGrasse Tyson Neil يسأله المحاور فيقول له: ما الأشياء التي تجد أنها الأكثر روعة؟ فيجيبه قائلا: «هناك شيئان، واحدٌ يتعلق بتكوين العناصر الثّقيلة في النّجوم التي أتت للأرض، وأصبحت داخل جسم الإنسان وجميع أنواع الحياة على الأرض، ومن حيث الحقيقة: الأكثر دهشةً التي لا نعرف عنها شيئًا، هناك مادةٌ مظلمةٌ وطاقةٌ مظلمةٌ، ونحن لا نعرف ما هو أيٌّ منهما، كل ما نعرفه ونحبه بشأن الكون وكل قوانين الفيزياء من حيث انطباقها، ينطبق على أربعةٍ في المائة من الكون، هذا مذهلٌ، وهذا يجعلها من أكثر الحقائق التي تدعو للتواضع».

     لقد أدرك الملحد أن كل القوانين العلمية التي عرفها البشر لا تنطبق إلا على 4% من الكون، ويقول: إن هذا يدعو للتواضع، لكنه مع الأسف ليس تواضعاً لله، ولكن تواضع للطبيعة ذاتها!!. وهذا من عجائب الملحدين؛ إذ كيف يعترف بأن أربعة في المائة فقط من الكون هي التي يستطيع تطبيق علمه عليها، ويعترف بأن هناك ستة وتسعين في المائة 96% لا يعرف عنها شيئاً، ولا ما القوانين الطبيعية التي تعمل في نطاقها، ثم هو بعد ذلك يزعم أن هذا الكون (غير المعلوم لديه) الذي لم يدرك من قوانينه العلمية سوى هذه النسبة الضئيلة، لا خالق له!!، ويتبجح بإنكار الخالق العظيم، الذي أخبرنا بأنه خلق كل شيء وحده، وبدون معاونة، ولا مشاهدة، من أحد، قال سبحانه: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} سورة الكهف، آية: 51، ثم ما الذي يمنع إزاء هذه الحقيقة المذهلة، أن يكون ما يتصور الإنسان أنه حقائق علمية في ظل هذه المعرفة شديدة النقص بالكون، أن يصبح في المستقبل مجرد تاريخ علمي فيثبت خطؤه. إن المفترض بالجاهل العاقل، أن يقر بجهله بما لا يعلمه، ويقر في القوت ذاته بعلم من يدعي علم ما يجهله، أمَّا أن يكون المرء جاهلاً ومجادلاً وجاحداً، فإن هذا ليست له تسمية إلا الحمق.

     الصدفة أم الجهل: الصدفة هي تعبير يقصد به الملاحدة وجود الكون دون إرادة فاعلة، ولا إعداد مسبق، ولا قصد من أحد، والصدفة بهذا المفهوم، تعد لغزاً كبيراً، وليست إجابة شافية وافية على سؤال: من خلق الكون؟ لأنه من المسلم به، أن الكون يسير وفق حسابات دقيقة، وأن به من التعقيدات الشديدة، ما يجعل السؤال أكثر إلحاحاً، من خلق الكون؟ الملاحدة يقولون: إن الكون أزلي، وأنه لا بداية له ومن ثم فلا نهاية له، فهو موجود بنجومه وكواكبه ومجراته وشموسه، وبقواه الأربعة: (القوة النووية القوية، القوة النووية الضعيفة، القوة الكهرومغناطيسية، والجاذبية)، التي تفسر التفاعل الأساسي في الطبيعة، يقولون: هي هكذا منذ الأزل، وقولهم منذ الأزل، لا يعني التوصل إلى حقيقة معينة، ولكن يعني العجز عن الإجابة عن السؤال، من خلق الكون؟، إنه نوع من الهروب، وهم يعترفون بذلك، فيقولون: إن العلم لا يعرف الآن الإجابة، لكن ذلك لا يعني عدم القدرة على الإجابة يوماً ما، وذلك لأن العلم ينمو ويتطور، وقدرات الإنسان لا حدود لها، هكذا إذن يأتي تصريح داروين Charles Darwin robert في كتابه (أصل الأنواع) حول مفهوم (الصدفة) فيقول: «لقد تكلمت في بعض الأحيان كما لو كانت التحولات والانتخاب الطبيعي راجعين إلى محض الصدفة، إن هذا التعبير بعيد عن الصحة بعدا كبيراً، غير أنه يكفي على ما يظهر للتعبير عن جهلنا السبب في حدوث كل تحول خاص». إن ما ذكره داروين، الهالك في 1882م، لا يزال إلى يومنا هذا حقيقة لا يزيدها طول الزمن إلا تأكيداً، فكلما تقدم العلم كلما ازداد يقين العلماء بالجهل؛ إذ إن تقدم العلم في القرنين العشرين والواحد والعشرين كشف عن جهلنا أكثر، وما المادة المظلمة والطاقة المظلمة التي أشار إليها نيل ديغراس تايسون، على النحو السابق الإشارة إليه إلا دليل على ذلك.

     وفي أول كتاب (التصميم العظيم) لستيفن هوكنج وليونارد وملودنو جاء: «إننا نعيش جميعاً لمدة قصيرة، وفي تلك المدة نستكشف جزءاً صغيرا من هذا الكون.. إلى أن قال: لقد بات علماء الطبيعة هم حملة شعلة الاكتشاف، في رحلتنا نحو المعرفة، هدف هذا الكتاب هو إعطاء إجابات في ضوء بعض المكتشفات الحديثة والتطورات النظرية». وفي كتابه (ميلشيا الإلحاد)، بعد أن أورد هذه العبارات، يقول الدكتور عبد الله العجيري: «وفعلاً فالكتاب يسعى لتقديم إجابات العلوم الطبيعية عن سؤال نشأة الكون ووجود الخالق، وبطبيعة الحال فالإجابة التي قدمها هذا الكتاب إجابة متوافقة تماماً مع المزاج المادي الإلحادي، وإن كانت شديدة التباين مع المحكمات العقلية؛ حيث يزعم أنه وبسبب وجود قانون كقانون الجاذبية فإن الكون يمكن وسوف يُحْدث نفسه بنفسه من لا شيء».

قانون الجاذبية بريء من الإلحاد:

     في الوقت الذي تلقف فيه الملاحدة قانون الجاذبية واعتبروه واحداً من أهم الأسباب والعلل لكثير من مظاهر الكون والحياة، ومن ثم لم يعودوا بحاجة لعزو هذه المظاهر إلى الله وقدرته – فيما زعموه من تعليل لإلحادهم، نجد مكتشف قانون الجاذبية، إسحاق نيوتن Isaac Newton حين سأله الناس أن يأتيهم بدليل على وجود الله يكون في دقة المحسوس، قال: «لا تشكوا في الخالق؛ فإنه مما لا يعقل أن تكون الضرورة وحدها هي قائدة الوجود؛ لأن ضرورة عمياء متجانسة في كل مكان وفي كل زمان، لا يتصور أن يصدر منها هذا التنوع في الكائنات، ولا هذا الوجود كله، بما فيه من ترتيب أجزائه وتناسبها، مع تغيرات الأزمنة والأمكنة، بل إن كل هذا لا يعقل أن يصدر إلا من كائن أوليّ له حكمة وإرادة». ثم قال: «ليس هذا كل ما في المسألة، فإن الله ضروري أيضا، سواء لإدارة هذه الأجرام على بعضها، وهو الأمر الذي لا يمكن أن ينتج من مجرد قوة الجاذبية، أو لتحديد وجهة هذه الدورات، لتتفق مع دورات الكواكب، كما يرى ذلك في الشمس والقمر وتوابعها». 

     ثم قال: «وغير هذا، ففي تكون الأجرام السماوية، كيف أن الذرات المبعثرة استطاعت أن تقسم إلى قسمين، القسم المضيء منها انحاز إلى جهة لتكوين الأجرام المضيئة بذاتها، كالشمس والنجوم، والقسم المعتم تجمع في جهة أخرى، لتكوين الأجرام المعتمة، كالكواكب وتوابعها، وكل هذا لا يعقل حصوله إلا بفعل عقل لا حد له «، دائرة معارف القرن العشرين، ج1، ص496. فهذا مكتشف قانون الجاذبية لم يزده اكتشافه للقانون إلا إيمانا بالله ، فكيف يجوز لمن جاء من بعده أن يحرف هذا القانون، ويجعله وسيلة إلى جحود الله؟

إن هؤلاء من الذين قال الله فيهم: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} سورة الحج، آية:46. 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك