رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وسمية المسيطير 26 ديسمبر، 2022 0 تعليق

شبهات حول المرأة في الإسلام – نماذج من تكريم المرأة  في الشريعة          (1)

 

يكثر الحديث في هذه الأيام عن حقوق المرأة وحريتها؛ حيث يحاول بعض الناس تشويه صورة المرأة في الإسلام، ويظهرها وكأنها مظلومة ومسلوبة الحقوق ومغلوب على أمرها، فالإسلام بنظرهم فرّق بينها وبين الرجل في الحقوق، وجعل العلاقة بينهما تقوم على الظلم والاستبداد لا على السكن والمودة، الأمر الذي يستدعي من وجهة نظرهم قراءة الدين قراءة جديدة، تقوم على مراعاة الحقوق التي أعطتها الاتفاقيات الدولية للمرأة، ومحاولة تعديل مفهوم النصوص الشرعية الثابتة كي تتوافق مع هذه الاتفاقيات.

 

     والتدليس الموجود في خطاب المشككين في الإسلام في مكانه المرأة كثير؛ لذلك -وقبل الدخول في التفاصيل هذا الموضوع- نقدم له مقدمات في تكريم المرأة:

1 -   المرأة قدوة للرجال

     في قول الله -تبارك وتعالى-: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ومَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} (سورةالتحريم -12)، فالله -سبحانه وتعالى- جاء بالمثل للمؤمنين كلهم، فالمثل أو القدوة عبارة عن امرأتين، وهذا يعني أن الإسلام جعل بعض النساء قدوة للرجال ولا يمكن لدين أن يجعل للمرأة هذه المكانة ثم يظلمها في أبواب أخرى.

2 -  وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - للمرأة

     اجتمع أكبر عدد أمام الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حياته من المسلمين في حجة الوداع، ما يقارب المئة ألف، وفي هذا الاجتماع الكبير أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - بمجموعة من الوصايا كان من ضمنها: قال: «اتقوا الله في النساء»؛ فمن يحرص في هذا المقام أن يوصي بالنساء لا يمكن أن يظلم المرأة في مقامات أخرى، فالمشككون في الإسلام من خلال شأن المرأة لا يذكرون مكانة المرأة في الإسلام، ولا يذكرون الحقوق التي كفلها الإسلام للمرأة، يذكرون فقط ما يرونه من سلبيات.

3 -  حماية المرأة من التعدي

     وهذه نجدها في مواضع عديدة نادرًا ما نراه في أي نظام عالمي أو ديني، ومن أنواع تكريم المرأة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - طرد قبيلة كاملة بسبب التعدي على امرأة، امرأة من المسلمين قدمت إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - من بني قينقاع؛ فجعل اليهود يريدون كشف وجهها، فرفضت المرأة المسلمة فجاء أحد اليهود من خلفها فربط طرف ثوبها، وعندما وقفت انكشفت المرأة فصرخت، فحدث خلاف بين المسلمين واليهود واقتتلا، ولما بلغ الرسول - صلى الله عليه وسلم - الخبر أخرج هذه القبيلة بكاملها بسبب قد نراه بسيطاً لكنه عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عظيم، وهو التطاول على المرأة المسلمة والتعدي على كرامتها وقتل رجل مسلم.

4 -  صورة المرأة الكبيرة

     وأيضًا من أنواع التكريم أنَّ امرأة عجوز جاءت تشكي زوجها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي تقول: «أكل شبابي، ونثرت له بطني حتى إذا كبرت وانقطع ولدي مني، ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك» ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينصت لها ويسمع شكواها بتواضع ورحمة، بل ليس الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي استمع شكواها وتواضع لها، إنما ربُّ العالمين -جل شأنه- من فوق سبع سماوات سمع شكوى هذه المرأة الضعيفة المسكينة، وبيّن الحل لشكواها فقال الله -تبارك وتعالى-: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} (المجادلة -1).

     فهذه الآيات نزلت لكي يتلوها الناس فيتذكروا تلك المرأة، وأن تكريمها جاء في القرآن ليؤكد أن المرأة مهما كانت كبيرة أو ضعيفة، فالإسلام نصير لها، يحميها ويرفع مكانتها ويصونها بما لا تجده في أي مجتمع من المجتمعات.

5 -  أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - برأي المرأة

     بل من رجاحة عقلها وسداد رأيها فإن سيد الأولين والآخرين - صلى الله عليه وسلم - أخذ برأي إحداهن وهو النبيّ وقائد أمة، ليبين لنا مكانة المرأة وقيمة رأيها واحترام وجهة نظرها، وأن أولئك الذين يستهينون برأي المرأة ويعدون استشارتها والنزول على رأيها عيباً كبيراً في الرجولة، فهؤلاء لا ينسب فعلهم للدين، فديننا كرّم رأي المرأة واحترمها، فبعد فراغ الرسول - صلى الله عليه وسلم - من صلح الحديبية، أمر أصحابه بالتحلل من إحرامهم فلم يقم منهم أحد، فدخل على أم سلمة -رضي الله عنها- غاضبا؛ فقالت له: لا تلمهم؛ فإنهم قد داخلهم أمر عظيم مما أدخلت على نفسك من المشقة في أمر الصلح، ورجوعهم بغير فتح.

     ثم أشارت عليه أن يخرج ولا يكلم أحداً منهم، وينحر بدنه، ويحلق رأسه، ففعل كما قالت؛ فلماّ رأى الناس ذلك، فقاموا ونحروا وحلقوا؛ فهل بعد ذلك يقول قائل: إن الإسلام لم يقدر المرأة؟

6 -  الإسلام كرّم المرأة أمًّا

     الأم ذات قيمة عالية في الإسلام؛ فهي تعامل باحترام وتوقير غير طبيعي، وعندما جاء رجلٌ للرسول - صلى الله عليه وسلم - يستأذن للغزو، قال: «هل لك أم؟ فقال: نعم، فقال له الرسول- صلى الله عليه وسلم -: فالزمها فإن الجنة تحت رجليها»، لقد أمره ألا يترك أمه في هذه الحياة ثم يذهب ليجاهد، فإذا أراد الجنة بجهاده فالجنة عند رجلها، فأي إكرام وإجلال للمرأة عندما تضعف وتحتاج لسند لها بعد الله -تبارك وتعالى؟ بل أي نظام في الدنيا يكرم الأم مثلما كرمها الإسلام؟

7 -  الوصية ببر الأم

     أيضاً من إكرام الإسلام للمرأة أمًّا: أن رجلاً جاء للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟، فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: أمك، ثم قال: ثم من؟ فقال: أمك فقال: ثم من؟ فقال: أمك، فقال: ثم من؟ فقال: ثم أبوك.

     انظروا لتقدير الإسلام للأم، وانظروا إلى أهل الكفر والإلحاد، كيف يكون مصير الأم عندهم إذا كبرت؟ إما في مقر العجزة إذا كان عندها مال، أو تعيش وحدها مع كلبٍ يؤنس وحشتها، وقد يقول بعضهم: نرى مثل هذه الحالات في ديار المسلمين، فنقول: ليس هذا من الإسلام، ومن عق والديه سيجد العقوبة في دنياه وآخرته.

8 -  العلاقة بين الرجل والمرأة

     والعلاقة بين الرجل والمرأة في الإسلام علاقة عهد وميثاق غليظ، سيسأل عنه الرجل، ولو قصر فيه، فقد قال الله -تبارك وتعالى-: {وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} (سورة النساء -21)، أي أخذ الله على الأزواج ميثاقاً غليظاً بالعقد، والقيام بحقوقها {ميثاقاً غليظاً} أي لا يوجد له نظير من العقود؛ فأشد ما يكون من العقود وأخطرها هو عقد النكاح؛ فالنساء أخذن من الرجال عهداً شديدا ًبالقيام بحقوقهن بالرعاية والحماية من كل سوء، وقال الله -تبارك وتعالى- مؤكداً حق المرأة في العشرة الطيبة الكريمة: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (سورة النساء -19)، بمعنى المعاشرة القولية والفعلية من الصحبة الجميلة، وكف الأذى، وبذل الإحسان، وحسن المعاملة، ويدخل في ذلك النفقة، وهذا يتفاوت بتفاوت الأحوال (ابن عثيمين).

     وفي حال حصلت كراهية طبيعية بين الرجل وامرأته فإن الله -سبحانه وتعالى- يوصي الرجل بالإمساك بزوجته، فربما تزول الكراهية وتخلفها المحبة، وربما رزق منها بولد صالح، فيقول الله -تبارك وتعالى-: {فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (سورة النساء-19)، فالإسلام يعلمنا احترام الزوجة والصبر عليها، ويدفع الأسرة نحو الاستقرار، واستدامة المودة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك